فوضى النقل خلال الحرب: تعرفة السرفيس تجاوزت المليون!
يُعدّ النقل العام في لبنان من أبرز القطاعات التي تعكس الفوضى والاستغلال اللذين أصبحا سمة لمختلف المجالات الحيوية في البلاد، خاصة في أوقات الأزمات. يعاني هذا القطاع منذ سنوات من غياب التنظيم وضبابية في تحديد التعرفة، غير أن ما حدث خلال العدوان الإسرائيلي الأخير كشف أبعادا أعمق للمشكلة. إذ نزح الآلاف من منازلهم إلى مناطق يُعتقد أنها أكثر أماناً، حيث غادر كثيرون دون أموال أو حتى متاع أساسي. وفي خضم هذه المحنة، ظهرت العديد من القصص التي تتراوح بين المواقف الإنسانية الرفيعة والاستغلال الفج.
من جانب آخر، شهد لبنان في الآونة الأخيرة انتشارا واسعا لوسيلة النقل «التوك توك»، مع أنها غير معترف بها قانونيا، أصبحت واحدة من أكثر طرق النقل استخداما في المناطق اللبنانية. وعلى الرغم من أن هذه الوسيلة تستهلك محروقات أقل من أنماط النقل التقليدية، فإن أصحاب «التكاتك» يطالبون بمبالغ مرتفعة في كثير من الأحيان، الأمر الذي يشبه ما يحدث في قطاع السرفيس والفانات. تؤكد هذه الظاهرة غياب الرقابة على القطاع وارتفاع الأسعار في ظل الفوضى القائمة
المواطنون يشتكون: هل من يسمع الأنين؟
في سياق متصل بالحرب والهرج والمرج بالتعرفة، تروي رنا، أم لثلاثة أطفال من جنوب لبنان، لـ «اللواء» كيف اضطرت لدفع 200 دولار لسائق لنقل عائلتها إلى بيروت، بينما كان عليها ترك معظم مقتنياتها خلفها. تقول: «لم أكن أملك الكثير، ولكن السائق أصرّ على المبلغ أو أن نبحث عن سيارة أخرى، لكن لم يكن لديّ خيار سوى الدفع».
في المقابل، يروي محمد، شاب من منطقة صور، قصة مختلفة تماما ويقول: «بعد توسّع دائرة الاستهدافات الإسرائيلية، عمد سائق الى نقلي وطفلاي إلى صيدا دون أن يتقاضى أي أجر، معتبرا أن ذلك واجب أخلاقي ووطني».
ورغم وجود أمثلة مشرّفة مثل هذه، تشير شهادات إلى أن بعض السائقين استغلوا الأزمة بشكل مبالغ فيه. وفي هذا الإطار، تكشف «اللواء» عن أحد هؤلاء، يدعى عباس من بلدة جبشيت، الذي أكد بلسانه أنه حقق خلال أسبوع أرباحا تراوحت بين 4500 و5000 دولار من النازحين، مشيرا إلى أنه تقاضى ما يصل إلى 70 وحتى 100 دولار عن كل راكب في رحلة واحدة. لذلك، أثارت هذه الأرقام إستياء الكثيرين، خاصة عندما قارنوا هذا السلوك مع مواقف إنسانية أظهرتها فئات أخرى من الشعب اللبناني.
ويبقى التساؤل قائما: هل يمكن أن يستمر المواطن اللبناني في دفع ثمن الأزمات، سواء في أوقات الحرب أو السلم؟ وكيف يمكن ضبط قطاع النقل العام ليكون في خدمة الناس، لا عبئا إضافيا عليهم في أكثر اللحظات صعوبة؟
لا تبرير لزيادة التعرفة ونحن نراقب
يشرح رئيس اتحادات ونقابات قطاع النقل البري، بسام طليس، لـ «اللواء» انه «في ما يتعلق بموضوع الأجرة التي وضعتها وزارة الأشغال وصادق عليها الوزير علي حمية، والتي أعلنها بنفسه، كانت الأمور تسير بشكل أو بآخر في الحياة اليومية. هناك من التزم بالسعر، بينما خالفت فئة أخرى، ولكن كانت المسألة قيد المتابعة والمعالجة يوما بيوم، وخطًا بخط. كنا نواكب الأمور بناءً على الشكاوى أو الاتصالات التي تردنا من بعض المواطنين».
وعن التلاعب في التكلفة، يعتبر طليس أن «هذه القضية تتعلق بالعرض والطلب، ويوجد بدل التاكسي مئة أو حتى ألف وأكثر. فإذا أراد صاحب السرفيس الحصول على رسوم مرتفعة، يمكن للزبون أن يصعد في سيارة أخرى».
الاستفادة في زمن الحرب.. مرفوضة؟
وعن استغلال الظروف خلال العدوان الإسرائيلي على مناطق لبنانية واسعة، مما أدّى إلى نزوح الآلاف باتجاه المحافظات الآمنة نسبياً، يعلق معللاً الوضع بالقول: «يجب أن ننظر إلى الموضوع من منظورين، فمن جهة تلقّيت اتصالات من مواطنين يشكرون أداء سائقين عموميين، بعد أن قاموا، بدلاً من تلقّي التعرفة المتعارف عليها وفقا للخط، بأخذ نصفها من المهجرين الذين غادروا بلداتهم تحت القصف. من ناحية أخرى، فعل البعض العكس وحققوا مكاسب طائلة. لذا، أنا لا أدافع عن أحد، ولكنني أتكلم عن الوقائع، رغم أن فئة من هؤلاء لم تلتزم تماما بالرسوم، والبعض أخذ أجرة أقل، أو أكثر من التعرفة المعتمدة».
ويتابع «بصراحة، على الرغم من ان هذا الامر ليس له علاقة بالتعرفة أو الالتزام، لكن بالطبع يعبّر عن التضامن الإنساني والأخلاقي بما في ذلك الحس الوطني. وأؤكد لكم أن الشخص الذي قام بمثل هذه التصرفات لا يمكن أن يكون سائقا عموميا أو مواطنا يشعر بمسؤولية تجاه وطنه. وأتمنى على المواطنين والسائقين الذين تحدثوا مع «اللواء» أن يقدموا اسم المعني ورقم سيارته، حتى نتمكن من متابعة هذا الموضوع. في المبدأ، هذا السلوك غير مقبول بغض النظر عن الشق القانوني والنظامي والالتزام بالتعرفة».
ويشدّد على أن «السائق الذي يسعى إلى الاستفادة في زمن الحرب، في وقت قد يتعرض فيه أي شخص، بما في ذلك أقارب هذا السائق، لما تعرّض له المواطنون من خطر وغارات، لا يمكن أن يُعتبر شخصًا طبيعيا».
ويردف: «طالما أن الأمور أصبحت مستقرة إلى حد ما، يجب أن يُعالج هذا الوضع. ويعلم الجميع، كما هو معروف عني، أنني أتحدث بصوت عالٍ وبشفافية. لكن من المحتمل أن هناك أفضلية قصوى بالنسبة للمواطن الذي قد لا يعير أهمية لزيادة أو نقصان التعرفة، وتكون أولويته الوصول بأمان. لكن هذا لا يبرر الخطأ أو قلة الأدب من البعض بحق أنفسهم أولًا، ولقمة عيشهم، لأن هذا العمل غير مقبول».
موقف الوزارة والتعرفة
ويكشف لـ «اللواء» أنه سيتواصل مع الوزير والمدير العام للنقل البري والبحري لمناقشة هذه القضية، «وقد يكون لدينا موقف من هذا الأمر في الأيام القليلة القادمة».
أما في ما يتعلق بمسألة الأجرة، يؤكد أنه «لا مبرر للزيادة، لأن الأسعار لا تزال كما هي سواء بالنسبة إلى سعر الدولار أو البنزين أو المحروقات أو قطع الغيار. ونحن اتفقنا مع الوزير، لحظة توقيع وإعلان التعرفة، أنه قد يكون هناك خلل في خطوط معينة أو مناطق محددة، ولكن الوضع الاستثنائي في البلاد حال دون ذلك».
هل ملتزم السائق العمومي؟ يجيب مشدّدا على أن «السائق العمومي هو مواطن قبل أن يكون سائقًا، وهو معرّض مثل غيره لما يحدث مع الزبائن الذين ينقلهم. لذا، إذا لم يشعر بمسؤولية تجاه نفسه وأهله وناسه، فلا يمكن لأي قوة في الأرض أن تجبره على الالتزام بالقانون. وإذا لم يخف من ربه، فلن يهاب أحداً آخر، حتى القانون. ويضيف، لا أعتقد أن سائقا عموميا شرعيا ومرخصا سيتصرف على هذا النحو الانتهازي، لكن هذه الفئة ضئيلة جدا. نحن منذ سنوات عديدة نطالب بتطبيق القانون وقمع المخالفات والتعديات على هذا القطاع. وهناك الكثير من النمر أو اللوحات العمومية المزورة وغير القانونية، كما تعمل سيارات وفانات خصوصية على الخطوط، مما يجعل من الصعب التمييز بين هؤلاء».
«التوك توك» والتحدّيات القانونية
وبخصوص «التوك توك»، يحسم الجدل، «ليس لهذه الوسيلة أي مكان لا في قانون السير ولا في القانون العام. كنا نعمل على معالجة هذا الموضوع، ولكن توقفنا بسبب تصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان، لكننا سنعيد فتح هذا الملف من جديد».
في الختام، خلال الوضع الاستثنائي الذي مرَّ به لبنان في ظل العدوان الإسرائيلي، أصبحت تعرفة السرفيس داخل العاصمة بيروت موضوعا مثارا للجدل. فقد كان يحدّد كل صاحب سيارة تعرفة نقل الركاب وفقا لمزاجه، مما أدّى إلى ارتفاع غير مبرر في الأسعار. ففي بعض الأحيان، كان السائقون يسألون الركاب عن وجهاتهم ويطلبون أجرة مرتفعة، بحيث قد يتجاوزون سعر الأربع مقاعد، مما يعكس استفادة غير مشروعة للمواطنين. هذا الاستغلال لم يكن محصورا في مناطق معينة، بل كان منتشراً في معظم أنحاء الوطن، مما يبين أن الأزمة لم تكن مجرد حالة استثنائية، بل ظاهرة شملت مختلف المناطق. يظل هذا الوضع دليلًا على غياب الرقابة الفعالة من المسؤولين الذين لم يتحركوا لإيجاد حلول حقيقية، بل تركوا الوضع يتفاقم دون أي تدخّل يُذكر».
في الخلاصة، من الجدير بالذكر أن «اللواء» زوّدت رئيس نقابة السائقين العموميين باسم الشخص الذي تحدث بفخر عن ربحه من نقل المواطنين اللبنانيين النازحين من المناطق المتأثرة، حيث تراوحت أرباحه في أسبوع واحد بين 4500 و5000 دولار، بينما تراوحت أجرة النازح السوري بين 70 و100 دولا، والسائق من بلدة جبشيت البقاعية.
Chaos in Transportation During the War: Service Fare Exceeds One Million!
Public transportation in Lebanon is one of the most prominent sectors reflecting the chaos and exploitation that have become characteristic of various vital areas in the country, especially during times of crises. This sector has been suffering for years from a lack of organization and ambiguity in setting fares, but the recent Israeli aggression revealed deeper dimensions of the problem. Thousands of people fled their homes to areas believed to be safer, many leaving without money or even basic necessities. Amid this crisis, numerous stories emerged, ranging from high moral conduct to blatant exploitation.
On the other hand, Lebanon has witnessed the widespread emergence of the “Tuk Tuk” as a means of transportation, which, although not legally recognized, has become one of the most commonly used methods in certain Lebanese areas. Despite consuming fewer fuels than traditional transportation modes, Tuk Tuk owners often demand high fares, a situation similar to what happens with service taxis and vans. This phenomenon highlights the absence of oversight and the rise in prices amid ongoing chaos.
Citizens Complain: Is Anyone Listening?
In the context of the war and the confusion surrounding transportation fares, Rana, a mother of three from southern Lebanon, tells Al-Liwaa how she was forced to pay 200 dollars to a driver to take her family to Beirut, while leaving most of her belongings behind. She says, “I didn't have much, but the driver insisted on the amount or we would have to look for another vehicle. I had no choice but to pay.” In contrast, Mohammad, a young man from Tyre, tells a completely different story: “After the expansion of Israeli attacks, a driver took me and my two children to Sidon without asking for any fare, considering it an ethical and national duty.”
While such honorable examples exist, there are reports of some drivers exploiting the crisis excessively. In this context, Al-Liwaa reveals the story of one such driver, Abbas from the town of Jbeishit, who claimed to have earned between 4500 and 5000 dollars in one week from displaced people, stating that he charged as much as 70 to 100 dollars per passenger on a single trip. These figures caused considerable outrage, especially when compared to the humanitarian actions of other members of the Lebanese population.
The Ongoing Question: Will Lebanese Citizens Continue to Pay the Price of Crises?
In response, Bassam Taless, president of the Transport Unions and Syndicates in Lebanon, explains to Al-Liwaa that regarding the fare set by the Ministry of Public Works and approved by Minister Ali Hamieh, things were going on somewhat smoothly. He confirmed that they monitored complaints from citizens on a daily basis. Taless commented on the fare manipulation, stating that it is related to supply and demand, with passengers having the option to choose another vehicle if the fare is too high.
Exploiting the Situation During Wartime: Is It Unacceptable?
Regarding the exploitation of the situation during the Israeli aggression on Lebanese areas, which led to the displacement of thousands, Taless remarked, “We must view the issue from two perspectives. On one hand, I received calls from citizens thanking public drivers who, instead of charging the regular fare, took half of it from the displaced people fleeing under bombardment. On the other hand, some drivers profited excessively. While I do not defend anyone, this does not reflect the humanitarian values that we expect.”
Taless emphasized that no justification exists for the exploitation of citizens during wartime, stating that a driver who seeks to profit in such circumstances cannot be considered a responsible person.
Ministry’s Stance and the Fare
Concerning the fare, Taless confirmed that there is no justification for an increase, as prices remain the same despite the dollar exchange rate, fuel prices, and spare parts. He mentioned that he will communicate with the minister and the director general of land and maritime transport to discuss this matter, and that a position on this issue will be taken in the coming days.
“Tuk Tuk” and Legal Challenges
As for the “Tuk Tuk,” Taless clarified: “This mode of transportation has no legal place in the traffic law or general law. We were working on addressing this issue, but we halted due to the escalation of Israeli attacks on Lebanon. However, we will reopen this file soon.”
Conclusion
During the exceptional situation Lebanon faced amid the Israeli aggression, the service fare in Beirut became a topic of controversy, with each vehicle owner setting the fare according to their own preferences, resulting in unjustified price hikes. This exploitation was not limited to specific areas but was widespread across Lebanon, reflecting the absence of effective oversight from officials who failed to intervene and resolve the situation.
Translated by economyscopes team
المصدر: ندى عبد الرزاق – اللواء