التعويضات الإيرانية لإعادة الإعمار قد تكون سراباً
معضلة المال الإيراني الذي وعدت به طهران لبنان يصعب الحصول عليه نتيجة العقوبات الأميركية. تلك الأموال لا إمكانية إلّا من خلال إدخالها بالدولار “الكاش” وهذا بدوره سوف يضع لبنان في مواجهة أزمة إضافية، بخلاف الأزمات التي يرزح تحتها.
سكتت المدافع وطاف الحديث عن إعادة الإعمار على سطح الاهتمامات اللبنانية. الأصوات بدأت ترتفع في شأن عدم قدرة “حزب الله” على القيام بهذه المسؤولية وحده، وتلمّح إلى ضرورة إشراك الدولة في تلك “الورشة”. أمّا القائمون على الدولة، فهم بدورهم يقذفون الأزمة على الخارج، ويؤكدون أنّ إعادة الإعمار بلا المساعدات العربية والغربية قد تكون صعبة التحقيق!
التقديرات حول الخسائر والأضرار متناقضة، وتتأرجح بحسب الجهة المُقدّرة: البعض يقول إنّها في حدود 2 مليار دولار (الأمم المتحدة) في حين أنّ البعض الآخر يضعها بين هامشي 11 و15 مليار دولار (الدولية للمعلومات ووزارة الاقتصاد).
آخر تلك الترجيحات كانت لوزارة المالية، إذ كشف الوزير يوسف الخليل، قبل أيام في دردشة غير رسمية مع صحافيين أجانب في لقاء بالوزارة، أنّ تقديرات وزارته تشير إلى أنّ الأضرار والخسائر قد لا تتعدى الـ 5 مليارات دولار، بينما الأرقام الملقاة من هنا وهناك هي “من باب التهويل”.
لكن بمعزل عن لعبة الأرقام في لبنان وتعقيداتها ومشاكلها، فتلك الأضرار وخصوصاً تلك المتعلقة بإعادة الإعمار تطرح إشكالية “جديدة/قديمة” تتعلق بشرعية المال الإيراني المستخدم في إعادة الإعمار: خلال حرب تموز 2006 شاركت دول عربية وأجنبية عدّة في بناء قرى الجنوب اللبناني، كما تكفّلت إيران بواسطة “حزب الله” بإعادة إعمار المباني التي تهدمت في الضاحية الجنوبية، إضافة إلى بعض الجسور والبنى التحتية. قام “الحزب” بهذه المشاريع من خلال مؤسسة “وعد” التي أنشأها من أجل هذا الغرض.
اليوم يؤكد القيّمون على “وعد” في أحد التقارير الصحافية، أنّ “الحمل ثقيل جداً” ولا قدرة لها على القيام بهذا الواجب بلا مساهمة الدولة في اللوجستيات قبل الشؤون المالية… وهذا يؤكد أن إعادة الإعمار قد تشهد ولادة متعثرة.
وبخلاف الشؤون اللوجستية والتنظيمية المتعلقة بالخرائط والتراخيص والبنى التحتية، ثمة معضلة أخرى أشدّ صعوبة تتعلّق بالتمويل.
إذ تشير التقديرات إلى أنّ حجم الدمار يفوق الدمار خلال حرب تموز 2006 بنحو 10 أضعاف. وهذا يعني أنّ الأكلاف بدورها تفوق الأضعاف السابقة عشر مرات أيضاً.
الدول العربية لا تبدو متحمّسة لمدّ يد العون حتى الآن، ما خلا دولة قطر التي أعلنت أنّها ستقف إلى جانب لبنان من دون الخوض في التفاصيل والشروط. إذ اقتصر حديث أحد الرسميين فيها على “المجاملة الدبلوماسية” من باب المواساة ومن دون تقديم عروض فعلية. أمّا بقية الدول العربية فلا تبدو مستعدة إلى خوض غمار تلك التجربة بلا أفق سياسي واضح أو “خارطة طريق”، وهذا الأمر ينسحب على الدول الغربية بطبيعة الحال.
تبقى إيران، التي أعلن مرشدها علي خامنئي على وقع أصوات الصواريخ والمدافع، أن “كل شيء سيُعوّض”… وهو ما كرّره عدد من المسؤولين الإيرانيين الذين زاروا لبنان وذلك من باب التأكيد. إلاّ أن تعهد إيران بالتعويض أو بالمشاركة، وفي أقل تقدير، تشوبه شائبتان:
أولاً، كيف ستدخل إيران الأموال إلى لبنان وهي مدرجة على لوائح العقوبات؟
ترزح إيران تحت عقوبات غربية تقصيها عن النظام المصرفي العالمي، ناهيك عن وضعها على “اللائحة السوداء” لمجموعة العمل المالي (FATF) بتهم تبييض الأمول وتمويل الإرهاب. وعليه، لن تستطيع طهران إرسال المساعدات إلا بواسطة المال “الكاش”، وهذا سيضع لبنان تحت المجهر الدولي ويهدّد بإدراجه هو الآخر على اللائحة السوداء بعد الرمادية التي أدرج عليها قبل أشهر.
صحيح هذا الأمر سيدخل العملات الصعبة إلى البلاد، التي قد يستفيد منها الاقتصاد اللبناني وقليلاً مصرف لبنان لناحية زيادة إحتياطياته بالعملة الأجنبية. لكنّها في المقابل، ستخلق ضغوطاً رهيبة على مصرف لبنان، وتدمّر كل الجهود التي قام بها الحاكم بالإنابة وسيم منصوري لتحسين علاقة لبنان ومصارفه المحلية (على علّاتها) بالمصارف الغربية المراسلة.
أوساط حكومية عدة تعتبر أنّها تملك الحلّ لهذه المعضلة، وذلك من خلال إنشاء صندوق مشترك مع البنك الدولي مسمى Multi Donor Trust Fund، (راجع نداء الوطن) يقوم البنك بالإشراف على الأموال المقدمة من الداعمين والمانحين، وقد تكون إيران من بينهم.
إلاّ أنّ الخبراء والمطّلعين على آليات عملة البنك الدولي يؤكدون أنّ إشراك إيران في تلك الآلية ستحتاج إلى عددٍ لا ينتهي من الموافقات (Clearances) التي يفترض أن تصدرها الخزينة الأميركية… مما يعني أن هذا الطريق قد يبدو صعباً ومتعثراً أو بحاجة إلى كثير من الوقت على غرار الموافقة التي لم يحصل عليها لبنان، لاستجرار الغاز من مصر بسبب العقوبات الأميركية على النظام السوري.
ثمة رأي آخر، يُتداول بين الأوساط الصحافية، مبنيّ على بعض المصادر الأميركية، ويفيد بأنّ الولايات المتحدة قد تتساهل بأمر التعويضات الإيرانية إلى الداخل اللبناني طالما أنّها ستكون مخصّصة لإعادة البناء حصراً. لكن هذه المعلومات لا تبدو أكيدة حتى اللحظة، خصوصاً قبل وصول الرئيس الأميركي المنتخب حديثاً دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل.
ثانياً، ماذا تريد إيران من خلف التعويضات، وهل تطمح إلى إعادة “حزب الله” لما كان عليه في السابق (حزب مسلّح)؟
في خطابه الأخير بعد وقف إطلاق النار، أكد الأمين العام الجديد لـ “حزب الله” الشيخ نعيم قاسم أنّ “الحزب” سيلتزم بتطبيق الاتفاق الأخير الذي أوقف الحرب وكذلك بمندرجات القرار الدولي ذات الرقم 1701 كاملة. المنطق يفترض أنّ هذا الالتزام يحتّم على “حزب الله” عدم التسلّح مجدداً.
وهذا المنطق بدوره يطرح سؤالاً ملحاً مفاده: هل ستكون إيران مستعدة لإنفاق هذه الأموال كلها (أموال التعويضات) على حزب قد لا يكون مسلحاً بعد الآن؟ أم أنّ التعويضات التي تعهدت بدفعها تحمل إشارات على أنّها تصرّ على سلوكها السابق؟
لعلّ الإجابة عن هذه الأسئلة تحتاج إلى المزيد من الوقت لرصد السلوك الإيراني، وكذلك سلوك “حزب الله” على الأرض. لكن الأمر الأكيد بعد كل ما سبق ذكره أعلاه، أنّ عملية إعادة الإعمار لن تكون أمراً ميسّراً أو نُزهة. قد يدفع “حزب الله” التعويضات التي بدأ بتقديمها اليوم للمتضررين والمقدّرة بما بين 12 و 14 ألف دولار (بدل السكن السنوي وبدل المفروشات) إلاّ أنّه قد لا يستطيع إعادة إعمار ما تهدم سريعاً، خصوصاً إنّ كانت الرقابة الدولية على الأموال المتدفقة من إيران إلى الداخل اللبناني صارمة.
Iranian Compensation for Reconstruction May Be a Mirage
The Iranian compensation promised to Lebanon by Tehran for reconstruction has become one of the thorny issues that raises several questions in Lebanon. These pledges face major challenges, especially due to the U.S. sanctions on Iran, making it difficult for these funds to reach Lebanon and creating additional economic and political crises.
After the cessation of hostilities, discussions about reconstruction began to dominate Lebanese concerns, with increasing voices suggesting that “Hezbollah” may not be able to take on this responsibility alone. There have also been calls for the Lebanese state to participate in this monumental task, but Lebanese officials continue to shift the burden onto foreign assistance, stressing that reconstruction would be difficult without Arab and Western aid.
The estimates regarding the losses and damages are inconsistent. The United Nations estimates the losses at about $2 billion, while other entities, such as “The International Information” and “Ministry of Economy,” put the losses between $11 billion and $15 billion. Recently, Finance Minister Youssef Khalil stated in an informal chat with foreign journalists that his ministry's estimates suggest the damages may not exceed $5 billion, questioning the exaggerated figures circulating.
However, beyond the number game and its complexities in Lebanon, these damages—especially those related to reconstruction—raise a “new/old” issue regarding the legitimacy of the Iranian money to be used for rebuilding. During the 2006 July War, several Arab and foreign countries participated in the reconstruction of southern Lebanese villages, while Iran, through Hezbollah, funded the rebuilding of damaged buildings in the southern suburbs and some bridges and infrastructure. Hezbollah carried out these projects through the “Waad” Foundation.
Today, officials in “Waad” confirm that the task is too heavy for them to handle without state support in logistics before financial matters. This reinforces the idea that the reconstruction process may face a difficult and delayed start.
Apart from logistical and organizational issues related to maps, licenses, and infrastructure, there is another even more challenging issue related to funding.
Estimates suggest that the current level of destruction surpasses that of the 2006 war by nearly 10 times. This means that the costs will also be ten times higher.
Arab countries do not appear enthusiastic about assisting Lebanon, with the exception of Qatar, which has announced its support for Lebanon, but without going into specifics. The remaining Arab countries are not willing to venture into such an initiative without a clear political horizon or “road map,” and the same hesitation applies to Western countries.
As for Iran, its Supreme Leader Ali Khamenei has stated, in the midst of missile and artillery fire, that “everything will be compensated,” a message repeated by several Iranian officials during their visits to Lebanon. However, this pledge faces two key challenges:
First, how will Iran transfer the funds to Lebanon while being under sanctions?
Iran is burdened with Western sanctions that exclude it from the global banking system, in addition to being blacklisted by the Financial Action Task Force (FATF) for money laundering and terrorism financing. As a result, Tehran will only be able to send assistance via “cash,” which will place Lebanon under international scrutiny and may threaten to blacklist it as well, following the recent gray listing it faced a few months ago.
This “cash” approach could bring hard currency into the country, which could benefit Lebanon's economy and, to a lesser extent, the Central Bank of Lebanon by increasing its foreign currency reserves. However, it will also create immense pressure on the Central Bank and undermine all efforts made by the interim governor, Wassim Mansouri, to improve Lebanon's relationship with international correspondent banks.
Several government sources believe they have a solution to this dilemma, proposing the creation of a joint fund with the World Bank called the “Multi Donor Trust Fund” (MDTF), where the bank would oversee the funds from donors, including Iran.
However, experts familiar with the workings of the World Bank confirm that including Iran in such a mechanism would require a long list of approvals (clearances) from the U.S. Treasury, meaning that this route could be difficult or delayed, much like the approval Lebanon failed to secure for importing gas from Egypt due to U.S. sanctions on the Syrian regime.
Another view, circulating in the media and based on some American sources, suggests that the U.S. may be more lenient regarding Iranian compensation for Lebanon as long as it is strictly dedicated to reconstruction. However, this information remains uncertain, especially with the arrival of the newly elected U.S. President Donald Trump on January 20.
Secondly, what does Iran want behind the compensations, and does it seek to restore Hezbollah to its previous form as an armed party?
In his recent speech following the ceasefire, Hezbollah’s new Secretary-General Sheikh Naim Qassem confirmed that the party would comply with the latest agreement that ended the war and with the full provisions of United Nations Security Council Resolution 1701. Logically, this commitment would imply that Hezbollah should not re-arm.
This raises an urgent question: Will Iran be willing to spend all of this compensation money on a party that may no longer be armed? Or do these promised compensations signal that Iran is insistent on continuing its past actions?
The answer to these questions may require more time to observe Iranian behavior, as well as Hezbollah's actions on the ground. However, it is certain that the reconstruction process will not be simple or smooth. While Hezbollah may provide compensation to victims, estimated between $12,000 and $14,000 (for housing and furniture replacement), it may not be able to quickly rebuild what has been destroyed, especially if international oversight on Iranian funds flowing into Lebanon becomes stringent.
Translated by economyscopes team
المصدر: عماد الشدياق – نداء الوطن