أولويات العهد…الودائع، اليوروبوندز والمالية العامة
بعد انتظار قاتل دام خمس سنوات لأزمة اقتصادية ومالية تمّ في خلالها قضم تعب وشقاء المودعين، فأفقرت متوسطي الدخل بسبب الفساد والمحاصصة وتناتش السياسيين الحصص على حساب الفقراء، وأغرقت البلاد في وحول التضخم والعوز والبطالة وانهيار الرواتب… عاد اليوم الأمل مع انتخاب رئيس للجمهورية وتسمية رئيس حكومة خلال 6 أيام فقط، وتمّ وضع البلاد على طريق التعافي. فما هي الملفّات الملحّة للمرحلة المقبلة لوضع الاقتصاد اللبناني على سكّة النهوض الصحيحة؟
هل سيتمّ إقرار خطة للتعافي الاقتصادي في المرحلة المقبلة؟ وهل سيتمّ تحرير سعر صرف الدولار وتسديد دين سندات الـ «يوروبوندز» واستعادة المودعين أموالهم وإصلاح قطاع الكهرباء؟ ملفّات ملحّة في مالية واقتصاد البلد المهترئ، وتساؤلات طرحناها على رئيس الجمعية الاقتصادية اللبنانية والخبير الاقتصادي السابق في صندوق النقد الدولي في واشنطن منير راشد. وقد فنّد تحدّيات العهد الجديد وفق النقاط التالية :
1- معالجة أزمة القطاع المصرفي والودائع المصرفية بالدرجة الأولى ما سيعيد الثقة بالقطاع ويمهّد الطريق لإعادة إعمار البلاد. فلم يحصل في أي بلد في العالم احتجاز ودائع المواطنين لفترة 5 سنوات. الأسلوب المتّبع من خلال التعميمين 166 و 158 للتسديد التدريجي لأموال المودعين من خلال تدابير استثنائية هو غير عادل، والقيمة التي يتمّ تقاضيها زهيدة مقابل الحاجة المرتفعة لإعادة إحياء الدورة الاقتصادية واعادة الاعمار، ومن لديه وديعة بقيمة مليون دولار يسحب شهرياً من حسابه القيمة نفسها التي يحصل عليها المودع الذي لديه 5 آلاف دولار أكانت 150 أو 300 أو 400 دولار شهرياً وهذا الأمر يعتبر بمثابة «لعب ولاد زغار».
2- معالجة أزمة الودائع تحتاج إلى ضخ سيولة في مصرف لبنان لأن سيولة المصارف محجوزة لديه فلا يمكن تسديد الودائع بالأموال الموجودة حالياً عندها فيتوقف الإقتصاد عن العمل.
كيف تُؤمن السيولة في المصارف؟ تُؤمن من خلال خفض الاحتياطي الالزامي على الأصول الأجنبية الإجمالية للمصارف ( احتياطي المصارف بالدولار) في مصرف لبنان التي تبلغ 10.7 مليارات دولار. وهي ودائع المودعين المحتجزة لدى مصرف لبنان. يُخضع مصرف لبنان المصارف لأعلى نسبة احتياطي إلزامي عالمياً على الودائع بالعملات الأجنبية، و هي غير متوجبة حسب قانون النقد والتسليف. يستطيع مصرف لبنان أن يوفر السيولة للمصارف والمودع بخفض نسبة الاحتياطي هذه إلى %2، وهو المتوسط العالمي. حينها سيوفر للمصارف سيولة بقدر 9 مليارات دولار كمرحلة أولى (و تبلغ 10% من مجمل ودائع المودعين لدى المصارف بالدولار). وتودع في حسابات المودعين بنسبة 10% لكل مودع من ودائعه المجمدة في المصارف البالغة 89 مليار دولار وتصبح نقداً «فرش» للمودع. و قد تُطبق نسب أعلى للودائع الصغيرة وتراجعية للودائع المرتفعة.
ومن الممكن أيضاً زيادة السيولة من خلال تسييل جزء من الذهب لدى مصرف لبنان البالغ نحو 24 مليار دولار بالقيمة السوقية التي حصل عليها المصرف عبر عقود من ودائع المودعين. قد يُخصّص نصف هذا المبلغ (ما يوازي 12 مليار دولار) كسيولة إضافية لحساب المودعين أيضاً على أساس نسبي. فيصبح إجمالي السيولة للمودعين لدى المصارف نحو 24% من إجمالي الودائع المحتجزة كودائع «فرش».
3- تزامناً تبرز الأولويات في تحرير سعر صرف الليرة إزاء الدولار بالكامل وإنهاء سعر الـ 15 ألف ليرة للدولار، في المصارف وأسعار الصرف الضريبية الأخرى المدعومة ( 8000 و 1500 ليرة). سياسة سعر الصرف المثبّتة هي سياسة خاطئة وتعيدنا إلى السياسات السابقة التي أدّت إلى الانهيار النقدي. فالاستقرار النقدي الحالي الموقت يعود للسياسة المالية «المنضبطة».
4- ضرورة إصلاح مالية الدولة وتفنيد كل بنودها، إذ أن جزءاً من المالية، يحسب من المتأخرات ومنها خدمة الدين على الـ «يوروبوندز». فالمتأخرات المستحقّة على الـ «يوروبوندز»تبلغ 10 مليارات دولار، وإذا احتسبنا الفوائد المستحقّة مع أصل دين سندات الـ»يوروبوندز» تصبح القيمة المستحقّة 40 مليار دولار. نحتاج إلى أرقام مالية صحيحة وآنية يتمّ إصدارها بشكل دوري .
5- التفاوض مع الدائنين يبرز من الخطوات الملحة التي يجب الإقدام عليها نظراً إلى الاستحقاقات الضرورية والكثيرة التي تترتّب علينا منذ آذار 2020 عندما تمّ إعلان التوقّف عن الدفع .
6-إصلاح قطاع الكهرباء في لبنان والحدّ من الخسائر التي تسجّل جرّاء القطاع وليس لدينا كهرباء. فهل يعقل في قطاع الكهرباء خسارة 3 مليارات دولار عبارة عن الفارق بين سعر المولدات (40 سنتاً) وسعر شركة الكهرباء (30 سنتاً).
فإذا أنتجت مؤسسة كهرباء لبنان 2000 ميغاواط بكلفة 20 أو 21 أو 22 أو حتى 23 سنتاً نوفر 3 مليارات دولار .
الصدمة الإيجابية الآنية
وفي ما يتعلق بالصدمة الإيجابية السريعة المرتقبة، قال راشد «رغم سلطات رئيس الجمهورية المحدودة فإنه يترتّب عليه أن يعيّن حاكماً لمصرف لبنان، والتحدّي يكمن في هوية الحاكم ومن سيختار للتمكّن من إعادة هيكلة مصرف لبنان». وهنا أشار راشد إلى أن «الرئيس ليس بالصلاحيات فقط وإنما بتصرّفاته وقوة شخصيته وكيفية فرض سلطته».
صندوق النقد الدولي
والإتفاق مع صندوق النقد الدولي لم يعد من ضمن التحدّيات التي علينا اجتيازها، وفي هذا السياق أكّد راشد أنه «لن يتم التوقيع على برنامج مع صندوق النقد الدولي. فالأخير ضمن برنامجه يريد شطب الودائع بأكملها الأمر المرفوض وغير المقبول فهذا التدبير يقلّل من احترام المودع والقضاء والدستور .
خطة الحكومة
وأجرى راشد بعض الملاحظات على التدابير التي قدّمتها الحكومة في السابق مثل خطة الحكومة التي تضمنت إنشاء صندوق لاسترداد الودائع، فاعتبر راشد أن «صناديق استرداد الودائع ضحك على الناس، إذ يتمّ إيداع أموال اللبنانيين في صندوق، من دون معرفة كيف ومتى تعود لأصحابها. فالدولة والحكومة تتعاطيان مع أزمة الودائع بالدولار لدى المصارف، بأسلوب مغاير للحل السليم، من خلال شطب معظمها (90%)، بتحويلها إلى صناديق استرداد للودائع وسندات سيادية من دون فوائد وقيمة فعلية، واعتبار بعضها استنسابياً ودائع غير شرعية وبعضها الآخر غير مؤهلة. إضافة إلى محاولة تحويل قسم منها إلى الليرة بسعر صرف منخفض الخ…). هذه الطروحات العفوية، رغم تحذير مجلس شورى الدولة من عدم شرعيتها، أفقدت الثقة والتوصل إلى حل مقبول للأزمة. ولم يلق معظمها قبولاً من صندوق النقد الدولي، كاقتراح إنشاء صندوق استرداد للودائع، كونه لا يخفّض الدين السيادي الذي يرغب صندوق النقد بتقليصه».
مصارف جديدة ؟
المصارف الجديدة بحسب راشد «لا يمكن أن تدخل إلى لبنان في ظلّ الفوضى القائمة حالياً في القطاع المصرفي». يجب تغيير القوانين وتعيين حاكم مصرف مركزي جديد وتنظيم دور المجلس المركزي ولجنة الرقابة على المصارف فتقوم الأخيرة بتنفيذ القرارات التي تتخذها وليس فقط اقتصار دورها على إعداد التقارير».
كل تلك النقاط الواردة آنفاً هي أولويات التحدّيات التي سيواجهها الرئيس الجديد والحكومة الجديدة، يرافقها ايضاً إصلاح أداء دوائر مرافق الدولة مثل المطار ومرفأ بيروت … التي لا تتطلب إصدار قوانين لوضعها على السكّة الصحيحة، حتى أن الكهرباء يمكن حلّ معضلتها من خلال الممارسات الصحيحة لها وعدم تجاوز القوانين المرعية الإجراء.
Priorities of the New Presidency: Deposits, Eurobonds, and Public Finance Reform
Beirut, January 15, 2025
After five long years of economic and financial crises that drained the savings of depositors and impoverished the middle class, Lebanon is witnessing a fresh start with the election of a new president and the designation of a prime minister within a short period. This shift has sparked hope for a new path toward economic recovery, with urgent issues needing resolution to restore Lebanon's economy to its rightful course.
Key Economic Challenges for the Upcoming Term
-
Addressing the Banking Sector and Deposits Crisis
The issue of frozen deposits remains a top priority for the new presidency. Many depositors are still struggling with their money being withheld for extended periods. The current method of gradual payouts through Circulars 158 and 166 is deemed unfair, as depositors with larger amounts are receiving the same monthly payouts as those with smaller savings, causing widespread discontent. -
Injecting Liquidity into Banks
A critical step to resolve the economic crisis is injecting liquidity into Lebanese banks. One proposed solution is to reduce the required reserve ratio on foreign assets held by banks. This would release approximately $9 billion in the first phase, helping to free up part of the frozen deposits. Additionally, part of Lebanon's gold reserves could be sold to further boost liquidity. -
Liberating the Lebanese Pound Exchange Rate
A significant issue for the Lebanese economy is the full liberation of the exchange rate of the Lebanese pound against the dollar. Ending the fixed exchange rate policy will help stabilize the currency and move away from the past policies that led to the collapse of the Lebanese pound. -
Public Finance Reform
Reforming Lebanon's public finances is essential. The country faces a major debt burden, with around $40 billion owed on Eurobond debt. Immediate action is needed to negotiate with creditors and find solutions to reduce the national debt. -
Reforming the Electricity Sector
The electricity sector in Lebanon is hemorrhaging over $3 billion annually due to inefficiencies. Reforming this sector by improving production efficiency and reducing the gap between the cost of electricity production and the selling price could save the country significant amounts of money.
The Immediate Positive Shock: A Step Toward Recovery
Despite the limited powers of the president, the appointment of a new governor for Banque du Liban is seen as a crucial step in reshaping the banking sector. The challenge lies in the individual selected for this position and how effectively they can handle the financial crisis.
IMF Position
According to economist Munir Rashid, it is unlikely that Lebanon will sign an agreement with the International Monetary Fund anytime soon due to disagreements over how to handle deposits. The IMF's proposal to write off most deposits is unacceptable to Lebanese depositors.
Government Plan and Its Challenges
The government’s plan includes the creation of a deposit recovery fund, but it faces significant challenges in implementing these solutions effectively, especially amid concerns about the timeline and methods for restoring depositor funds.
Legal and Administrative Reforms
Reforming the banking sector requires comprehensive legal changes, including the appointment of a new central bank governor and adjustments to the role of the banking oversight committee. Additionally, Lebanon needs to improve the performance of public institutions like the airport and port to accelerate the economic recovery process.
Translated by economyscopes team
المصدر: باتريسيا الجلاد – نداء الوطن