رغم انزعاج وزارة المال وإصدار بيان تحاول فيه تبرير بياناتها الرديئة بشأن المالية العامة والاقتصاد اللبناني، إلا أن تقديرات وكالة «ستاندر أند بورز» لتصنيف لبنان التي صدرت أمس، جاءت مبنيّة، بشكل أساسي، على قراءة سلبية لمخاطر الوضع السياسي والأمني، إلى جانب البيانات الرديئة التي تعكس مزيداً من السلبية.ويخلص تصنيف الوكالة إلى أن المعاناة في لبنان ستستمر لسنوات مقبلة. فالدَّين الخارجي بات يمثّل 90%، والناتج المحلي الإجمالي سيرتفع قليلاً في 2026 إلى 19.4 مليار دولار، ثم سيعاود الانخفاض إلى 18.7 مليار دولار في السنة التالية، أي بمستوى مماثل لما هو عليه الآن. وبالتوازي، لن يتجاوز نصيب الفرد من الناتج 3200 دولار في 2027، أي 35% مما كان عليه في 2018، والادّخار العام سيبقى في حالة عجز بقيمة 3.7% من الناتج، ونسبة الدين إلى الناتج ستبلغ 236.8% في 2027 مقارنة مع 143% في 2018، أما إذا استمر الوضع الحالي، فإن سعر الليرة مقابل الدولار سيرتفع إلى 151 ألف ليرة في 2027.
توقعات الوكالة جاءت في سياق فرضية السيناريو الأساسي، أي السيناريو الأكثر قابلة للتحقّق برأي «ستاندرد أند بورز». فإلى جانب مخاطر الفراغ السياسي في بنية الحكم، ازدادت المخاطر الجيوسياسية الإقليمية، بينما لم يعد التقدّم ممكناً، خلال المدى القريب، بشأن الإصلاحات المطلوبة وإعادة هيكلة الدين. وتقول الوكالة إن لبنان يعاني من «اختلال في البيئة السياسية والأمنية والمخاطر الخارجية التي تؤثر على فعالية المؤسسات». كما لاحظت الوكالة أن البيانات المالية الحكومية نادرة ومحدودة «وتخضع لقدر كبير من عدم اليقين بشكل غير عادي، ونعتقد أنه سيستمر على المدى القريب في المستقبل». صدور تقرير «ستاندرد أند بورز»، دفع وزارة المال إلى إصدار بيان توضح فيه أنها «سعت إلى تزويد المؤسّسة (الوكالة) بالمعطيات المتوافرة حول التطورات على صعيد المالية العامة في ما خصّ وضعية الدين العام»، إلا أنها برّرت انعدام دقّة المعلومات بتدنّي الإمكانات البشرية والتكنولوجية، بالإضافة إلى أن «التقلبات الحادة في أسعار الصرف، وتعدّد أسعار الصرف خلال الأعوام السابقة حالا دون إمكانيّة الوزارة في نشر أرقام تعكس الواقع الحقيقي».
في ستة مستويات من التصنيف، سجّل لبنان الدرجة «الأضعف»، وهي: تقييم المؤسسات، تقييم الاقتصاد، التقييم الخارجي، مرونة وأداء المالية العامة، الدَّين، التقييم النقدي. وتتوقع الوكالة مزيداً من انكماش الاقتصاد بمتوسط 1% في عامَي 2024-2025، وذلك يعود إلى «ضعف ثقة المستثمرين، وتعطّل النشاط التجاري، وتأثير النازحين داخلياً، وانخفاض تدفقات السياحة». فمنذ عام 2020 لغاية الآن، انكمش الاقتصاد إلى 16 مليار دولار مقارنة مع 53 مليار دولار في 2019. كما انخفض نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي إلى 3000 دولار في عام 2024.
إذاً، البيانات غير موثوقة، وهذا لا يعني أنها ستعكس أوضاعاً أفضل لو كانت موثوقة، بل هي بوضعها الحالي تعني على الغالب أن الوضع أسوأ بكثير، وأن محاولات تجميلها جارية. وبحسب الوكالة، فإن لبنان يملك مخزوناً كبيراً جداً من الدَّين العام، إلى جانب ضعف في ميزان المدفوعات وبلا مرونة للسياسة النقدية. صحيح أن مصرف لبنان أجرى توحيداً لسعر الصرف هو الأقرب إلى السوق الموازية، وأن الموازنة اعتمدت هذا السعر لتقدير إيراداتها من الجمارك والرسوم، إلا أن «قدرة لبنان المحدودة على الاقتراض تقيّد الإنفاق بشكل فعال، ما يؤدي إلى تفاقم العجز المالي الصغير في توقعاتنا المالية حتى عام 2027». ورغم أنه تم تسجيل فائض صغير (على أساس نقدي) للنصف الأول من عام 2024، إلا أن الوكالة استندت إلى «استئناف الاقتراض بالعملة الأجنبية من الأطراف المتعدّدة (مثل البنك الدولي والمنظمات الدولية…)» وإلى «تعديل رواتب القطاع العام» لتقول إن التوازن في موازنة 2024 سيتحوّل إلى عجز في السنوات الثلاث التالية بمعدل وسطي يبلغ 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي. «ونعتقد أن قيود التمويل هذه ستستمر، مع الحد الأدنى من التمويل من صناديق التقاعد العامة (الضمان الاجتماعي)» تقول الوكالة.
وتقدّر الوكالة أن نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت 210% في 2024 بعدما كانت 160% في 2019، لكن الدين بالعملة الأجنبية ارتفع من 40% إلى 97%. كما أشارت إلى أن الحكومة كانت قد توقفت عن سداد فوائد الدين لمصرف لبنان في 2021، لكنها عادت إلى تسديد مدفوعات الفوائد لعام 2024 وأنها تنوي تسديد متأخرات 2021-2023 اعتباراً من عام 2025، ما يعني أن «إنفاق الحكومة على الفوائد سيكون أكبر من 10% من إيرادات الحكومة في الفترة ما بين 2024 – 2027». وهذا الالتزام لا يحتسب ضمن تصنيفات الوكالة التي تعتبر أن مصرف لبنان دائن غير تجاري.
نسبة الدين إلى الناتج ستبلغ 236.8% في 2027 مقارنة مع 143% في 2018
وتلفت الوكالة إلى أن الحساب الجاري سجّل عجزاً بمتوسط 6.5 مليارات دولار خلال 2022-2023، لكنها تتوقع أن يتراجع قليلاً إلى 4.5 مليارات دولار خلال 2024-2027، أي أكثر من ربع الاقتصاد. وهذا يأتي في ظل «غياب أي تقدّم جدير بالثقة على مسار إعادة الهيكلة والإصلاحات»، ما أدّى إلى تبخّر ثقة المستثمرين، واعتماد الاقتصاد على التحويلات غير المسجّلة ومدّخرات المقيمين المتراكمة. ولمّحت الوكالة إلى أنه «منذ عام 2018، أثّرت التدفقات المستمرة للودائع إلى الخارج، ومدفوعات القروض المتعددة الأطراف، والتدخلات من خلال منصّة صيرفة بشكل كبير على احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصرف لبنان»، ثم أشارت إلى أن مصرف لبنان أنهى «تمويل العجز المالي ودعم المواد الغذائية والوقود، نظراً إلى الاستنزاف المستمر للاحتياطيات»، مقدرة أن قيمة احتياطات النقد الأجنبي، بما فيها الذهب، وباستثناء سندات اليوروبوندز، هي 32.5 مليار دولار في 15 تموز 2024، مقابل 52 مليار دولار في نهاية عام 2017. وتقدّر أن «الاحتياطيات القابلة للاستخدام تبلغ 18 مليار دولار في نهاية عام 2024»، علماً أنه لا يمكن استعمال الذهب من دون تشريع برلماني. وتوقعت الوكالة أن ينخفض التضخم بسبب معدلات الدولرة المرتفعة للغاية، واستقرار الليرة، علماً أن التضخّم الأساسي كان مرتفعاً. لكن استمرار الوضع الحالي سيرفع قيمة الدولار مقابل الليرة إلى 151 ألف ليرة في 2027.
المصدر: جريدة الأخبار
Dollar to Reach 151,000 LBP by 2027: A Stark Forecast
Despite the Ministry of Finance's attempts to justify its poor financial data with a recent statement, the latest report from Standard & Poor’s paints a grim picture of Lebanon's economic future. The agency's assessment highlights a continued struggle in Lebanon over the coming years, driven by political instability and dismal financial data.
According to Standard & Poor’s, Lebanon's external debt now represents 90% of its GDP, with GDP expected to slightly increase to $19.4 billion in 2026 before declining again to $18.7 billion the following year. This level mirrors current figures. The per capita GDP is projected to remain at $3,200 by 2027, just 35% of what it was in 2018. The public savings deficit is expected to be 3.7% of GDP, with the debt-to-GDP ratio rising to 236.8% in 2027 from 143% in 2018. If the current trends persist, the Lebanese pound (LBP) could fall to 151,000 LBP against the dollar by 2027.
The agency’s forecast is based on the most likely scenario, which includes ongoing political and security risks, along with poor financial data. Standard & Poor’s notes that Lebanon suffers from a “distorted political and security environment” and external risks impacting institutional effectiveness. The lack of reliable financial data compounds the uncertainty, which is expected to continue in the near future. The Ministry of Finance has responded, claiming that the lack of accurate data is due to limited technological and human resources and severe currency fluctuations.
Lebanon is rated at the lowest level across six categories: institutional assessment, economic evaluation, external assessment, fiscal performance and flexibility, debt, and monetary assessment. The agency anticipates further economic contraction averaging 1% for 2024-2025, driven by weak investor confidence, business disruptions, internal displacement impacts, and reduced tourism flows. Since 2020, the economy has shrunk to $16 billion from $53 billion in 2019. Per capita GDP is projected to be $3,000 in 2024.
The data’s unreliability does not imply better conditions if it were accurate; rather, it likely reflects a much worse situation, with ongoing attempts to mask the reality. Lebanon's massive public debt, a weak balance of payments, and inflexible monetary policy exacerbate the crisis. While the central bank has unified the exchange rate closer to the parallel market rate, the government's limited borrowing capacity effectively restricts spending, worsening the fiscal deficit until 2027. Despite a small budget surplus in the first half of 2024, borrowing from international entities and public sector salary adjustments are expected to turn the 2024 budget balance into a deficit over the next three years, averaging 0.2% of GDP.
The agency estimates the debt-to-GDP ratio at 210% in 2024, up from 160% in 2019, with foreign currency debt rising from 40% to 97%. The government resumed debt service payments to the central bank in 2024 and plans to clear arrears from 2021-2023 starting in 2025. This will result in government interest spending exceeding 10% of revenue from 2024-2027. This commitment is not accounted for in the agency’s ratings, which regard the central bank as a non-commercial creditor.
The agency notes a current account deficit averaging $6.5 billion from 2022-2023, expected to slightly decrease to $4.5 billion from 2024-2027, representing more than a quarter of the economy. This is amid a “lack of credible progress” on restructuring and reforms, leading to evaporated investor confidence and reliance on unregistered transfers and accumulated local savings. Continuous outflows of deposits, multilateral loan payments, and interventions through the Sayrafa platform have significantly impacted the central bank’s foreign exchange reserves. The central bank has ceased financing fiscal deficits and supporting essential goods due to ongoing reserve depletion, estimating usable reserves at $18 billion by the end of 2024, with gold reserves being unusable without parliamentary legislation. The agency predicts that inflation will rise due to high dollarization rates, with the Lebanese pound potentially weakening to 151,000 LBP per dollar by 2027.
translated by economyscopes team