طرقات سويسرا الشرق تحوّلت الى طرقات جهنم … هل تتعظ الحكومة من أخطاء الماضي لحلّ الأزمة ؟
تغص طرقات لبنان يوميا، ومع كل مناسبة سعيدة كانت أم حزينة، رسمية أوغير رسمية بزحمة خانقة يخوض خلالها المواطن اللبناني حربه اليومية، للوصول إلى جهته التي يقصدها، فيقضي ساعات طوال في شوارع العاصمة بيروت وضواحيها المزدحمة، والتي تعج بمئات آلاف السيارات التي تعجز الطرقات عن احتمالها، فأزمة الطرقات وزحمتها ليست بجديدة، يعاني منها المواطن اللبناني بشكل يومي، فهو إن عاد من جهته المقصودة سليما جسديا “إن حالفه الحظ” بعد معركة على الطرقات، يعود وقد أصيب بأضرار نفسية من حرق أعصاب وحالة مزاجية سيئة ، ناهيك بإرهاق جسدي ومادي.
السياسات “الاستهتاريّة” وسوء التنفيذ، وعدم القيام بالاصلاحات والصيانة الدورية الضرورية، حولت طرقات “سويسرا الشرق” إلى طرقات جهنم، فعدم قدرة شبكة الطرق القديمة على استيعاب ازدياد حركة السير وسوء حالها، هي من المشاهد المألوفة، ولولا انجاز بعض المشاريع الحديثة، على امتداد الخط الساحلي أو ضمن مدينة بيروت وضواحيها، لكان المشهد مرعباً
فإذا كانت الشبكة القديمة صالحة ذات يوم لتأمين السير وسلامته واستيعاب حركته، إلا أنها لم تعد تفي بمتطلبات الواقع الناتج من النمو السكاني المتزايد، ونشوء تجمعات سكنية كثيفة في ضواحي العاصمة، وازدياد عدد السيارات ازدياداً كبيراً، يضاف إليها حركة النزوح من دول الجوار، دون أن ننسى الحرب الهمجية “الإسرائيلية” التي أدت إلى خروج الكثير من الطرقات بسبب الاستهدافات اليومية، باتت الحاجة ماسة إلى صياغة رؤية جديدة غير تقليدية لتنظيم السير في لبنان.
لسنا بحاجة الى طرقات جديدة… بل الى تنظيم
المهندسة المعمارية المتخصصة في تنظيم المدن والسياسات المدينيّة سهى منيمنة، أكدت أن لبنان عانى من نمط في شق الطرقات والأوتوسترادات العريضة، التي أدت إلى فصل المناطق والأحياء عن بعضها بشكل تام، معتبرة أن هذا الفصل لم يكن مقصوداً، “بل مجرد عمل لأشخاص ليس لديهم الإلمام والخبرة الكافية، لإدراك أنه يجب العمل على مقاربة جديدة، وخطة عامة تعتمد على هذه الرؤية، وطرق لتحفيز الأرصفة”، مضيفة “هذا النمط بدأ مع خطة وضعت في الستينيات، لتوسعة الطرقات والاوتوستردات بشكل عام، وتوقفت الخطة بحكم الحرب الأهلية”.
وأشارت إلى أنه بعد الحرب الأهلية كان التركيز على إعادة إعمار المباني، وكل مشاريع شق الطرقات السابقة المتوقفة عاد الحديث للعمل بها، علماً أن الحديث عن خطط وضعت في الستينيات غير منطقي، مع كل التغيرات العالمية في خطط للنقل العام والتنقل السلس، وهذا ما لم يتم التطرق له في الخطة الجديدة، وكان هناك نية بالعودة الى المشاريع القديمة مثل أوتوستراد فؤاد بطرس، الممتد من الحكمة في الاشرفية الى مار مخايل، أتوستراد بترو طراد، وفي فترة الستينيات استملكت العديد من العقارات على هذه الخطوط، ولم تنفذ هذه المشاريع”.
وتؤكد أننا “لسنا بحاجة إلى طرقات جديدة، بل إلى تنظيم، والخروج من عقلية تحصر التنقل بواسطة السيارة الخاصة فقط، فهذا المنطق يبقي العمل على شق الطرقات، وتحول المدينة إلى شبكات طرق سيارات فقط، وتختفي الأحياء والمساحات العامة والمشاة معاً”، وتضيف “في السنوات الأخيرة، تحولت المساحات العامة إلى مواقف للسيارات، فيما شق الطرقات لديه انعكاس سلبي لناحية التنقل، إذ يزيد من زحمة السير، خاصة بغياب خطة نقل عام بديل وسلسة، هذه المقاربة الوحيدة التي تتطرق اليها الحكومات في موضوع النقل، وهي مقاربة قديمة”.
طرقات لبنان أصبحت شبه منتهية الصلاحية، فتغيب عنها أدنى معايير السلامة المرورية، فالأزمة الاقتصادية وانهيار العملة الوطنية انعكسا سلباً على التجهيزات والأعمال المتعلقة بالسلامة المرورية، حيث أصبح لدى الوزارة والبلديات حجة عدم القيام بواجباتها، كما وضعت الأزمة شبكة طرقات لبنان في مصاف الدول المتخلفة، فمعظم طرقاتها ليست سالكة ولا آمنة، وبعضها غير مؤهل للسير.
“الأشغال والنّقل”: مشكلة صلاحيّات
بين وزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار
مصدر في وزارة الأشغال والنّقل أكد أن “شبكة الطرقات في لبنان من ضمن مسؤوليات وزارة الأشغال العامة والنقل، في ما يخص نطاق الطرقات الدولية، أما بالنسبة للمناطق فهي من مسؤوليّة البلديات كل ضمن نطاقها، فيما تقع على مجلس الإنماء والإعمار المسؤولية الأصغر باعتباره مجرد وسيط”. ولفت المصدر إلى أن “مجلس الانماء ومنذ إنشائه خلال العام 1990، كان موازياً لوزارة الأشغال العامة، لا بل وحل مكانها في كثير من الأحيان، وبالتالي أضحت مشكلة صلاحيات متنازع عليها بين وزارة الأشغال ومجلس الإنماء والإعمار، ما عطل العديد من الخطط الإصلاحية والإنمائيّة لشبكة الطّرقات”.
وأشار المصدر إلى”عدم وجود مخصصات ماليّة ، لصيانة وتأهيل شبكات الطرق، فيما تئن البلديات من أوضاعها المزرية وعجز صناديقها، أما المتعهدون فيعلقون التزامهم بالمشاريع حتى إشعار آخر، مع استمرار الدفع بالليرة الفاقدة قيمتها”.
اين مليارات الدولارات التي صرفتها
الدولة على مشاريع البنى التحتية؟
الواقع المرير للطرق في لبنان كان مزرياً أصلاً ، فكيف بالحري اليوم في ظل غياب الأموال وتوقف الورش التي كانت تقام لإصلاح الطرقات وصيانة الجسور، فاليوم بالكاد تستطيع وزارة الأشغال سد حفرة ببعض من الأتربة والزفت المتوافر.
هكذا يمكن تلخيص حال طرقاتنا، فهشاشة البنى التحتية وغياب أي صيانة أو تدابير وقائية من قبل الدولة، تسبب بإلحاق أضرار فادحة بالسيارت وحوادث سير وموت متنقل على الطرقات في كل المحافظات، رغم أن الدولة قد صرفت مليارات الدولارات على مشاريع البنى التحتية، إلا أنها جميعها هدرت لمصلحة جيوب المتعهدين المحسوبين على أحزاب سياسية، والذين بدورهم بنوا الجسور وشقوا الطرقات غير آبهين بمعايير السلامة العامة، دون ان ننسى الملايين التي جمعت من محاضر ضبط مخالفات السير ورسوم الميكانيك، التي من المفترض أن تخصص من أجل إصلاح الطرقات وتأمين سلامة السائقين، فمعظم طرقاتنا وجسورنا متروكة ومهملة.
واليوم وبعد إعلان وقف إطلاق النار بعد الحرب “الإسرائيلية” على لبنان، والحديث عن إعادة الإعمار، هل تتعظ الحكومة من أخطاء الماضي، وتتخذ الإجراءات الضرورية واللازمة لحل أزمة الطرقات؟ وهنا تجدر الإشارة إلى أن لبنان صنف في المرتبة الأولى عالميا من حيث الخطورة في القيادة على طرقاته.
The Roads of “Switzerland of the East” Have Turned Into Roads of Hell… Will the Government Learn From Past Mistakes to Solve the Crisis?
Lebanon’s roads face daily traffic jams, whether on joyful or sad occasions, official or unofficial events. Lebanese citizens battle daily to reach their destinations, spending hours stuck in the streets of Beirut and its suburbs, overwhelmed by the countless cars that these roads simply can't handle. The traffic crisis is not new, and it’s something the Lebanese experience every day. If the citizen reaches their destination physically unharmed “if lucky” after this daily battle, they often return home with mental scars—high stress, bad moods, and physical and financial exhaustion.
Negligent Policies and Their Impact on the Roads
The “careless” policies, poor execution, and failure to carry out necessary reforms and regular maintenance have turned Lebanon’s once renowned “Switzerland of the East” roads into a nightmare. The inability of the old road network to handle the increasing traffic, along with its deteriorating condition, has become a common sight. Had it not been for some new projects along the coastal road or within Beirut and its suburbs, the situation would have been even worse.
The roads that were once adequate for the time no longer meet the demands created by population growth in the suburbs, the increase in the number of cars, and the large influx of refugees from neighboring countries. Additionally, the destructive Israeli war led to the destruction of many roads, which made the need for a new and non-traditional approach to traffic organization in Lebanon even more urgent.
Do We Need New Roads?
According to architect and urban planning specialist Suha Mneimneh, Lebanon doesn’t need new roads, but rather an efficient organization of the existing roads. She explains that the widespread expansion of wide roads and highways since the 1960s resulted in the complete separation of neighborhoods, which was not intentional but rather a result of poor planning and lack of expertise. After the civil war, the focus was on rebuilding buildings, and the previously halted road expansion projects were revisited. However, returning to the projects of the 1960s is illogical in light of global changes in public transportation and seamless travel, which were not considered in the new plans.
She stresses the importance of abandoning the mentality that restricts mobility to private cars only, as this approach leads to urban sprawl that only accommodates cars, leaving no room for public spaces or pedestrian-friendly areas.
The Current Situation: Roads Are Almost Unfit for Use
Lebanon's roads are now nearly unusable, lacking basic traffic safety standards. The economic crisis and the collapse of the national currency have had a negative impact on the safety measures on the roads, with ministries and municipalities using the crisis as an excuse for neglecting their duties. This has led to Lebanon's roads being classified alongside those of underdeveloped nations, with most of the roads being unsafe or impassable.
The Issue of Authority Between Ministries
A source from the Ministry of Public Works and Transport confirmed that the road network in Lebanon is the responsibility of the Ministry when it comes to international roads, while the municipalities handle local roads. The Council for Development and Reconstruction (CDR) has a smaller role, often acting as an intermediary. However, there has been an ongoing conflict of authority between the Ministry and the CDR, delaying many repair and development plans. Furthermore, the lack of financial allocations for road maintenance and the dire state of municipal budgets have exacerbated the situation.
Where Are the Billions Spent on Infrastructure Projects?
The already poor condition of Lebanon’s roads has worsened due to the lack of funds for necessary repairs and the halt of ongoing infrastructure projects. Today, the Ministry of Public Works can barely fill a hole in the road with available materials. The situation is made worse by the government’s failure to ensure proper maintenance, leading to car accidents and fatalities across all regions. Despite the billions spent on infrastructure projects, much of the money has been siphoned off to the pockets of contractors affiliated with political parties, who constructed bridges and roads without adhering to public safety standards.
Will the Government Learn From Past Mistakes?
With the recent announcement of a ceasefire after the Israeli war and talks of reconstruction, the question arises: will the government learn from its past mistakes and take the necessary steps to resolve the road crisis? Lebanon has been ranked as one of the most dangerous countries in terms of driving on its roads. The government must take this as an opportunity to implement real reforms and create a safer, more efficient road network for the people.
Translated by economyscopes team
المصدر: ربى أبو فاضل – الديار