لا تزال الحكومة، في موازنة الـ2025، تبحث عن مزيد من الإيرادات لتمويل نفقاتها، وذلك عبر الضرائب، من جيوب المواطنين. ولا يوجد فيها أي انفاق استثماري … ولا مشاريع جديدة … ولا حتى رؤية تساعد على الخروج من هذا الواقع المرير. هي ببساطة عبارة عن تعديلات على النفقات والضرائب بشكل عشوائي. تواجه موازنة الـ2025 انتقادات من خبراء إقتصاديين ومتخصصين وقانونيين، كما لقيت أيضاً رفضاً قاطعاً من الموظفين المتقاعدين الذين لمسوا مدى استخفاف الحكومة ممثلة بوزارة المال بحقوقهم وحقوق عائلاتهم.
يبلغ حجم موازنة 2025 المقترح نحو 31% من موازنة 2019 والبالغة نحو 15.482 مليار دولار. وزادت قيمة الموازنة من 295,113 مليار ليرة (3.297 مليار دولار) إلى 427,695 مليار ليرة (4.778 مليار دولار) بزيادة نسبتها نحو 45% كما تحتوي هذه الموازنة على عجز بنحو 200 مليون دولار، إذ إن النفقات الملحوظة هي نحو 4.8 مليارات دولار، أما الإيرادات فناهزت 4.6 مليارات دولار.
في قراءة أولية لمشروع قانون الموازنة العامة، أفاد رئيس جمعية الضرائب اللبنانية الأستاذ هشام المكمل أنّ مشروع قانون موازنة العامة لعام ٢٠٢٥ كالسنوات السابقة، بلا أي رؤية اقتصادية ودون أي خطة إصلاحية لمعالجة الهدر والفساد الحاصل في الإدارات والمؤسسات العامة، كما في المرافئ كالتهرب الجمركي والضرائبي. وإستكمل مكمل أنّ هذه الموازنة لا تقدم قوانين مرافقة تساعد في معالجة الوضع النقدي وتصحيح السياسة المالية والنقدية بشكل يضمن إعادة الودائع إلى أصحابها.
وأضاف مكمل في حديثه لـ”هنا لبنان” أنّ هذه الموازنة لا تشمل أية تحفيزات ضريبية تساعد في تشجيع واستقطاب استثمارات جديدة كما على إعادة النهوض بالاقتصاد الوطني وتحقيق معدل نمو، بل اقتصرت على زيادة في بعض الرسوم تساعد في تغطية النفقات مع تحقيق عجز في موازنة العام ٢٠٢٥، على الرغم من زيادة في الإيرادات تصل إلى ١٥% عن الإيرادات المحققة لغاية آب ٢٠٢٤، والتي تجاوزت الإيرادات التي تم اعتمادها في موازنة العام ٢٠٢٤، بالإضافة إلى عدم شمولها لأي مادة من المواد التي يتم إضافتها “فرسان الموازنة”، مع البقاء على مخالفة القانون لناحية عدم تقديم حساب القطع للسنوات السابقة حتى تاريخه وهي مخالفة للدستور.
ومن الناحية القانونية وصفت الدكتورة في القانون جوديت التيني لـ”هنا لبنان” موازنة الـ2025 بالشكل والمضمون وفق النقاط التالية:
1- بالنسبة لشكل الموازنة، للأسف ما زالت وزارة المال تعتمد الصيغة التقليدية في هيكلية الموازنة وتضعها في قالب موازنة بنود، في الوقت الذي لا بد لنا فيه من تطوير النظرة إلى قالب الموازنة وجعلها موازنة برامج وأداء وليس مجرد موازنة بنود تتعلّق فقط ببنود الإنفاق العام.
2-بالنسبة لجوهر الموازنة، لا بد للموازنة من أن تكون موازنة برامج وأداء، أي أن تعكس التخطيط المتوسط المدى لشتى القطاعات الوطنية، وأن تتضمن مؤشرات أداء يمكن الرجوع إليها في مرحلة تنفيذ الموازنة لنرى كيف كان التنفيذ. وهذا للأسف غير موجود، في حين لا بد من اعتماد المعايير الدولية الحديثة في إعداد الموازنات.
وعن عدم إجراء قطع حساب لهذه الموازنة، أكدت التيني أن هذا ليس إلا استمراراً في نهج فوضى الحسابات المالية المستمرّ منذ سنوات طويلة. ولا بد اليوم من فصل قطع حساب موازنة العام ٢٠٢٤ عن سابقاتها، وإعداد قطع حساب لها، ولا مبررات قانونية ولا عملية تمنع ذلك. المطلوب هو وضع مشروع قانون لقطع حساب موازنة العام ٢٠٢٤، على أن يتم إقراره في مجلس النواب قبل إقرار ونشر موازنة العام ٢٠٢٥، وهذا ما تقتضيه الأصول الدستورية والقانونية.
ورداً على سؤال حول لحظ المشروع جميع أوجه الإنفاق أو أنه ضخّم الاحتياطي لإنفاقه تبعاً للظروف وفي إطار فوضوي وغير منظّم.
أجابت: لا بد للمشروع من أن يلحظ بدقة كل أوجه الإنفاق وأن يحددها منذ الآن، عوضاً عن تضخيم الاحتياطي، وإلا نكون أمام استمرار لنهج يغيب فيه التخطيط اللازم.
أما في ما يتعلق بالمداخيل المرتقبة في موازنة ال 2025 وما لم تتطرق له الموازنة من مداخيل كضريبة الأملاك البحرية فلفتت إلى أنّ هذا المشروع يستمرّ في الاتكال على الضرائب الاستهلاكية التي تمس جيوب المواطنين كمصدر مهم.
وختمت التيني أنه لا ينفع التباهي لتأمين المداخيل، بأنّ مشروع الموازنة وُضع وستقرّه الحكومة وتحيله إلى مجلس النواب ضمن المهل الدستورية، طالما أنّ وزارة المال والحكومة لم تقوما بواجباتهما الدستورية في وضع وإقرار مشروع قطع حساب.
مرة جديدة تتجه الدولة اللبنانية إلى إقرار موازنة دون رؤية إقتصادية وخطة تضمن خروج لبنان من الإنهيار، وتتجه أيضاً إلى شطب نفقات مترتبة عليها لتوهم المواطنين والجهات المانحة الدولية أنها سيطرت على العجز، في حين أنّ هذا الأمر غير صحيح.
المصدر: أنطوان سعادة – هنا لبنان