في خطوة اعتبرها الكثيرون تاريخية في مسار القضاء اللبناني، أوقف النائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، الحاكم السابق للمصرف المركزي رياض سلامة بعد استجوابه بشأن قضية اختلاس أموال.
هذه الخطوة تأتي بعد سنوات من الجدل والشبهات التي أحاطت بشخصية سلامة الذي شغل منصب حاكم مصرف لبنان نحو ثلاثة عقود انتهت في 31 يوليو 2023.
وقال خبير مالي مقيم في بيروت ويعمل في مؤسسات دولية لـ «الأنباء»: «توقيف سلامة يمثل تطورا غير مسبوق في مشهد القضاء اللبناني، لاسيما أنه يأتي في ظل تزايد الضغوط الدولية والمحلية لمحاربة الفساد واستعادة الثقة بالمؤسسات اللبنانية. ورغم أن سلامة كان يتمتع بدعم سياسي واسع خلال فترة ولايته الطويلة، إلا أن التحقيقات الدولية التي شملت لبنان وبلدانا أخرى مثل فرنسا وسويسرا، أدت في النهاية إلى زعزعة هذا الدعم، ما فتح الباب أمام ملاحقته قضائيا».
وأضاف الخبير «إلى جانب هذه التحقيقات، تواجه السلطات اللبنانية ضغوطا من المجتمع الدولي لتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية كجزء من أي برنامج دعم مالي للبنان، الذي يعاني أزمة اقتصادية حادة منذ عام 2019. وتوقيف سلامة قد يكون أحد أبرز النتائج المباشرة لهذه الضغوط. الا ان السؤال المطروح: هل سيبقى هذا الإجراء مجرد حالة فردية، أم أنه سيفتح الباب أمام محاسبة المنظومة السياسية والاقتصادية التي حكمت لبنان منذ تسعينيات القرن الماضي؟».
ولا يستبعد الخبير فتح ملفات لها علاقة بالمنظومة الحاكمة «إذ تشير العديد من التحليلات إلى أن توقيف سلامة قد يشكل بداية لسلسلة من التحقيقات التي يمكن أن تمتد لتشمل شخصيات أخرى ضمن المنظومة الحاكمة في لبنان. فمنذ توقيع اتفاق الطائف في 1989، تولت مجموعة من الزعماء السياسيين والماليين إدارة البلاد بطريقة أدت إلى تدهور الوضع الاقتصادي وانهيار البنى التحتية».
واوضح الخبير «هناك تساؤلات جدية حول ما إذا كان القضاء اللبناني سيتمكن من مواصلة هذه التحقيقات حتى النهاية، أم أن الضغوط السياسية ستعود لتعرقل مسار العدالة. لكن المؤكد هو أن توقيف سلامة، بغض النظر عن نتائجه النهائية، يمثل نقطة تحول قد تدفع باتجاه فتح ملفات أكبر وأشمل تشمل الفترة التي حكمت فيها هذه المنظومة».
وأشار الخبير إلى انه «في حال قرر القضاء اللبناني المضي قدما في فتح ملفات أخرى ضمن المنظومة الحاكمة، فقد نشهد تحولات جوهرية في التوازنات السياسية داخل لبنان. ويمكن أن تتصاعد الضغوط على شخصيات بارزة أخرى، وقد يؤدي ذلك إلى تعزيز المطالب الشعبية بمحاسبة المسؤولين عن الوضع الاقتصادي المتردي. ومن ناحية أخرى، قد تكون هناك ردود فعل سياسية تعرقل هذه المساعي، خصوصا إذا شعرت الأطراف المعنية بأن مصالحها مهددة. لكن في ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية والانهيار المستمر في لبنان، يبدو أن الحاجة إلى تغيير جذري أصبحت مطلبا لا مفر منه. وقد يكون توقيف سلامة خطوة أولى في هذا الاتجاه».
واعتبر الخبير ان «توقيف رياض سلامة يمثل حدثا فارقا في تاريخ القضاء اللبناني. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل ستكون هذه الخطوة بداية لمحاسبة شاملة للمنظومة التي حكمت لبنان على مدى العقود الماضية، أم أنها ستكون مجرد فصل عابر في قصة الفساد والإفلات من العقاب؟ الأيام القادمة ستكشف لنا الكثير، ولكن الأكيد هو أن لبنان يقف اليوم أمام مفترق طرق حاسم في تاريخه السياسي والاقتصادي.”
المصدر: داود رمال – الانباء