الثلاثاء, أكتوبر 15, 2024
الرئيسيةأخبار لبنانية إقتصاديةخسارة سوق النبطية التاريخي: وداعٌ مؤثر لمعلم عريق

اضغط على الصورة لتحميل تطبيقنا للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

خسارة سوق النبطية التاريخي: وداعٌ مؤثر لمعلم عريق

انضم الى قناتنا على الواتساب للأخبار والوظائف على مدار الساعة 24/24

spot_img

أخبار لبنان الإقتصادية

انضم الى قناتنا على التلغرام

spot_img

انضم الى مجموعتنا على الفيس بوك

spot_img

خسارة سوق النبطية التاريخي: وداعٌ مؤثر لمعلم عريق

في قلب مدينة النبطية الهادئة في جنوب لبنان، كان سوق النبطية يمثل رمزاً للتجارة والتراث، يجسد تاريخاً يمتد لأكثر من قرن. أُسس السوق عام 1910 خلال فترة الدولة العثمانية، ولم يكن مجرد مكان لبيع وشراء السلع، بل كان ملتقى للأجيال، يربط بين الماضي والحاضر، ومكاناً تتداخل فيه الثقافات والأعراق. لكن في ليلة 12 تشرين الأول 2024، تعرّض السوق لتدمير كبير جراء الغارات الجوية الإسرائيلية، ما أسفر عن خسارة فادحة لا تقتصر على المباني والمنتجات، بل تمتد إلى عمق الهوية الثقافية اللبنانية.

سوق النبطية: تراث حي ووحدة اجتماعية

كان السوق الشعبي في النبطية ملتقى للمزارعين والحرفيين والتجار من مختلف المناطق اللبنانية مثل صيدا، صور، وجزين. كل يوم اثنين، كان السوق يكتظ بالنشاط، حيث يجتمع سكان الجنوب لبيع وشراء المنتجات الزراعية والحرف اليدوية وغيرها من السلع الضرورية. كان السوق جزءاً لا يتجزأ من الهوية الاجتماعية والثقافية للمدينة، عاكساً البساطة والروح الجماعية.

ما يُميز هذا السوق ليس فقط نشاطه التجاري، بل أيضاً جماله المعماري. المباني القديمة بواجهاتها ذات الطراز العثماني كانت شاهداً على تاريخ طويل من الصمود والتطور. كانت الأزقة الملتوية والمحال التجارية الصغيرة تُضفي على السوق طابعاً خاصاً، وتجعل منه مكاناً يلتقي فيه الناس، يتبادلون القصص والأخبار، ويتشاركون اللحظات.

الضربة المدمّرة

في تلك الليلة المشؤومة من 12 تشرين الأول، دمّرت الغارات الجوية الإسرائيلية جزءاً كبيراً من سوق النبطية. أصيب السوق بأضرار جسيمة، فاشتعلت النيران في 12 مبنى سكنياً و40 محلاً تجارياً. أسفرت الغارات عن مقتل شخص واحد وإصابة أربعة آخرين، بينما كان الدفاع المدني اللبناني يكافح لإخماد الحرائق. بدوره، قام الصليب الأحمر اللبناني بجهود جبارة للبحث عن ناجين تحت الأنقاض.

لم تقتصر الأضرار على المباني والمحلات التجارية، بل دُمِّرت العديد من المعالم التاريخية الأخرى في المنطقة، مثل الخان العثماني القديم والفندق الأقدم في المدينة، الذي كان يستقبل المسافرين والتجار على مر العقود. كان السوق ملاذاً آمناً للنازحين من مناطق أخرى في جنوب لبنان، مما زاد من وقع الكارثة الإنسانية على السكان.

انتهاك للقانون الدولي والهوية الثقافية

تدمير سوق النبطية لم يُثِر الغضب فقط بسبب خسارة معلم تاريخي، بل لأنه يمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية. وفقاً لاتفاقية لاهاي لعام 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في النزاعات المسلحة، يُعَد استهداف المواقع التراثية والمدنية جريمة حرب. لم يكن السوق هدفاً عسكرياً بأي حال من الأحوال، وعلى الرغم من ذلك، تعرّض للتدمير، مما يعكس تجاهلاً واضحاً للقانون الدولي ولحقوق الشعب اللبناني في الحفاظ على تراثه.

كتبت الكاتبة اللبنانية بديعة فحص تعليقاً مؤثراً على ما حدث، قائلةً: «احترق قلبنا، وليس مجرد ساحة من الأسمنت». هذه الكلمات تعبر بعمق عن الألم الذي يشعر به أهالي النبطية. فالسوق لم يكن مجرد مبنى، بل كان رمزاً للصمود وللحياة الاجتماعية والثقافية للمدينة. وفقدانه يُشكّل جرحاً عميقاً يصعب ترميمه.

سوق النبطية عبر الزمن: معلم تاريخي متجدّد

للسوق تاريخ طويل من الصمود أمام التحديات. في عام 1978، تعرّض لاعتداءات إسرائيلية خلال الاجتياح الإسرائيلي، وتكرّرت الاعتداءات في عام 1982 وفي العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006. وعلى الرغم من ذلك، كان السوق دائماً ينهض من جديد، محتفظاً بجزء كبير من هويته الثقافية والمعمارية.

لكن الغارات الأخيرة في عام 2024 كانت الأكثر تدميراً على الإطلاق، إذ سُوّيَ جزء كبير من السوق بالأرض، مما جعل من الصعب إعادة بنائه بالهوية التاريخية نفسها.

يشير الباحث التاريخي علي مزرعاني إلى أن السوق لم يكن مجرد مكان للبيع والشراء، بل كان مركزاً اجتماعياً وثقافياً يجمع الناس من مختلف الفئات. كان يضم مكتبات، مقاهي، ومتاجر تعود لأكثر من نصف قرن. السوق كان شاهداً على تظاهرات ومسيرات عاشوراء، وكان منصة للخطباء الذين يخاطبون الجماهير من شرفات المباني التاريخية. هذه الذكريات تجعل من فقدان السوق أكثر من مجرد خسارة مادية، بل خسارة لهوية المدينة نفسها.

دعوة لحماية التراث الثقافي

الخسارة الفادحة التي لحقت بسوق النبطية يجب أن تكون جرس إنذار للعالم حول ضرورة حماية التراث الثقافي خلال النزاعات. والهجوم على المواقع التراثية لا يُعَد انتهاكاً للقوانين الدولية فحسب، بل هو اعتداء على الذاكرة الجماعية والهوية الثقافية للشعوب. هذه المعالم تمثل جزءاً من تاريخ الشعوب وثقافتها، وفقدانها يعني ضياع جزء لا يُعوَّض من هذا التراث.

اليوم، يقف لبنان أمام خسارة كبيرة، ليس فقط في الأرواح والممتلكات، بل في جزء من تاريخه وثقافته. يجب أن يكون هناك تحرّك دولي لحماية المواقع التراثية والمدنية من مثل هذه الاعتداءات، والعمل على توثيق هذه المواقع وترميمها كلما أمكن.

التراث المقاوم

أحد الجوانب الملفتة للنظر في تاريخ سوق النبطية هو قدرته على الصمود والتجدد على الرغم من كل الصعوبات. منذ نشأته، كان السوق مركزاً للحياة الاجتماعية والثقافية، حيث تلتقي الأجيال لتبادل المنتجات والأفكار. هذا التراث الحي لم يكن مجرد تجارة، بل كان يعكس ثقافة مدينة بأكملها، تُعَبِّر عن قيمها وهويتها.

من بين المعالم التي تعرّضت للدمار، كان هناك محلات تعود لأكثر من 100 عام، مثل مكتبة محمود حجازي وحلويات بدر الدين. هذه المحلات كانت جزءاً من ذاكرة المدينة، حيث تربّت أجيال على طعم الحلويات القديمة وعبق الكتب التي كان يشتريها الآباء لأبنائهم. فقدان هذه المعالم يمثل فقداناً للتاريخ، للذاكرة، وللأجيال القادمة التي لن تتمكن من الاستفادة من هذا التراث كما كان في الماضي.

التدمير المتعمّد

تدمير سوق النبطية ليس حادثة عابرة في سياق الحرب. وفقاً لشهادات العديد من السكان المحليين، يبدو أن السوق كان مستهدفاً بشكل مباشر. ويشير الصحافي كمال جابر، الذي قضى سنوات يوثق تاريخ المدينة، إلى أن الدمار كان شاملاً إلى درجة تجعل من إعادة بناء السوق بشكله الأصلي أمراً مستحيلاً. كان السوق رمزاً لصمود المدينة ولترابط سكانها، واستهدافه يعكس رغبة في القضاء على هذا التراث.

إسرائيل لم تستهدف فقط سوق النبطية، بل أيضاً معالم تاريخية أخرى في الجنوب اللبناني، مثل شجرة المعولة في بلدة ميفدون، التي يعود عمرها إلى مئات السنين. هذه الشجرة، التي كانت شاهدة على تاريخ المنطقة، تعرّضت إلى القصف عدة مرات، لكنها ظلّت صامدة. هذا التدمير الممنهج للمعالم الثقافية والتاريخية يعكس محاولة لطمس هوية الشعب اللبناني ومحو ذاكرته التاريخية.

مستقبل سوق النبطية

بعد الدمار الكبير الذي لحق بسوق النبطية، يتساءل كثيرون عن مستقبل هذا المعلم التاريخي. هل سيتمكن السكان من إعادة بنائه؟ وهل سيحتفظ السوق بطابعه التاريخي إذا ما رُمِّمَ؟ هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة في ظل التحديات التي تواجه لبنان اليوم. يجب أن يكون هناك دعم دولي لإعادة بناء سوق النبطية والمحافظة على هويته الثقافية. لأن السوق لم يكن مجرد مكان للتجارة، بل كان رمزاً للهوية اللبنانية ولصمود الشعب أمام كل الصعوبات. فإعادة بناء السوق يجب أن تكون جزءاً من عملية أوسع لحماية التراث الثقافي في لبنان، وضمان أن تبقى هذه المعالم شاهدة على تاريخ البلاد وأهلها.

في النهاية، إن تدمير سوق النبطية ليس مجرد خسارة لمكان، بل هو جرح في قلب الثقافة اللبنانية.

المصدر: الجمهورية

The Loss of the Nabatieh Historical Market: A Touching Farewell to an Icon

In the heart of the serene city of Nabatieh in southern Lebanon, the Nabatieh Market represented a symbol of trade and heritage, embodying a history that spans over a century. Established in 1910 during the Ottoman period, the market was not just a place for buying and selling goods; it was a gathering point for generations, linking the past to the present and serving as a space where cultures and ethnicities intertwined. However, on the night of October 12, 2024, the market suffered significant destruction due to Israeli airstrikes, resulting in a devastating loss that extends beyond buildings and products to the very core of Lebanese cultural identity.

Nabatieh Market: A Living Heritage and Social Unity

The popular market in Nabatieh was a meeting place for farmers, artisans, and traders from various regions of Lebanon, such as Sidon, Tyre, and Jezzine. Every Monday, the market would bustle with activity, as residents from the south gathered to sell and buy agricultural products, handicrafts, and other essential goods. The market was an integral part of the social and cultural identity of the city, reflecting simplicity and community spirit.

What distinguished this market was not only its commercial activity but also its architectural beauty. The old buildings with their Ottoman-style facades stood as witnesses to a long history of resilience and development. The winding alleys and small shops gave the market a unique character, making it a place where people could meet, exchange stories and news, and share moments.

The Devastating Blow

On that fateful night of October 12, airstrikes destroyed a significant part of the Nabatieh Market. The market suffered severe damage, with 12 residential buildings and 40 shops engulfed in flames. The attacks resulted in one death and four injuries, while the Lebanese Civil Defense struggled to extinguish the fires. The Lebanese Red Cross made heroic efforts to search for survivors under the rubble.

The damage was not limited to buildings and shops; many other historical landmarks in the area were also destroyed, including the old Ottoman khan and the city's oldest hotel, which had welcomed travelers and traders for decades. The market served as a safe haven for displaced individuals from other areas of southern Lebanon, further intensifying the humanitarian impact on residents.

Violation of International Law and Cultural Identity

The destruction of the Nabatieh Market stirred anger not only due to the loss of a historical landmark but also because it represents a blatant violation of international law. According to the Hague Convention of 1954 for the Protection of Cultural Property in the Event of Armed Conflict, targeting cultural and civilian sites is considered a war crime. The market was in no way a military target, yet it was destroyed, reflecting a clear disregard for international law and the rights of the Lebanese people to preserve their heritage.

Lebanese writer Badia Fakhoury poignantly commented on the event, stating, “Our hearts burned, not just a concrete square.” These words deeply convey the pain felt by the people of Nabatieh. The market was not merely a building; it was a symbol of resilience and the social and cultural life of the city. Its loss represents a profound wound that is difficult to heal.

Nabatieh Market Through Time: A Renewed Historical Landmark

The market has a long history of resilience against challenges. In 1978, it suffered assaults during an Israeli invasion, and similar attacks occurred in 1982 and during the 2006 Israeli aggression against Lebanon. Despite these difficulties, the market always rose again, retaining a significant part of its cultural and architectural identity.

However, the recent airstrikes in 2024 were the most destructive to date, as a large portion of the market was leveled, making it challenging to reconstruct it in its original historical form.

Historical researcher Ali Mazrani notes that the market was not just a place for buying and selling; it was a social and cultural hub that connected people from various backgrounds. It housed libraries, cafes, and shops that had been around for over half a century. The market witnessed protests and Ashura marches, serving as a platform for speakers addressing the masses from the balconies of historic buildings. These memories make the loss of the market more than just a material loss; it represents a loss of the city’s identity.

A Call to Protect Cultural Heritage

The immense loss inflicted upon the Nabatieh Market should serve as a wake-up call to the world regarding the necessity of protecting cultural heritage during conflicts. Attacks on cultural sites are not only violations of international law but also assaults on the collective memory and cultural identity of peoples. These landmarks represent a vital part of the history and culture of nations, and losing them equates to losing an irreplaceable part of that heritage.

Today, Lebanon faces a significant loss, not only in lives and property but in a part of its history and culture. There must be international efforts to rebuild the Nabatieh Market and preserve its cultural identity. The market was not merely a place of commerce; it was a symbol of Lebanese identity and the people's resilience in the face of adversity. Reconstructing the market should be part of a broader initiative to protect cultural heritage in Lebanon, ensuring that these landmarks remain as witnesses to the country's history and its people.

In conclusion, the destruction of the Nabatieh Market is not just a loss of a place; it is a wound in the heart of Lebanese culture.

translated by economyscopes team

Ads Here

مقالات ذات صلة

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا

الأكثر شهرة

x