يعاني لبنان من الإنهاك الوظيفي، منذ بدء المشاكل وتراكمها يومًا بعد يومٍ، مع بدء الثورة والانتفاضة عام 2019، مرورًا بإغلاق البلد وتسكير المؤسسات أيّام فترة كورونا، وصولًا الى الدّمار والحروبات التي نعيشها اليوم.
لذلك، غالبًا ما يشعر الموظّف اللبناني إمّا بالهرب من وظيفته كونها لا تؤمّن له ربع مبتغاه، وإمّا بالإرهاق التّام وتفكيره الزائد بأنّه سيُصرف من عمله في أيّ لحظةٍ لسببٍ ما، مثل تقليص عدد الموظّفين، وإمّا بالخوف من أن تُغلق المؤسسة أبوابها وتعلن إفلاسها مثلما حصل في الكثير من المرّات، سيّما في الفترة الأخيرة. وهذا ما يُعرف بالاحتراق الوظيفي.
وفي السياق، أدرجت منظّمة الصحة العالمية “الإجهاد النفسي الوظيفي” أو “الاحتراق الوظيفي”، ضمن قائمة التصنيف الإحصائي الدولي للأمراض، حيث تم الاعتراف بهذه المتلازمة عالميًا عام 2022.
ومن أكثر التعريفات العلمية قبولًا واستخدامًا لمفهوم الاحتراق الوظيفي، تعريف “ماساك” و “جاكسون” (Maslach & Jackson, 1981) اللذين عرفاه بأنه: “إحساس الفرد بالإجهاد الانفعالي، وتبلد المشاعر، وانخفاض الإنجاز الشخصي”.
وعرفه (فيدرابيسي، 1993م) (Pedrabissi et al., 1993) بأنه: “حالة تتسم باللامبالاة والانعزال والتجرد والسلبية في العلاقات الشخصية الناجمة عن الشعور بالضغوط النفسية التي يتعرض لها الفرد في عمله”. (الهداب، المخلافي، 2020).
وغالبًا ما يُعدّ هذا الإرهاق متلازمة ذات أعراض واضحة مثل السلبية والشعور بالتعب وعدم الاكتراث للوظيفة وانخفاض الأداء في العمل. ويمكن أن يؤثر في حياة العمل والاقتصاد أيضًا.
وتوضّح كريستينا ماسلاش، أستاذة علم النفس في جامعة كاليفورنا، ومؤلفة كتاب “تحدّي الاحتراق” أنّ “الاحتراق هو رد فعلنا للضغط النفسي لضغوط العمل المزمنة. والتعافي منهُ هو المشكلة لأنّه الأصعب”. وركّزت ماسلاش على انخفاض الكفاءة المهنية بما في ذلك صعوبة معالجة المعلومات واتّخاذ القرارات.
كشف تقرير لمؤسسة “غالوب” تناول فيه حالة العمل العالمية للعام 2023، وجاء لبنان في المرتبة الثانية كأكثر بلد يكابد فيه الموظفون توترًا يوميًا وعصبيّة في مجال عملهم. وكأكثر بلد في الشرق الأوسط، يعاني العاملون فيه قلقًا يوميًا في نطاق الوظيفة. أمّا حالة الغضب اليومي في بيئة العمل لدى الموظّفين، فهي ثالث أعلى نسبة في المنطقة.
وارتكز التقرير على 3 مقاييس: مشاركة الموظفين، المشاعر السلبية اليومية وسوق العمل. وأشار إلى أنّ تدنّي مستوى مشاركة الموظفين في عملهم، والذي يؤثر بشكل سلبي في الاقتصاد العالمي، بحيث انه يكلف 8.8 تريليونات دولار، أي حوالى 9% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، وهو ما بيّن أنّ 44% من الموظّفين المستطلعين يعانون من توترات يومية في مجال عملهم. و21% هم في حالة غضب يومي، معتبرًا أنّ هذه المستويات قياسية بالرغم من أنّ العالم قد تعافى من جائحة كورونا عام 2022.
وأظهر التقرير أنّ 53% من الموظّفين للعام 2023، يبحثون عن عملٍ على مسافة قريبة من بيتهم (مقارنةً بـ45% عام 2021). في حين أنّ أكثر من 51% من الموظفين الحاليين يبحثون عن وظيفة جديدة. وتبيّن أنّ مشاركة الموظّفين في عملهم لها تأثير أكبر بـ3.8% أضعاف من أثر بُعد مسافة مكان العمل عن منازلهم.
كيف نتعافى منه؟
في الإطار، يؤكّد الدكتور في علم النّفس د. اسطنبولي، أنّه في حال شعرت بأنّك مستنزف تمامًا في عملك، ولا تحصل على إجازات كافية، وأنّ عملك بدأ يؤثر في صحّتك النفسية والجسدية، فانتبه لأنّك دخلت مرحلة الاحتراق الوظيفي.
وفي حديثه للدّيار، يؤكّد أنّ الأزمة الاقتصادية في لبنان، ساهمت في انتشار الأمراض النفسية والحالات الصعبة كهذه. لذلك، وللحدّ منها، علينا أولًا أخذ فترات راحة أكثر من قبل، فالقيلولة مهمّة جدًا لصحتنا النفسية، الابتعاد قدر المستطاع عن مواقع التواصل الاجتماعي والهاتف، اختيار وظيفة تناسبنا أكثر من ناحية الدّوام والرّاتب، القيام بأنشطة رياضية وفنية أو موسيقية، والأهم من ذلك كلّه تعلّم متى علينا أن نقول لا وأن نقول نعم ومعرفة كل حقوقنا في الوظائف.
مارينا عندس – الديار