يلفت الخبير الاقتصادي الدكتور عماد عكوش الى أنّ طباعة العملة أتت كنتيجة وليست سبباً. ففي ظل انعدام الثقة بالقطاع المصرفي، يعمد المودعون الى سحب ما يمكنهم من أموال، وبالتالي فإنّ مصرف لبنان ملزم بتلبية هذه الحاجات. ويوضح عكوش أنّ كمية الليرات قدرت بـ5 آلاف مليار ليرة قبل الأزمة، فيما وصلت اليوم الى حدود الـ37 الف مليار ليرة، وذلك نتيجة الطلب الكبير عليها من قبل أصحاب الودائع، كما أن ارتفاع سعر صرف الدولار ساهم في زيادة الكمية، أضف الى عامل العجز بالموازنة والذي فاقمته الأزمتان الاقتصادية والصحية.
طباعة “الليرات” اللبنانية بين تأمين الحاجات وتجاوز القانون
ويشدّد عكوش على أنّ مصرف لبنان ولكي يلبّي حاجات الدولة سواء من ناحية الرواتب أو السلفات التي يعطيها، ألزم بطباعة الليرات. برأي عكوش، فإنّ مصرف لبنان ملزم بتلبية طلبات المصارف لناحية سحب الودائع أو طلبات الحكومة لناحية دفع الرواتب ومستحقات الدولة. الأخيرة لديها عجز كبير في الموازنة اذ لا يوجد توزان بين النفقات والإيرادات ما يضطر مصرف لبنان لتغطية هذا العجز عبر طبع الليرات.
الحل الوحيد بمعالجة القطاع المصرفي
ويرى عكوش أنّ الحل الوحيد لوقف طبع الليرات، يكون عبر معالجة القطاع المصرفي لإعادة الثقة به. وعليه، كي يوقف مصرف لبنان طباعة الليرات يجب أن نستعيد الثقة بالقطاع المصرفي ليستعيد الكتلة النقدية الموجودة بأيدي الناس. عندها تعود هذه الكتلة الى المصارف ويعود جزء أساسي منها الى مصرف لبنان. وعندما يكون لدى مصرف لبنان هذه السيولة لا يضطر لطباعة الليرة بل يستخدم هذه الكتلة الموجودة بين يديه.
ويضيف عكوش: “مضطرون أن نكمل بطباعة الليرة طالما أنّ المصارف لا تقوم بوظيفتها”. وفي المقابل، يشدّد المتحدّث على ضرورة إقرار القوانين والخطط التي من المفترض أن تستعيد الثقة بالاقتصاد وعلى رأسها قانون “الكابيتال كونترول” والخطة الاقتصادية وإعادة هيكلة المصارف. وهنا يطرح عكوش إمكانية اعتماد العملات الرقمية التي تكون على شكل بطاقة اذا ما تم اقرار “الكابيتال كونترول”. برأيه، يخفف هذا الأمر من طباعة العملة، اذ يصبح بإمكان أصحاب الودائع سحب جزء من ودائعهم “كاش” وجزء آخر يستخدمونه من خلال البطاقة لشراء الحاجيات. وهنا يحذّر عكوش، ففي حال لم تقر هذه الخطط والقوانين ولم يتخذ قرار جريء بتفعيل هذه القوانين والخطط فنحن ذاهبون بصراحة نحو المزيد من الطبع الذي لا مهرب منه.
مصرف لبنان من المفترض أن يكون الضابط الأساسي لسعر الصرف
وفي معرض حديثه، لا يخفي عكوش التداعيات السلبية لطباعة العملة، فعندما تزيد الكتلة النقدية لأي عملة وطنية تنخفض قيمتها ويزداد التضخم ما يسهم في ارتفاع سعر صرف الدولار نتيجة زيادة الكمية المعروضة والمضاربة، خاصة أن مصرف لبنان لا يتدخل بهذا الموضوع، ونحن نرى “التذبذبات” الكبيرة في سعر الصرف نتيجة أن مصرف لبنان الذي من المفترض أن يكون الضابط الأساسي في هذا الموضوع لا يتدخل تاركاً السوق تعمل بمفردها.
وفي الختام، يوضح عكوش أنّ العوامل المساعدة لاستقرار سعر الصرف باتت معروفة والمطلوب اتخاذ قرار جريء في هذا الموضوع، فطالما أن القوى السياسية لا تتخذ القرار فإن الوضع سيبقى على حاله.