حتى لا نكرّر خطأ الخلط بين دورتَي المال والاقتصاد: لبنان يبحث عن اقتصاد مستدام
اقتصاد لبنان: تحديات وأزمات مستمرة بعد الحرب الأهلية
منذ نهاية الحرب الأهلية في لبنان، لم يتمكن الاقتصاد اللبناني من تحقيق الاستدامة. وفي ظل الأزمات المتعددة التي يعاني منها لبنان منذ سنوات، برز سؤال حيوي: كيف يمكن بناء نموذج اقتصادي جديد يكون قادرًا على امتصاص الصدمات الداخلية والخارجية؟ فالنموذج الاقتصادي الذي كان قائمًا على الاستدانة من الخارج وتشجيع الهجرة من أجل تحفيز التحويلات المالية، قد أظهر عجزًا واضحًا في مواجهة التحديات المستمرة.
ولكن هل يمكن للبنان أن يبني نموذجًا اقتصاديًا يدعمه النمو المستدام طويل الأجل في ظل الظروف الجيوسياسية المتقلبة؟ وهل هناك سبيل للخروج من هذه الحلقة المفرغة من الاستدانة المفرطة والتخبط الاقتصادي؟
النموذج الاقتصادي غير المستدام: الأسباب والنتائج
كان الاقتصاد اللبناني ما بعد الحرب يعتمد بشكل رئيسي على الاستدانة الخارجية والتحويلات المالية من اللبنانيين في الخارج. هذا النموذج، الذي ركز على الاستهلاك المستورد بدلًا من الإنتاج المحلي، قد أفضى إلى فجوة اقتصادية كبيرة بين الأموال المتدفقة إلى البلد والأموال التي تخرج منه. فالتثبيت غير المدروس لسعر الصرف كان يُظهر قدرة شرائية أعلى من الواقع لليرة اللبنانية، مما أدى إلى تضخم القدرة الشرائية للمواطنين وتوسع الفجوة بين الدورة المالية والدورة الاقتصادية.
كما كانت القروض الاستهلاكية التي انتشرت في السوق اللبناني بسبب تدفق الأموال من الخارج موجهة بشكل أساسي لشراء السلع الاستهلاكية المستوردة مثل السيارات، بالإضافة إلى مضاربات في سوق العقارات. هذا النوع من الاقتصاد لا يعتمد على الإنتاج المحلي، بل على الاستدانة وتوزيع الأموال في الاقتصاد بشكل غير مستدام.
فصل الدورة المالية عن الدورة الاقتصادية: ضرورة التفرقة
في حديثه عن هذا النموذج، يؤكد عبد الحليم فضل الله، رئيس المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق، أن فشل الاستدامة الاقتصادية يعود إلى أن الدولة اعتمدت على الاستدانة من دون زيادة الإيرادات الضريبية. فالاقتصاد اللبناني كان يعاني من عجز مزمن في الحساب الخارجي بسبب الخلط بين الدورة المالية والدورة الاقتصادية.
الـ دورة المالية تتعلق بتدفق رؤوس الأموال على شكل ودائع في القطاع المصرفي، بينما الدورة الاقتصادية ترتكز على الإنتاج المحلي الذي يخلق سلعًا وخدمات يمكن استهلاكها محليًا أو تصديرها للخارج. وللأسف، هذه الدورة المالية تم استخدامها بشكل اصطناعي لتضخيم القدرة الشرائية ورفع قيمة الأصول بشكل غير حقيقي.
التحويلات المالية: أداة لتدعيم الاقتصاد ولكن بحذر
من جهة أخرى، يرى فضل الله أن التحويلات المالية التي يرسلها المغتربون اللبنانيون إلى وطنهم يمكن أن تُعد بمثابة إنتاج حقيقي، لأن هذه الأموال هي نتاج أعمال وأجور اللبنانيين في الخارج. ولذلك يمكن اعتبار هذه الأموال جزءًا من الاقتصاد المحلي دون المخاطرة بتضخيم قيمتها أو التسبب في فجوة في الحساب الخارجي. لكن، التحويلات نفسها لا تكفي وحدها لتحقيق نمو اقتصادي مستدام ما لم يتم تحويلها إلى استثمارات محلية تخلق قيمة مضافة وتحفز الاقتصاد الحقيقي.
خطوات نحو اقتصاد مستدام: ما هي الحلول؟
الاقتصاد اللبناني بحاجة ماسة إلى إعادة هيكلة تشمل:
- إعادة هيكلة القطاع المصرفي: لضمان عودة الثقة إلى النظام المصرفي.
- تعزيز الإنتاج المحلي: بدلاً من التركيز على الاستهلاك المستورد.
- زيادة الإيرادات الضريبية: لتخفيف الاعتماد على الديون الخارجية.
- تشجيع الاستثمارات الحقيقية: بدلًا من المضاربات العقارية والاستهلاك المفرط.
الهدف يجب أن يكون بناء اقتصاد مستدام قادر على التأقلم مع التحديات الاقتصادية والإقليمية دون الاعتماد على الدورة المالية فقط.
Lebanon's Struggle for a Sustainable Economy: Separating Finance from Economics
Lebanon's Post-Civil War Economy: A History of Instability
Since the end of the Lebanese Civil War, the Lebanese economy has struggled to achieve sustainability. The country’s reliance on foreign borrowing and remittances from expatriates has led to deep economic challenges. Lebanon's model, based on foreign debt, consumption of imported goods, and reliance on political rents, has proven to be unstable and unsustainable.
But what would it take for Lebanon to build a new economic model capable of absorbing both internal and external shocks? How can the country shift towards long-term sustainable growth within the unpredictable geopolitical framework it operates in?
The Unsustainable Economic Model: Causes and Consequences
Post-war Lebanon's economy was built on external borrowing and the encouragement of migration to attract remittances. However, this model, which favored imported consumption over local production, led to a growing economic gap between inflows and outflows of foreign currency. The artificially pegged exchange rate inflated the purchasing power of Lebanese consumers, contributing to a debt spiral.
Additionally, consumer loans granted to citizens, fueled by foreign money inflows, were often used to purchase imported goods like cars or to speculate in the real estate market. This model promoted unsustainable debt and consumption rather than real economic growth.
Separating Financial Cycle from Economic Cycle: A Necessary Distinction
Abdul Halim Fadlallah, head of the Advisory Center for Studies and Documentation, argues that the failure of the Lebanese economic model stemmed from the reliance on borrowing without increasing tax revenues. The Lebanese economy has suffered from a persistent external account deficit, caused by the confusion between the financial cycle and the economic cycle.
The financial cycle refers to the movement of capital through the banking system, while the economic cycle is based on local production of goods and services that can be consumed domestically or exported. This artificial mixing of the two cycles led to a distorted economy, with inflated purchasing power and asset prices.
Remittances: A Sustainable Source of Economic Support, But With Caution
Fadlallah believes that remittances from Lebanese expatriates, while considered a form of real production, are often mistakenly viewed as part of the financial cycle. These remittances, unlike loans or deposits, represent actual earned income abroad and can be used sustainably in the local economy. However, relying solely on remittances for economic growth without converting them into real investments risks creating a consumption-driven economy.
Steps Toward a Sustainable Economy: What Needs to Be Done?
Lebanon’s economy needs a structural overhaul, including:
- Reforming the banking sector: To restore confidence in the banking system.
- Boosting local production: Rather than depending on imported consumption.
- Increasing tax revenues: To reduce dependence on foreign debt.
- Encouraging real investment: Instead of speculative real estate and consumer loans.
The goal should be to create an economy that is resilient and capable of thriving without relying on financial cycles alone.
Translated by economyscopes team
المصدر: ماهر سلامة – الأخبار