وسط ما يعانيه من أزمات اقتصادية حادة، وارتفاع معدلات البطالة، لا تزال الفجوة في العمل بين الرجال والنساء تتفاقم في الأردن، وسط أعداد كبيرة من العاطلات عن العمل، لا سيما في ظل استمرار جائحة كورونا وتأثيراتها على سوق العمل.
أظهر مسح العمالة والبطالة لعام 2020 الصادر عن دائرة الإحصاءات العامة بأن 402 ألف أردني وأردنية عاطلين عن العمل، بينهم 110 آلاف أردنية، كما أظهر بأن النسبة الأكبر من العاطلين عن العمل الأردنيين تجاوزت مدة تعطلهم سنة وأكثر، فحوالي 120 ألف عاطل عن العمل (منهم 35 ألف امرأة عاطلة عن العمل) تراوحت مدة تعطلهم ما بين 12-23 شهراً، و73 آلاف آخرين (منهم 30 ألف امرأة) تجاوزت مدة تعطلهم 24 شهراً.
يقول المراقبون إن “الفجوة بين الرجال والنساء والتمييز في العمل أدى إلى انخفاض نسب المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية، وزيادة معدلات البطالة”، مطالبين بتدخلات حكومية لإصلاح المنظومة التشريعية التي فاقمت هذه الأزمة.
زيادة البطالة
تشير جمعية معهد تضامن النساء الأردني “تضامن” إلى أن نسب البطالة في الأردن للربع الرابع من عام 2020 شهدت انخفاضاً طفيفاً (0.8%) على معدل البطالة بين الإناث ليصل إلى 32.8% (22.6% للذكور و24.7% لكلا الجنسين)، مقارنة مع الربع الثالث من عام 2020 البالغ 33.6% للإناث (21.2% للذكور و23.9% لكلا الجنسين)، وبلغت نسبة قوة العمل بين النساء الأردنيات 13.7% خلال الربع الرابع من عام 2020 مقابل 14.9% خلال الربع الثالث من عام 2020 وشكلت تراجعاً بمقدار 1.2%.
وتشير “تضامن” إلى أن عدد السكان المقدر في الأردن بنهاية عام 2020 بلغ 10.806 مليون نسمة منهم 5.084 مليون أنثى و5.722 مليون ذكر. فيما وصل عدد الإناث في الأردن اللاتي أعمارهن 15 عاماً فأكثر 3.276 مليون نسمة. وبناءً على ذلك فإن قوة العمل من النساء (النشيطات اقتصادياً) تبلغ 448812 امرأة تعاني 147210 نساء منهن من البطالة، فيما انسحبت من سوق العمل خلال الربع الرابع من عام 2020 حوالي 39312 امرأة (أصبحن غير نشيطات اقتصادياً).
وتابعت: “كان للظروف الصعبة التي نشأت ولا تزال بسبب جائحة كورونا التي إجتاحت العالم منذ بداية 2020، آثار سلبية كبيرة على العاملين والعاملات بشكل عام وعلى العاملين والعاملات في القطاع غير المنظم وعمال وعاملات المياومة بشكل خاص، كما أثرت على العديد من الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، مما أدى إلى فقدان الوظائف وتعطل النشاط الاقتصادي كلياً أو جزئياً بسبب الإجراءات الاحترازية التي اتخذها الأردن وبدأ في تخفيفها تدريجياً”.
وأكدت كلثم مريش، عضو الهيئة الإدارية في جميعة معهد تضامن النساء الأردني (تضامن)، ورئيسة الاتحاد النسائي العاصمة الأردن، أن مسح العمالة والبطالة الصادر لعام 2020، أكد أن هناك هناك 2 مليون امرأة عاملة من ضمن 5 ملايين عامل في الأردن، بنسبة تخطت الـ 49%.
وبحسب حديثها لـ “سبوتنيك”، اعتبرت مريش أن هناك حاجة ماسة لتدخل حكومي لحماية النساء العاملات، وخفض معدلات البطالة بينهم، تتمثل في ضرورة إجراء تعديلات وإصلاحات تشريعية للقوانين التي تميز بين الرجال والنساء في العمل.
واعتبرت أن هناك ضرورة ملحة للاستثمار في قطاع الرعاية الذي يحرر بدوره وقت المرأة للعمل، ويستحدث فرص عمل جديدة للأردنين، من بينهم الأردنيات، وكذلك ضرورة تحسين وسائل النقل العام من حيث الجودة والكفاءة والكلفة.
وأشارت إلى أن المرأة الأردنية بحاجة إلى الشمول المالي، بمعنى توسيع قاعدة النسائ اللاتي يمتلكن حسابات بنكية ومحافظ إلكترونية تمكنهن من الوصول للخدمات الحكومية بسهولة، معتبرة أن هناك تمييزًا رقميًا ضد المرأة، وفجوة رقمية كبيرة، حيث يتقن الرجال التعامل مع التكنولوجيا الرقمية على عكس المرأة.
انخفاض المشاركة الاقتصادية
بدوره اعتبر حمادة أبونجمة، رئيس بيت العمال الأردني، والخبير الدولي في قضايا العمال، أن رغم الجهود الوطنية المبذولة على المستويات التشريعية والتنفيذية لغايات دمج المرأة في الحياة الاقتصادية، إلا أن هذه الجهود ما زالت غير قادرة من حيث الكم والنوع على إحداث فارق كبير، جراء عدم وجود سياسات كفيلة بمعالجة التحديات التي تقف حائلا أمام دخول المرأة سوق العمل بفعالية، وتأصيل العلاقة بين القطاعين العام والخاص بما يسهم في تحسين ظروف عمل المرأة وينعكس بالتالي على زيادة نسبة مشاركتها الاقتصادية.
ارتفعت إلى 23%… لماذا يفشل الأردن في مواجهة ظاهرة البطالة؟
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، يعد انسحاب المرأة من سوق العمل خلال الجائحة وقبلها سببا رئيسيا في تفاقم مشكلة البطالة بين النساء خلال الجائحة، حيث لعبت التقاليد الاجتماعية ونظرة بعض أفراد المجتمع إلى عمل المرأة دورا كبيرا في زيادة حالات فقدان وظيفتها والحد من فرصها للعودة إلى سوق العمل، خاصة النظرة إلى أن عمل المرأة يجب أن ينحصر في أعمال تقليدية “مقبولة اجتماعيا”، وأن عملها مكمل من الناحية الإقتصادية لدخل الأسرة الذي يوفره عمل الزوج أو الأب، وهي نفس العوامل التي كانت دوما تنعكس سلبا على فرص العمل التي تتوفر لها من حيث الكم والنوع، وعلى فرص تقدمها الوظيفي وترقيها.
وتابع: “إضافة إلى عدم توفر متطلبات بيئة عمل صديقة للمرأة العاملة، والكلف المترتبة على أصحاب العمل لتوفير التسهيلات اللازمة لعمل المرأة، التي تشكل أهم الصعوبات التي تواجه المرأة في العمل والاستقرار فيه، وتقف عائقا أمام التحاقها بسوق العمل، ومن ذلك مشكلة عدم توفر المواصلات اللائقة والمنتظمة، والمرافق والخدمات الخاصة بالمرأة في مواقع العمل، والحضانات لأطفال العاملات، ناهيك عن انخفاض الأجور، والفجوة في الأجور بين الذكور والإناث”.
ويرى أبونجمة أن انخفاض نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة الأردنية، يستوجب بالضرورة العمل بجد لتجسير الفجوة الجندرية في سوق العمل الأردني، بالنظر إلى حجم الخسائر الباهظة التي يتكبدها الاقتصاد الوطني جراء تعطيل هذه القوى القادرة على إحداث فارق كبير في الناتج المحلي الإجمالي، حال استطعنا بناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص لغايات دمج المرأة في سوق العمل وإزالة العوائق التي تحول دون ذلك، في وقت ما زالت معدلات البطالة للجنسين في ارتفاع مستمر منذ عام 2016، وما زالت نسبة النساء المشتركات إلزامياً في الضمان الاجتماعي منخفضة ولا تتجاوز (29%) من إجمالي الأردنيين المشتركين إلزامياً.
البطالة في الأردن… أزمة مستعصية تبحث عن حل
وبشأن التدخلات المطلوبة، ذكر الخبير الدولي في قضايا العمال، ضرورة تفعيل التشاور الحكومي مع المنظمات الممثلة للقطاع الخاص لوضع برامج خاصة لمعالجة آثار الجائحة على عمل المرأة، وتعزيز دور الأدوات المتاحة لذلك وبشكل خاص اللجنة الثلاثية لشؤون العمل، لتوفير متطلبات تعزيز وضع المرأة في سوق العمل، وتوسيع الخيارات المهنية للمرأة، واكسابها المهارات والتدريب اللازم، ورفع وعيها بفرص العمل المتاحة، وسياسات الأمان والحماية الاجتماعية، ونشر الوعي بحقوق المرأة العاملة لدى أصحاب العمل.
وكذلك ضرورة الاهتمام بشروط صحة وسلامة المرأة العاملة، والحماية من العنف والتحرش في عالم العمل، والمساواة بين الجنسين، وقضايا تكافؤ الفرص في إجراءات التعيين والترقية والتدريب، وضمان آليات ميسرة لتطبيق أشكال العمل المرن، وتوفير الحماية الإجتماعية للعمل المنزلي والعمل عن بعد (الإشتراك في الضمان الإجتماعي، تراخيص العمل، تطوير قانون العمل)، إضافة إلى تطوير آليات وصول المرأة العاملة لتقديم الشكوى حول المخالفات المرتكبة لحقوقها، ومن ذلك خطوط الإتصال المجانية، والتطبيقات الإلكترونية، وتفعيل نظام التفتيش المحوسب.
وفي نفس الوقت – والكلام لا يزال على لسان أبونجمة- يجب الأخذ بعين الاعتبار احتياجات المرأة بشكل عام في السياسات والبرامج الحكومية للتكيف والتعافي من الجائحة، وتوسيع مظلة الحماية الاجتماعية من خلال تخفيض أو دعم إشتراك غير المشتركات في الضمان الاجتماعي وشمولهن بالتأمين الصحي، ودعم الأم العاملة التي لديها أطفال في سن المدرسة والحضانة من خلال تطوير وتطبيق مبادىء العمل اللائق ومنها سياسات العمل المرن وضمان الحمايات في الأجر والضمان الاجتماعي.
وأكد التقرير العالمي لمؤشر الفجوة بين الجنسين للعام 2019 والصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والذي يقيم 153 دولة حول العالم من حيث التقدم الذي أحرزته نحو تحقيق المساواة بين الجنسين ضمن أربعة محاور، على أن الأردن لا زال يقبع في ذيل الترتيب العالمي، حيث احتل المركز 138 من بين 153 دولة، فيما احتل المركز 8 من بين 16 دولة عربية.
المصدر: سبوتنيك