في وقت تتعالى الأصوات من كلّ حدب وصوب لدعم الصناعة والزراعة، كركيزتين أساسيتين في طريق التحوّل من اقتصاد ريعي إلى منتج، سُرّب اقتراح يُلزم المُصدِّرين سواء كانوا صناعيين أو زراعيين أو وسطاء تجاريين، بـتحويل أموال صادراتهم إلى المصارف اللبنانية “في مهلة أقصاها 45 يوماً من تاريخ التصدير” تحت طائلة تجميد رقم المصدّر الضريبي، ومنعه من تسجيل أيّ بيان استيراد وتصدير قبل إتمام تعهده بتحويل المبلغ المطلوب إلى لبنان، أو إدخال ما يعادله من Fresh money إلى المصارف اللبنانية. في وقت يفرض العديد من المصارف شروطاً على سحب الـfresh money.
ضرب الصناعة؟
الإقتراح أو القرار المسرّب لا يمتّ للنظام الإقتصادي الحر بصلة، وينحو بلبنان نحو الأنظمة الموجّهة. كان قد وصل إلى جمعية الصناعيين من وزارة الصناعة لإبداء الرأي، فرفضته رفضًا قاطعًا، لا بل رأت فيه ضربًا للقطاع الصناعي أسوة بمخطط ضرب باقي القطاعات، وفق توصيف نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش في حديث خاص لـ”لبنان 24″. هي محاولة لفرض القيود المصرفية غير القانونية على المصدّرين “قيل لنا إنّ أحد الوزراء وأحد نواب حاكم مصرف لبنان قاما بخياطة هذا الإقتراح، ونرفضه لأسباب عديدة، فهو غير قانوني، بغياب نصّ قانوني يلزم الصناعي بتحويل عائدات صادراته إلى المصارف، كما أنّه غير دستوري كونه يتعارض مع النظام الإقتصادي الحر، بالتالي عملية القرصنة التي يفتعلونها ليست قانونية ولا دستورية”.
بكداش ينفي مقولة إنّ الصناعيين يبقون أموالهم في الخارج “اتصلت شخصيًّا بجمعية المصارف وقسم الإحصاءات في مصرف لبنان، وطلبت أرقامًا تظهر قيمة أموال المصدّرين التي تدخل إلى المصارف، فأكدا أن لا احصاءات لدى أيّ منهما بذلك، بالتالي كيف يُتهم الصناعيون بترك أموالهم في الخارج إذا كان المعنيّون لا يملكون المعلومات. وفي مثال يظهر بطلان الإدعاء، أيّ صناعي يصدّر بقيمة 100 ألف دولار إلى الخارج، هناك 60 ألف دولار بدل مصاريف تشغيلية، أي بدل رواتب موظفين ومدقّقي حسابات ومحامين وفيول وبنزين وتصليح سيارت وماكينات، فضلًا عن كلف التوضيب الذي بات يحصل في لبنان ويتم دفعه الـfresh money، وبالتالي قيمة الـ 60% هي فعليًّا في لبنان، والـ 40% المتبقيّة، يقوم العديد من الصناعيين بتحويلها كاملة إلى لبنان، وهناك صناعيون يبقونها في الخارج، من ضمن هذه القيمة، هناك ما يقارب الـ 30 ألف دولار ثمن مواد أوليّة تدفع للمورّدين. في السابق كنّا نحوّل هذه القيمة إلى لبنان، لكن أموالنا في المصارف تحت مسمّى اللولار طارت، هناك قيود على السحوبات بالليرة بالنسبة للأفراد، وبالنسبة للشركات تُحوّل الشيكات بالليرة من حساب إلى آخر، بالتالي الأموال باللبناني طارت وبالدولار كذلك، ولم يتبقَ لنا سوىfresh money والصناعي حر بخيار وضعها في المصارف اللبنانية من عدمه”.
أضاف بكداش ” قلنّا لهم شرّعوا أيّ إطار قانوني سواء كابيتال كونترول أو غيره يضمن للمودع أكان صناعيًا أم لا، أن يحصل على أمواله التي يودعها fresh money حتى لو أفلس المصرف، ولا جواب”.
قرار خنفشاري!
تمكّن القطاع الصناعي منذ بداية الأزمة من تطوير ذاته ومواكبة جائحة كورونا وإنتاج كمامات ومعقمات وأدوية وأجهزة، واستطاعت الصناعة المحليّة من سدّ عجز فاتورة الإستيراد، وخلق فرص عمل على رغم الإهمال المزمن لهذا القطاع وفق بكداش ” هذا القرار الخنفشاري يزيدني قناعة بأنّهم يريدون ضرب الصناعة أسوة بما فعلوه بالقطاعات السياحية والتربوية والإستشفائية. يقولون بأّنهم يريدون تحويل الإقتصاد من ريعي إلى منتج، نحن لا نحصل منهم على دعم، إذن لماذا يريدون أموالنا؟ فليدعونا نعمل وننتج، أمّا هم فليوقفوا التهريب والتهرب، وليأتوا بالأموال إلى البلد”.
ختم بكاش بالتأكيد أنّ الصناعة باقية “والإنتاج سيرتفع، وعمّالنا باقون، ونحن في جمعية الصناعيين فتحنا باب التوظيف لنخلق رابطًا بين العمال والصناعيين، وسنحافظ على التصدير ورفع حجمه، ونسأل هم ماذا فعلوا كمسؤولين؟”.
البواب: لترك الحرية للمصدّرين
الإقتراح لا يتعارض فقط مع حرية نقل الأموال التي يكفلها القانون في لبنان، بل يتجاهل واضعوه أنّ الثقة بالقطاع المصرفي معدومة “نحن في اقتصاد حر لا يستقيم معه السؤال حول إلى أين تذهب أموال هذا المُصدّر أو ذاك “يقول الخبير الإقتصادي الدكتور باسم البواب في حديث لـ “لبنان 24”. برأيه يجب ترك العوامل الإقتصادية تحدّد قيمة الأموال التي ستُحوّل إلى الداخل “وبنهاية المطاف سيعمد المصنع إلى إدخال أمواله إللى البلد، خصوصًا أنّ الواقع اليوم وتفلت سعر الصرف جعل العديد من العناصر التي تحتاجها الصناعة متدنية الكلفة، كاليد العاملة والكهرباء والمواد الأولية والمزروعات، هذا واقع كفيل وحده بتشجيع الصناعيين على إدخال أموالهم واستثمارها في القطاع الصناعي، ويجب ترك الحرية للصناعيين باختيار تحويل أموال التصدير إلى الداخل أو تركها في المصارف الخارجية.
أضاف البواب “دعوا الصناعيين يطوّرون أعمالهم ومصانعهم ويرفعون قيمة إنتاجهم ويصدرون أكثر، عندها تدخل الأموال تلقائيًّا إلى البلد، وما يحصل ليس طبيعيًا”.
عن استفادة الصناعة من المواد المدعومة يوضح البواب، أنّ هذه المواد تشكّل جزءًا ضيئلًا من المواد الأولية التي تدخل في الصناعات “على سبيل المثال قد يستفيد مصنع عصير من السكر المدعوم، من أصل كافة العناصر غير المدعومة كالعبوة والأغطية البلاستيكية والماكينات، وغيرها العديد من المواد التي تؤمن بالدولار وفق سعره في السوق الموازية”.
هي حالة تخبّط وقرارات عشوائية، يتناسى معها المعنيون أنّ إدخال الدولار إلى البلد لا يكون بقوّة القرارات والتعاميم، بل بإعادة الثقة المفقودة بالمصارف، والمدخل لبناء الثقة يبدأ بهيكلة القطاع المصرفي وإصلاحه وتطمين المودعين حيال مصير ودائعهم.
المصدر: خاص “لبنان 24”