كتبت كلير في “نداء الوطن” :
قد لا يكون من الضروري التدقيق كثيراً في خبايا المستندات والعروض التي تقدمت لمناقصة تلزيم شراء كمية 480 ألف طنّ متري من مادة الفيول اويل (A) لزوم مؤسسة كهرباء لبنان، والتي انتهت بعد فضّ العروض، إلى عدم السير بالتلزيم، بسبب الوضع الاقتصادي- المالي الصعب الذي يجعل من الاستحالة على أي شركة محلية تأمين ضمان جدية العرض، نظراً لـ”الافلاس” غير المعلن الذي تعانيه المصارف المحلية، وخشية المصارف الأجنبية من خوض هذا الغمار… ذلك لأنّ هذه النتيجة كانت شبه متوقعة، والأرجح أنّها ستتكرر اليوم بعد فضّ عروض مناقصة الفيول اويل (B)، على اعتبار أنّه من المرجح أن تكون الشركات السبع التي تقدمت للمناقصة الأولى هي نفسها التي تقدمت للثانية.
في التفاصيل يتبيّن أنّ لجنة المناقصات خلصت في تقريرها بعد فضّ العروض إلى أنّه “نظراً لبقاء عارض وحيد، وسنداً للرأي الاستشاري رقم 11 تاريخ 14/3/1979، الصادر عن جانب ديوان المحاسبة والمتضمّن عدم الأخذ بالعرض الوحيد، قررت عدم السير بالتلزيم وإعادة كامل الملف إلى إدارة المناقصات لاتخاذ الإجراء المناسب بهذا الشأن”.
ويظهر أنّ ستة عارضين رفضت عروضهم لعدم تقديم ضمان جدية العرض (بلغت قيمة التأمين بعد تخفيضها، مليون دولار)، وهذا ما حصل مع Coral Energy DMCC وElinoil Hellenic petroleum company SA، كذلك رفض عرض شركة Petrokim Trading Middle East and Asia DMCC وEverest Energy DMCC وOil Eurasia Ltd لتقديم بيان يظهر أنّ حجم الأعمال التي تمّت المتاجرة بها ضمن فترة 12 شهراً يساوي أقل من 2 مليون طنّ. كما رفض عرض شركة Tintrade Ltd لتقديمه شهادة تسجيل لدى السجل التجاري لا تتضمن ضمن بياناته أنّ العارض يتعاطى تجارة المشتقات النفطية.
أما العرض الوحيد الذي تمّ قبوله فيعود لشركة Vitol Bahrain E.C.
سيرة الدفتر
تجدر الإشارة، إلى أنّه في التاسع من شهر تشرين الأول الماضي، أودعت وزارة الطاقة إدارة المناقصات، مشاريع دفاتر شروط لمناقصات عمومية لشراء كميّة من كل من المادتين الغاز أويل والفيول أويل من النوعين (A) و(B)، وذلك انفاذاً لقرار مجلس الوزراء رقم 4 تاريخ الثاني من تموز الفائت.
لكن رواية دفتر شروط هذه المناقصة، لم تكتب منذ أشهر فقط، وإنما تعود إلى الثاني من تشرين الثاني 2017 وتحديداً مع صدور قرار مجلس الوزراء القاضي بإجراء مناقصة لشراء كمية محددة من الفيول هي عبارة عن الفارق بين الحدّ الأدنى الذي ينصّ عليه العقد مع “سوناطراك” وبين حاجات مؤسسة كهرباء لبنان.
وبالفعل، يذكر النائب سيزار أبي خليل في مؤتمر صحافي عقده في أيار الفائت أي منذ نحو عام، أنّ الوزارة “توجهت لإجراء المناقصة في العام 2018 إلى إدارة المناقصات التي لم تجرها ايضاً، وبدأت بعدها فترة تصريف الأعمال التي دامت 9 أشهر. ثم أتت الوزيرة ندى البستاني بعدي وحاولت أيضاً إجراء المناقصة في إدارة المناقصات وكانت تواجه بالحجج نفسها: عدم الورود على الجدول السنوي، أو عدم التوازن المالي… وللمفارقة إنه متوفر للعقود”.
بدورها، أعادت المديرية العامة للنفط التأكيد أنّها أودعت الادارة المعنية لدى ادارة المناقصات، مشاريع دفاتر الشروط بصيغتها الكاملة للاطلاع عليها وابداء ملاحظاتها الادارية، بتاريخ 10/10/2018، أي بعد حوالى سنة على صدور قرار مجلس الوزراء.
وبعد الاطلاع على المراسلات الحاصلة بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات، يتبيّن أن الثانية أعادت الدفتر المرسل إليها بعد إبداء الملاحظات في 29 كانون الثاني 2019، لتغيب الإدارة المعنية عن السمع، إلى حين أودعت الوزارة من جديد نسخة معدّلة عن الدفتر، كانت مجرد نسخة مطابقة أضيفت إليها بعض مساحيق التجميل… لتغيب من بعدها عن السمع.
الوزير الحالي في حكومة تصريف الأعمال ريمون غجر وجّه كتابه الأول إلى إدارة المناقصات في 9 تشرين الأول الفائت وقد أخذ، للمرة الأولى، بملاحظات الخبير الأوروبي التي سبق لإدارة المناقصات أن سجلتها على الدفتر. واستمرّ الأخذ والرد والنقاش والسجال بين وزارة الطاقة وإدارة المناقصات، كانت آخر فصوله حول طبيعة وهوية العارضين الذين يحق لهم المشاركة، إلى أن تمكّن الطرفان من الاتفاق على دفتر الشروط، وأعلنت إدارة المناقصات عن المناقصة في شباط الماضي، وذلك بعد تضمينه رزمة ضوابط رقابية تهدف إلى حماية الخزينة العامة ومنع التلاعب بالفيول. لكن حسابات الورقة والقلم، لم تتطابق كثيراً مع حسابات الواقع المأسوي.
يبقى السؤال: ماذا بعد ردّ الملف إلى إدارة المناقصات؟
تقول مصادر إدارة المناقصات إنّها ستبدأ اليوم في إعادة درس الملفات المقدمة والتدقيق في مدى مطابقتها مع دفتر شروط ليبنى على الشيء مقتضاه، اذ من الضروري معرفة أسباب فشل المناقصة وأخذ العبر، حيث ترجح المعلومات، في ما لو أتت نتيجة مناقصة اليوم مطابقة لنتائج المناقصة الأولى، عدم إطلاقها من جديد بالشروط ذاتها، لأنّ ذلك يعني بلوغ النتيجة ذاتها، وبالتالي تحليل الإتفاق الرضائي بموجب المادة 147 من قانون المحاسبة العمومية، التي تسمح للإدارة بإجراء المناقصة بالتراضي، اذ تقول هذه المادة في فقرتها الثامنة إنّه “يمكن عقد الاتفاقات بالتراضي مهما كانت قيمة الصفقة، اذا كانت تتعلق بمناقصتين متتاليتين، من دون أن تسفر هذه العملية عن نتيجة ايجابية”.
ولذا فإنّ الاعتقاد السائد في إدارة المناقصات، أنه في حال كانت نتيجة مناقصة الفيول (B) فاشلة، فلن تعيد اطلاق المناقصتين إلا بعد تكييف الشروط مع الوضع الاقتصادي والمالي الواقع في البلد، أي بمزيد من المرونة المالية.