لبنان على «اللائحة الرمادية»: الأعمال مستمرّة كالمعتاد
منذ إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» في 25 تشرين الأول من الشهر الجاري، لم تلمس المصارف وشركات تحويل الأموال والتجّار، أي صعوبات في إجراءات تحويل الأموال أو فتح الاعتمادات خارج السياق المعتاد منذ أكثر من سنة.
ولا يتوقع أن يكون لهذا الإدراج تداعيات خارج الضغوطات السياسية التي تمارسها الولايات المتحدة مواربة على لبنان. مصادر في مصرف لبنان، ومصرفيون، قالوا لـ«الأخبار» إن تعامل المصارف المراسلة مع لبنان لم يسجّل أي تغيير، وإن ما يتردّد في السوق عن صعوبات جديدة أو تشديد إضافي ليس حقيقياً، بل هي أخبار زائفة تحاول أن تخدم آلة الترويج للضغوط الخارجية.
كما كان متوقعاً منذ بضعة أشهر، أُدرج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي «فاتف». القرار اتّخذ الأسبوع الماضي بعد سلسلة اجتماعات حضرها حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري. وأثناء انعقاد هذه الاجتماعات، جرت محاولات أميركية – إسرائيلية تقترح تجاوز اقتراح إدراج لبنان على «اللائحة الرمادية» والقفز مباشرة نحو الإدراج على «اللائحة السوداء».
جرت هذه المحاولات في فترة الترويج بأن حزب الله «فرط» وأن على لبنان أن يخضع ويستسلم بالكامل للإرادة الإسرائيلية – الأميركية سياسياً وأمنياً ومالياً. إذ فجأة تبيّن أن مندوباً إسرائيلياً حضر أحد الاجتماعات المتعلقة بمجموعة العمل المالي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أي التي ليس لإسرائيل تمثيل فيها. سقطت هذه المحاولة بتوجيه من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي كان على اتصال مباشر مع الفريق اللبناني الذي حضر الاجتماع.
وبالتالي، بات لبنان يواجه المصير المعروف مسبقاً عن الإدراج على «اللائحة الرمادية». لكن لم يتم الاكتفاء بذلك، إذ إنه بحسب المعطيات المستقاة من مصرف لبنان، أجرى منصوري اتصالات مباشرة مع المصارف المراسلة التي أبلغته أنها لن تعدّل في تعاملاتها مع المصارف اللبنانية. منصوري يعود اليوم إلى بيروت آتياً من واشنطن حيث شارك أيضاً في اجتماعات الخريف لمجموعة صندوق النقد والبنك الدولي أيضاً. ويُنقل عن منصوري، قوله إن ما كانت تمارسه المصارف المراسلة في الأشهر الماضية «ستواظب على القيام به الآن من دون أي تغيير أو تشديد إضافي».
وفي السياق نفسه، يقول عدد من المصرفيين إنهم لم يتبلّغوا من المصارف المراسلة أي تعديل في العلاقة معهم. ويشير هؤلاء إلى أن العلاقة مع المصارف المراسلة لجهة التدقيق في التحويلات وفي فتح الاعتمادات كانت متشدّدة أصلاً منذ توقف لبنان عن السداد في آذار 2020، وهذا التشدّد بلغ درجة مرتفعة قبل نحو سنة، إلا أنه مذاك لم يطرأ أي تغيير، بل بقي منسوب التشدّد على حاله حتى الآن.
عملياً، التدقيق الذي تجريه المصارف المراسلة على التحويلات وفتح الاعتمادات واسع الحدود، وليس ضيّقاً. فهم طلبوا إغلاق حسابات، وامتنعوا عن تنفيذ عمليات تحويل بين لبنان والخارج، وحتى بين مصرفين لبنانيين يسعى أحدهما إلى تحويل «فريش» عبر المصارف المراسلة، وسألوا المصارف الكثير من الأسئلة عن كل تحويل أو فتح اعتماد. وهذا ما أدّى إلى ارتفاع كلفة إنجاز المعاملات في المصارف. فعلى سبيل المثال، لم تكن عمليات التحويل تأخذ أكثر من بضعة أيام على الأكثر وكان التدقيق فيها يتم من خلال اللوائح المعتمدة، فإذا طرأ سؤال ما يجب عليه سريعاً ويتخذ قرار بالعملية بعد ذلك مباشرة. إنما إتمام عملية ما، اليوم، خلال أسبوع أو عشرة أيام يعدّ «إنجازاً» والأسئلة التي تطرحها المصارف المراسلة تكاد لا تتوقف لأيام ويتم التدقيق بالعناوين والأسماء وبأوضاع المستوردين ووصل الأمر إلى زبائنهم… كما أن المصارف المراسلة زادت الكلفة التي تتقاضها من أجل تنفيذ طلبات التحويل وفتح الاعتمادات.
كل هذا كان يحصل «لأنه كان يتم التعامل مع لبنان منذ التوقف عن السداد باعتباره مصنفاً على اللائحة الرمادية، أي طبقت عليه إجراءات اللائحة الرمادية من دون أن يصنّف فيها، وبالتالي بات الآن مدرج بشكل رسمي ولم تتغيّر هذه الإجراءات» وفق ما يقول المصدر في مصرف لبنان.
يجري التعامل بتشدّد مع لبنان يتماثل مع إجراءات اللائحة الرمادية منذ «التوقف عن السداد»
بالطبع، إن المخاوف من تصنيف لبنان على «اللائحة السوداء» تبقى قائمة، ولا سيما أن المهلة الزمنية الممنوحة للبنان من أجل إثبات تعاونه مع مجموعة العمل المالي «فاتف» لتعزيز فعالية النظام لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تستمر حتى كانون الثاني 2026، أي إن لديه فقط مهلة تزيد قليلاً عن السنة. وفي هذا الوقت، يبدو أن لبنان يرزح تحت أعباء تجعل الاهتمام بهذا المجال ليس ضمن الأولويات، فالنزوح والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة المسجّلة هي الأولوية إلى جانب التعامل مع الضغوط المتصلة بوقف إطلاق النار.
الأعباء الداخلية والخارجية المتصلة بالعدوان الصهيوني على لبنان كبيرة وممتدّة زمنياً، وهي تبقى الأولوية المطلقة في هذه المرحلة، أما في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، فإن الأولوية للإعمار إلى جانب الأولويات التي ستطرأ سياسياً.
اما المطلوب من لبنان بالشكل العلني، فهو يتعلق بسبعة نقاط وردت في البيان الرسمي الصادر عن مجموعة العمل المالي «فاتف»، وهي على النحو الآتي:
(1) إجراء تقييمات لمخاطر محدّدة لتمويل الإرهاب وغسل الأموال والتأكد من وجود سياسات وتدابير للتخفيف من هذه المخاطر.
(2) تعزيز الآليات لضمان التنفيذ الفعال وفي الوقت المناسب لطلبات المساعدة القانونية المتبادلة وتسليم المجرمين واسترداد الموجودات.
(3) تعزيز فهم الأعمال والمهن غير المالية المحدّدة للمخاطر وتطبيق عقوبات فعالة ومتناسبة ورادعة لانتهاكات التزامات مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
(4) ضمان تحديث معلومات الملكية ووجود عقوبات كافية وتخفيف المخاطر للأشخاص الاعتباريين.
(5) تعزيز استخدام السلطات المختصة لمنتجات الاستخبارات المالية.
(6) إظهار زيادة مستدامة في التحقيقات والملاحقات القضائية وأحكام المحاكم لأنواع تبييض الأموال بما يتماشى مع المخاطر.
(7) تحسين النهج إزاء استرداد الموجودات وتعريف وضبط التحركات غير المشروعة عبر الحدود للعملات والمعادن الثمينة والأحجار الكريمة.
(8) متابعة التحقيقات وتبادل المعلومات مع الشركاء الأجانب.
(9) تعزيز تنفيذ العقوبات المالية المستهدفة من دون تأخير، ولا سيما في الأعمال والمهن غير المالية المحدّدة وبعض المؤسّسات المالية غير المصرفية.
(10) إجراء رصد مستهدف وقائم على المخاطر للمنظمات غير الربحية عالية المخاطر، من دون تعطيل أو تثبيط الأنشطة المشروعة للمنظمات غير الربحية.
المصدر: محمد وهبة – الأخبار
Translated by economyscopes team