لبنان يلملم شظايا انهيار “إمبراطورية” الكبتاغون؟
لم يكن خافياً على أحد أن نظام بشار الأسد يدير سلسلة إنتاج المخدرات وعلى رأسها مادة “الكبتاغون” وأن رأس الدولة السورية يتربّع على عرش شبكة إنتاج وتوريد وتصدير المخدرات إلى دول مختلفة في العالم أبرزها دول الخليج، بالتعاون مع الدويلة التي كانت قائمة في لبنان، بعد كشف تحقيقات عديدة معامل الكبتاغون على الحدود اللبنانية السورية خصوصاً في البقاع.
الجديد الذي يشكّل الدليل القاطع، اكتشاف أكبر مصانع ومستودعات الكبتاغون في منزل ماهر الأسد. ورغم نفي “حزب اللّه” تورّطه في صناعة وتجارة المخدرات بالتعاون مع سوريا، إلّا أن وجود معامل تصنيع المخدرات التي أنشأتها إيران في مناطق حدودية “تحت حمايته” هو الدليل أيضاً على تورّطه والنظام السوري بمظلّة إيرانية في تلك الشبكة التي تدرّ للنظام السوري فقط حوالى 5 مليارات دولار سنوياً.
ما هي تداعيات تعطّل دورة إنتاج وتصدير المخدرات بين النظام السوري و “حزب اللّه” على اقتصاد لبنان؟
هذه التجارة التي تدرّ حوالى 4 مليارات دولار في الاقتصاد النقدي اللبناني هي نفسها التي كانت سبباً حرم الاقتصاد الشرعي في لبنان من عائدات تبادلاته التجارية مع السعودية بعد توتر العلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين وقرار المملكة وقف الاستيراد من لبنان نتيجة ضبط، مراراً وتكراراً، شحنات من الكبتاغون المهرّبة من لبنان، حيث بلغت محاولات التهريب 600 مليون حبة مخدرة من لبنان إلى السعودية بين عامي 2015 و2021.
كما أنها هي نفسها التي أدّت إلى اتّهام لبنان بتبييض الأموال وتمويل الإرهاب وساهمت مؤخراً بأن تكون أحد أسباب إدراجه على اللائحة الرمادية لمنظمة العمل الدولي. وهي نفسها التي كانت لا تزال نشطة لغاية أيلول الماضي (تاريخ تصاعد العدوان الإسرائيلي على لبنان وتاريخ ضبط السلطات التركية شحنة مخدرات قادمة من لبنان عبر سوريا)، وهي نفسها التي تشكّل حوالى نصف حجم الاقتصاد الموازي النقدي في لبنان وتؤثر على الاستقرار الاقتصادي العام، حيث إن وجود اقتصاد كبير يدار في الخفاء يؤدّي بطبيعة الحال إلى تقويض أسس اتخاذ قرارات رشيدة على صعيد سياسات إدارة الاقتصاد الكلي للبلاد بسبب تداول الأموال المحصّلة من المخدرات غير المشروعة في الدورة الاقتصادية.
تفنيد التداعيات
في هذا الاطار، أوضح الأستاذ الجامعي خليل جبارة لـ “نداء الوطن” أن لبنان دفع ثمناً اقتصادياً سلبياً باهظاً نتيجة الحرب في سوريا منذ العام 2011، ودفع ثمناً اقتصادياً نتيجة وجود النازحين السوريين في لبنان.
وفنّد جبارة الأضرار التي لحقت بلبنان نتيجة الحرب السورية، والتي أدّت إلى تراجع نموّ الناتج المحلي الإجمالي:
– أوّلها تجارة الترانزيت اللبنانية التي تعطّلت لأسباب أمنية.
– ثانياً، تسبّب نمو صناعة وتجارة المخدرات في سوريا في ضرر كبير على التصدير اللبناني إلى الخليج، حيث تأثرت علاقات لبنان الاقتصادية مع دول الخليج والأردن نتيجة تداعيات تجارة الكبتاغون.
– ثالثاً، تعطّلت بشكل كامل، نتيجة الحرب السورية، السياحة البرية إلى لبنان والتي كانت مزدهرة قبل العام 2011 حيث كان عدد السياح من السعودية، العراق والأردن يفوق عدد السياح القادمين جوّاً إلى لبنان، علماً أن كل المحاولات لإعادة إنعاش تلك السياحة لم تنجح نتيجة عدم الاستقرار الأمني.
– رابعاً، كلفة النزوح السوري على الاقتصاد اللبناني والمقدّرة بـ 1,7 مليار دولار سنوياً.
واعتبر جبارة أنّ العامل الإيجابي الأوّل لإسقاط النظام السوري، هو توقّف صناعة الكبتاغون وعدم تصنيف سوريا على أنّها narco state، ما يسهّل ويمهّد الطريق أمام إمكانية إعادة بناء العلاقات الاقتصادية مع دول الخليج والأردن الذي تمّر عبره الصادرات، مشيراً إلى أن هذا الموضوع لا يحصل بين ليلة وضحاها ويحتاج إلى جهود فعلية وعمل دبلوماسي جدّي لإعادة بناء الثقة مع لبنان.
ولفت جبارة في هذا الإطار، إلى تطوّر السوق الخليجية على مدار السنوات الـ 14 الماضية من ناحية المواصفات الزراعية وجودة الصناعات الغذائية، وبالتالي فإن استعادة السوق الخليجية وتحديداً السعودية يجب أن تمرّ بتحدّي ملاءمة الصناعات اللبنانية لشروط ومواصفات الجودة والصحة والبيئة التي تفرضها دول الخليج.
كما أوضح أن توقف خطوط الإمداد والتصدير البرية لتجارة الكبتاغون يعتبر من العوامل الإيجابية الأبرز والأهمّ. مشيراً إلى أن أسباب صناعة الكبتاغون في لبنان تنتفي عندما تتعطّل خطوط التصدير إلى الأسواق المستهدفة. مشدداً في هذا السياق، على أهمية الحفاظ على ضبط المعابر والمرافئ البحرية، كي لا يتم استبدال خطوط الإمداد البرية وتحويلها إلى بحرية.
غموض الأرقام
وعمّا إذا كانت أموال تجارة المخدرات تشكل جزءاً من الاقتصاد الأسود في لبنان، اعتبر جبارة أنه لا توجد أرقام مؤكدة حول حجم تلك التجارة وحول نسبة الأموال التي تدرّها في الاقتصاد المحلّي، “كون الأموال الناتجة عنها قد تكون تستخدم لتمويل النظام السوري أو لتمويل خارجي، وبالتالي لا يمكن ربط حجم تلك التجارة أو مقارنتها بحجم الاقتصاد غير الشرعي من دون وجود أرقام مؤكدة حولها، رغم أن الافتراضات تفيد بأن نسبة قليلة من إيرادات تجارة المخدرات في لبنان، تستخدم في الدورة الاقتصادية المحلية” .
العلاقات مع السعودية
من جهته، أكد رئيس هيئة تنمية العلاقات الاقتصادية اللبنانية الخليجية إيلي رزق لـ “نداء الوطن” أن تجارة المخدرات وتصدير حبوب الكبتاغون عبر لبنان باعتباره معبراً لتهريب تلك المواد المضرّة، إلى أسواق الخليج وخصوصاً إلى المملكة العربية السعودية، شكّلا من دون شكّ، عاملاً أساسياً في قطع العلاقات التجارية بين لبنان والسعودية ومنع تصدير المنتجات اللبنانية إلى السعودية، “ولكن تجارة الكبتاغون كانت جزءاً من مجموعة عوامل منها الغضب السعودي من اعتبار لبنان ساحة لتصدير عمليات عسكرية تهدّد الأمن القومي للدول العربية خصوصاً دول الخليج”.
وقال رزق: الآن بعد توقف تلك الأعمال الجائرة، نتطلع ألّا يكون لبنان منبراً للتهجّم على أصدقائنا في المملكة وفي الدول العربية والخليجية. كما نتطلع إلى استعادة العلاقات بين لبنان والدول العربية رونقها القديم بعد انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان.
وأوضح رزق أن الأمور متوقفة حالياً عند جلسة انتخاب رئيس للجمهوية، “يترقب المجتمع الدولي والمجتمع العربي عن كثب مجريات تلك الجلسة، حيث تأمل المملكة السعودية بأن يتمكّن مجلس النواب من انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة فعّالة لاستعادة العلاقات مع دول الخليج وإنجاز 22 اتفاقية متعلّقة بالتبادل التجاري والثقافي والإعلامي كانت موقعة من قبل الجانب اللبناني.
وذكّر رزق بأن الخسارة الكبرى التي مني بها لبنان نتيجة قطع العلاقات السعودية معه، كانت مرتبطة بالتصدير إلى المملكة وبانقطاع السياح السعوديين عن لبنان، متوقعاً عند استعادة العلاقات وعودة السياح الخليجيين، أن يزور لبنان حوالى مليون سائح خليجي، وأن تعاود الصادرات اللبنانية ولوج الأسواق السعودية كسابق عهدها، آملاً ألاّ تكون بعض المنتجات اللبنانية قد خسرت السوق السعودية بسبب الغياب المطوّل.
وحول استعادة لبنان السياحة البرية، أكّد أنّ هذا الأمر يعتمد على النظام السوري الجديد وعلى الاستقرار الأمني في سوريا.
الدولارات المزوّرة
لم تكن تجارة المخدّرات التجارة الوحيدة غير الشرعية النشطة في مناطق حدودية لبنانية “محميّة” بل إن مرافق عدّة لتزوير الدولارات قائمة في البقاع، وكانت تستقطب مهرّبين عالميين للدولارات المزوّرة يقصدونها لشراء الدولارات المزوّرة بكلفة تتراوح بين 20 إلى 30 في المئة من قيمتها بالدولارات الحقيقية.
فهل تفقد تلك التجارة أيضاً أسواقها في الخارج وتتوقف عن العمل مع سقوط النظام السوري وتراجع نفوذ “حزب اللّه” ؟
Lebanon Picks Up the Pieces After the Collapse of the “Captagon Empire”
The Economic Fallout of the Drug Trade in Lebanon
For years, it has been well-known that the regime of Bashar al-Assad has been at the helm of an extensive drug trade, particularly involving Captagon, a powerful amphetamine. The Syrian government, in cooperation with Hezbollah, orchestrates the production, distribution, and export of these drugs to various countries, most notably to the Gulf states. Investigations into Captagon production have revealed several factories along the Syrian-Lebanese border, particularly in the Bekaa Valley.
What stands out as definitive proof of this illicit trade is the discovery of the largest Captagon factories and warehouses found in the house of Maher al-Assad, the brother of Bashar al-Assad. Despite Hezbollah’s repeated denials of its involvement in the drug trade with Syria, the existence of drug manufacturing facilities under the protection of Hezbollah and Iran along the border further suggests their complicity. These illicit activities generate approximately $5 billion annually for the Syrian regime.
The Impact of the Disruption of the Captagon Trade on Lebanon's Economy
This multi-billion-dollar trade has had significant ramifications for Lebanon's legitimate economy. The Captagon trade alone accounted for nearly $4 billion in Lebanon’s informal economy. However, it has also been the reason for the disruption in Lebanon's trade relations with Saudi Arabia. After diplomatic tensions escalated, particularly due to repeated Captagon smuggling attempts from Lebanon, Saudi Arabia imposed a ban on imports from Lebanon, with over 600 million Captagon pills seized between 2015 and 2021.
The drug trade also contributed to Lebanon being placed on the “grey list” of the Financial Action Task Force (FATF) for money laundering and terrorism financing. This illicit trade, active until as recently as September 2024, has been a major player in Lebanon’s parallel economy, which undermines the country's overall economic stability. The existence of a vast underground economy fueled by illicit activities makes it challenging to implement sound economic policies, as proceeds from illegal drug trade enter the mainstream economic cycle.
Economic Costs of the Syrian War and the Syrian Refugee Crisis
The Syrian war, which began in 2011, dealt a heavy blow to Lebanon's economy. The disruption of transit trade and the growth of the Captagon trade significantly harmed Lebanese exports to the Gulf. Furthermore, the influx of Syrian refugees into Lebanon has cost the country an estimated $1.7 billion annually. Lebanon also witnessed a decline in its tourism industry, which was once a thriving sector, particularly for tourists from Saudi Arabia, Iraq, and Jordan. Attempts to revive this sector have failed due to ongoing security instability.
Opportunities for Economic Recovery
If the Syrian regime undergoes a change, Lebanon might find an opportunity to restore its relations with the Gulf states, especially Saudi Arabia. Experts suggest that rebuilding trust will require significant diplomatic effort, but it could also help Lebanon regain access to these critical markets. Improving the quality of Lebanese agricultural and industrial products to meet Gulf standards could also be a crucial step in re-entering these markets.
The Role of the Captagon Trade in Lebanon’s Future
One of the key positive factors for Lebanon would be the cessation of Captagon production, as this would help rebuild trust in Lebanon’s economy. The closure of drug smuggling routes into Gulf markets is a vital factor in curbing this illicit trade. Experts emphasize the importance of securing Lebanon's borders and ports to prevent the establishment of new smuggling routes.
The Hidden Issue of Counterfeit Dollars
In addition to the drug trade, Lebanon has also been a center for the production of counterfeit US dollars, with several factories operating in the Bekaa Valley. These factories attract international criminals who purchase the counterfeit dollars at a fraction of their value, further complicating Lebanon’s economic landscape. With the potential fall of the Syrian regime and the reduction of Hezbollah's influence, these illegal activities may also face disruption, which could have a significant impact on Lebanon's underground economy.
Conclusion
Lebanon now stands at a crossroads, with the potential to reshape its economic future. The cessation of illegal activities such as drug production and counterfeiting, combined with efforts to stabilize the economy, could help Lebanon recover and restore its reputation on the global stage. However, this will require substantial diplomatic and economic reform to reintegrate Lebanon into the international community.
Translated by economyscopes team
المصدر: رنى سعرتي – الديار