عن الكوارث الآتية.. والتداعيات الاقتصادية الطويلة
يعكس التباين الكبير في التقديرات الأولية لحصيلة الخسائر الاقتصادية المحققة والناجمة عن الحرب الإسرائيلية المحتدمة على لبنان، والمترجَم رقمياً بين 10 مليارات دولار و20 ملياراً، حقيقة عمق حال «عدم اليقين» وصعوبات التحقّق من مستويات التدهور اللاحقة بالمؤشرات الأساسية والمرافق الإنتاجية، والمعزّزة بتكاليف التدمير المنهجي للأبنية السكنية والبنى التحتية والأراضي الزراعية في مناطق واسعة، وبأعباء تراكمية لموجات غير مسبوقة من النزوح القسري للسكان.
وثمة توافق ظاهر لدى الخبراء والمراكز البحثية، محلياً وخارجياً، على تعذّر اعتماد أي بيانات إحصائية موثوق بها في الجانبين الاقتصادي والقطاعي، ما دامت العمليات العسكرية والغارات المدمّرة لم تتوقف، فضلاً عن إمكانية المتابعة اليومية الأهم للجانب الإنساني من قبل وزارة الصحة ولجان إدارة الأزمة ومنظمات دولية مختصة، التي وثّقت، حتى الساعة، سقوط نحو 3 آلاف شهيد، ونحو 15 ألف جريح، جلّهم من المدنيين، وتهجيراً داخلياً في أغلبه لنحو 1.4 مليون نسمة من بيوتهم في المناطق المستهدفة، أي نحو ربع عدد المواطنين داخل البلاد.
كوارث آتية
لكن الثابت، وفق الترقبات والمتابعات، أن الاقتصاد المنكوب أصلاً بسلسلة انهيارات متفاقمة على مدار 5 سنوات متتالية، يهبط بسرعة قياسية إلى قعر الهاوية، وفق توصيف رئيس «الهيئات الاقتصادية»، محمد شقير، مما ينذر بكوارث على مختلف المستويات، لا سيما على المستويين الاقتصادي والاجتماعي، وفق ما تعكسه المؤشرات القطاعية في مختلف الأنشطة الإنتاجية، مع تقدير أن مجموع الخسائر المباشرة التي تكبدها لبنان جراء العدوان الإسرائيلي، حتى الآن، يتراوح بين 10 مليارات و12 مليار دولار، متضمناً خسائر القطاعات الاقتصادية، والأضرار التي لحقت بالمنازل ومختلف الأبنية والبنى التحتية.
والى جانب ما تخلّفه الحرب من تداعيات اقتصادية عميقة على المدى القصير، خصوصاً دخول قطاعات رئيسية، مثل السياحة والزراعة والصناعة والتجارة وغيرها، في حال انكماش حادة للأعمال اليومية والأنشطة المعتادة، يُرصَد ازدياد أعداد المؤسسات التجارية، لا سيما الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تضطر إلى إغلاق أبوابها أو تعليق نشاطاتها، إما نتيجة الأضرار المباشرة الناجمة عن الاعتداءات وانخفاض الطلب الاستهلاكي، وإما بسبب تعطيل المعابر التجارية وسلاسل التوريد والنقل والتغييرات الطارئة على الأسواق ربطاً بكثافة النزوح.
وفي الترجمة الرقمية، تحذر مؤسسات مالية دولية من «سيناريو» استمرار النزاع والاعتداءات الإسرائيلية لأشهر إضافية تمتد حتى منتصف العام المقبل، حيث يتوقع «معهد التمويل الدولي» تسجيل انكماش إضافي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7 في المئة بنهاية العام الحالي و10 في المئة للعام المقبل، مما يفاقم مجموع نسب التراجع التراكمية إلى نحو 60 في المئة، من المستوى الأعلى المسجل بنهاية عام 2018 والبالغ نحو 53 مليار دولار.
انكماش لسنوات
وبالمثل، يشير تقرير محدث أصدره «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي» إلى أن التداعيات الاقتصادية ستستمر طويلاً ولسنوات مقبلة، حتى في حال التوصل إلى وقف لإطلاق النار قبل نهاية العام الحالي، بما تشمل انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.28 في المئة خلال العام المقبل، وبنسبة 2.43 في المئة عام 2026، وتراجع إيرادات الحكومة بنسبة 9 في المئة، وانخفاض الاستثمارات بأكثر من 6 في المئة، خلال العامين المقبلين.
ويتوقّع أن تزيد نسبة البطالة بشكلٍ كبير في العام الحالي، مما قد يتسبّب في خسائر كبيرة بعدد الوظائف ونزوح اقتصادي، ناتج بغالبيّته عن تراجع الطلب على العمالة في مختلف القطاعات. كما أن الشركات الصغيرة جدّاً، والصغيرة، ومتوسّطة الحجم، التي يقدّر «مصرف لبنان» أنّها تشكّل نحو 90 في المئة من الاقتصاد اللبناني، سوف تتأثّر بشكل كبير؛ لأن البعض منها اضطر إلى اتخاذ قرار بالإقفال أو بتعليق النشاط إلى أمد غير محدّد.
خسارة الأعياد
وبالتماهي مع هذه التحذيرات الدولية، تعكس المؤشرات الأساسية التي رصدتها النقابات والهيئات القطاعية بنهاية الشهر الأول من الاعتداءات الإسرائيلية الواسعة، انزلاقاً متسارعاً لمجمل الأنشطة الاقتصادية صوب الركود شبه التام، مزخّماً بخسارات محققة جزئياً للموسم السياحي الصيفي، ومرجّحة بقوّة للموسم الأنشط تقليدياً في فترة الأعياد ونهاية العام، مما يعني تلقائياً خطر بلوغ حد الجفاف لأحد أهم موارد العملات الصعبة الذي يتراوح ما يضخه بين 4 و5 مليارات دولار سنوياً، والذي يحوز المرتبة الأساسية الثانية بعد بند التحويلات من العاملين في الخارج والمغتربين الذي يؤمن تدفق نحو 7 مليارات دولار سنوياً، وفق تقديرات «البنك الدولي».
تراجع القطاعات
ويسجل القطاع التجاري، تبعاً للرصد الميداني الذي تولته الجمعيات والنقابات المهنية، انخفاضاً كبيراً في أنشطته بنسبة تتراوح بين 80 و90 في المئة، باستثناء الطلب المرتفع على المواد الغذائية ومواد التنظيف والتعقيم، ربطاً بالإقبال العام على التموين الاحترازي وتلبية الاحتياجات الطارئة جراء موجات النزوح الداخلي. كما سجل النشاط الزراعي انخفاضاً بلغ أكثر من 40 في المئة، ويضاف إليه وجود خطر حقيقي بخسارة محاصيل زراعية كثيرة أساسية.
كما يقدر انخفاض نشاط القطاع الصناعي في الفترة الأخيرة بحدود 50 في المئة، نتيجة توقف نحو 30 في المئة من المصانع عن العمل بسبب وجودها بالمناطق الساخنة، والانخفاض الكبير في الطلب بالسوق الداخلية وعقود الطلبيات الجديدة إلى الخارج. في حين بلغت التداعيات ذروتها في قطاعات الفنادق والمطاعم وتأجير السيارات، التي سجلت انكماشاً في حركتها بلغ نحو 90 في المئة، مصحوباً بأضرار مادية جسيمة وبإقفال مئات المؤسسات في مناطق العمليات العسكرية.
المصدر: علي زين الدين – الشرق الأوسط
The Upcoming Disasters and Long-Term Economic Implications for Lebanon
The significant disparity in initial estimates of the economic losses resulting from the ongoing Israeli war on Lebanon, ranging between $10 billion and $20 billion, reflects the profound uncertainty about the extent of the damage to key indicators and production facilities. This is compounded by the costs of systematic destruction of residential buildings, infrastructure, agricultural lands in vast areas, and the cumulative burdens of unprecedented forced displacement.
There is a clear consensus among local and international experts and research centers that reliable statistical data in both the economic and sectorial aspects is currently impossible to obtain, as military operations and destructive airstrikes continue. Additionally, there is a challenge in tracking the daily human impact, with the Ministry of Health and international organizations documenting around 3,000 martyrs, 15,000 injuries—mostly civilians—and internal displacement of approximately 1.4 million people, nearly a quarter of the population.
The Economic Disaster Ahead
Despite the continuous military operations, the Lebanese economy, already crippled by years of cumulative crises, is rapidly descending into a deeper financial abyss. As described by Mohammad Choucair, president of the “Economic Committees,” the economy is collapsing at an alarming rate, signaling imminent disasters at all levels, particularly the economic and social levels. Initial estimates indicate that Lebanon's direct losses due to Israeli aggression range from $10 billion to $12 billion, including damages to economic sectors, housing, and infrastructure.
Short-Term and Long-Term Economic Impact
The impact of the war on Lebanon’s economy is expected to be severe in the short term, particularly in major sectors such as tourism, agriculture, industry, and trade, all of which are facing a sharp contraction in daily activities. Additionally, many small and medium-sized businesses are forced to shut down or suspend operations due to direct damage, declining consumer demand, or disrupted trade routes and supply chains due to mass displacement.
International financial institutions warn of a potential “scenario” where the conflict and Israeli attacks could last for several more months, possibly extending until mid-next year. The International Finance Institute predicts that Lebanon's GDP will shrink by 7% by the end of this year, and by 10% next year, deepening the cumulative decline to about 60% from the peak GDP of $53 billion in 2018.
Unemployment, Investment, and the Future
According to the United Nations Development Programme, the economic consequences will persist for years, even if a ceasefire is reached by the end of this year. Lebanon’s GDP is expected to contract by 2.28% in the next year, 2.43% in 2026, with government revenues declining by 9%, and investments falling by more than 6% over the next two years.
The unemployment rate is projected to rise sharply this year, resulting in significant job losses and economic displacement, mainly due to reduced demand for labor across various sectors. Moreover, the small and medium-sized enterprises, which account for about 90% of Lebanon’s economy, are severely affected, with many of these businesses having to close or suspend operations indefinitely.
Loss of Holiday Seasons and Decline in Key Sectors
Reflecting international warnings, the initial data from unions and sectorial bodies at the end of the first month of Israeli attacks show that the economic activities are slipping rapidly toward near-total recession, compounded by partial losses from the summer tourism season, and anticipated losses from the usually high-traffic holiday season. This puts at risk one of Lebanon's most important sources of hard currency, which typically brings in between $4 billion and $5 billion annually, second only to remittances from Lebanese expatriates, estimated at around $7 billion annually.
The commercial sector, according to field reports from associations and professional unions, has experienced a sharp decline in activity, between 80% and 90%, except for an increase in demand for foodstuffs and sanitizing materials due to emergency supplies needed for displaced populations. Agricultural activity has also fallen by more than 40%, and there is a real risk of losing critical crops.
The industrial sector has seen its activity drop by about 50%, as around 30% of factories have stopped production due to their location in hot zones, the sharp decline in domestic demand, and the absence of new export contracts. The hospitality, restaurant, and car rental sectors have been hit hardest, with their activity shrinking by up to 90%, leading to significant material losses and the closure of hundreds of establishments in the affected areas.
Translated by economyscopes team