تكتسب المعلومة قيمتها في الأسواق المالية من عدم شيوعها في السوق، فمتى عُرِفت، انعدمت قيمتها؟
فالكل يعلم أن الاقتصاد الأمريكي يزداد قوة، والتطعيمات تجلب دفعة جديدة من الانتعاش، والتضخم يتسارع، وعائدات السندات تتجه نحو الأعلى، وسياسة نقدية أكثر تشدداً للاحتياطي الفيدرالي تنتظرنا.
ولكن في أواخر الأسبوع الماضي، كانت البيانات الاقتصادية تظهر أرقاماً واضحة لطفرة غير عادية، مع ارتفاع ضخم بنسبة 9.8% في مبيعات التجزئة لشهر مارس، حيث تشير البيانات، أنه تم إنفاق مدفوعات التحفيز. ومن الواضح أن قيمة العقارات قد ارتفعت، وانتعش قطاع الإسكان للمنازل قيد الإنشاء بنسبة 19.4% عن مستويات فبراير. وانخفضت الطلبات الجديدة للحصول على إعانات البطالة إلى أقل من 600 ألف في الأسبوع الأخير، وهو أدنى مستوى منذ مارس الماضي. وكان التضخم واضحاً، حيث ارتفعت أسعار المستهلكين بنسبة 2.6% في مارس عن مستواها قبل عام – وهو تسارع حاد من ارتفاع فبراير بنسبة 1.7% على أساس سنوي.
موسم تقارير الأرباح
الكثير من هذه التطورات كانت معروفة من قبل الأسواق. وبالتالي واصل كل من مؤشر “داو جونز” الصناعي و”ستاندرد آند بورز” 500 تسجيل ارتفاعات قياسية، بينما كان مؤشر “ناسداك” المركب ضمن 1% من أعلى مستوى له على الإطلاق في أواخر الأسبوع، مدعوما ًبالتكهنات القوية، مع بدء موسم تقارير الأرباح والنمو القوي للاقتصاد وتضخم الأسعار، لكن سوق السندات كان العامل الأكبر في مفاجأة الأسواق.
وبدلاً من ارتفاع عوائد سندات خزانة لمدة 10 كما هو متوقع، فجاءت الرياح بعكس ما تشتهيه السفن، فانخفضت عوائد سندات خزانة لمدة 10 سنوات، وكسر عائد السندات القياسية لمدة 10 سنوات دون نطاق التداول السابق -الذي تراوح بين ما يقرب من 1.6% إلى 1.77% – إلى منتصف نطاق 1.5%.
وبالرغم من أن هناك تفسيرات فنية للانخفاض، لكن الإجماع على ارتفاع عوائد السندات لمدة 10 سنوات قد ترجم إلى حد كبير في الارتفاع الحاد في العائد 10 سنوات من حوالي 1% في أواخر يناير الى 1.58%، ولكن الهدف هو 2٪ لعائد السندات، وهذا ما يتوقعه السوق في وقت لاحق من هذا العام.
عائدات السندات الأمريكية
يبدو أن بيع السندات من قِبل المستثمرين العالميين كان عاملاً في الارتفاع السابق في العوائد. ولكن أظهرت أحدث بيانات وزارة الخزانة بأنه تم شراء 64.5 مليار دولار من إصدارات سندات الخزانة الأمريكية في فبراير، وهو أعلى إجمالي منذ أبريل الماضي، وفقاً لمحللي “جيه بي مورجان”.
واستحوذت جزر كايمان، موطن العديد من صناديق التحوّط، على 62.1 مليار دولار من إجمالي مبيعات السندات الأمريكية في فبراير، بما يزيد عن 49.9 مليار دولار في يناير، نظراً لارتفاع احتمالية تمرير حزمة التحفيز المالي للرئيس بايدن بالكامل، والخاصة بالبنية التحتية، وهو ما أدى إلى ارتفاع عائدات السندات الأمريكية، وجعلها جذابة على الصعيد الدولي. بعد الأخذ في الاعتبار تكلفة التحوّط من مخاطر العملات، فإن ميزة عوائد سندات الخزانة الأمريكية على السندات الحكومية اليابانية، والسندات الألمانية، والسندات البريطانية، هي الأعلى منذ أكثر من خمس سنوات.
تم تضييق الفجوة بين عائدات السندات الحكومية الأمريكية والأوروبية ذات العشر سنوات إلى أضيقها في أكثر من شهر، مع ارتفاع سندات الخزانة، حيث بيعت السندات الألمانية في الأيام الأخيرة.
تشير هذه الخطوة إلى أن المستثمرين يغيّرون وجهات نظرهم حول الأداء النسبي للاقتصاد الأمريكي والأوروبي: فقد تم تسعير الانتعاش القوي للولايات المتحدة، والانتعاش في لقاحات كوفيد – 19 في أوروبا مما رفع الآمال في أن الصيف سيحقق نمواً أفضل.
تحديات كورونا لا تزال قائمة
الشيء الأخير الذي يعرفه الجميع هو أن النجاح في تطعيم الأمريكيين، يعني السيطرة على الوباء، ولكن الإشارات المقلقة تقوّض هذا الافتراض الصاعد، فمع تلقيح غالبية كبار السن، تؤدي موجة الربيع من الإصابات الجديدة إلى زيادة عدد حالات دخول المستشفيات في مناطق ساخنة معينة، مثل ميشيغان. وتصيب العدوى الجديدة الشباب ومتوسطي العمر، والصغار والذين لحسن الحظ، عادة ما يكون لديهم حالات أكثر اعتدالاً.
وقد تكون وتيرة التطعيم أيضاً على وشك التباطؤ، لأسبابٍ لا علاقة لها بتوافر اللقاحات، حيث ذكرت بلومبرغ أن فائض اللقاحات غير المستخدمة قد بدأ في التزايد في بعض المناطق، في حين أن نسباً كبيرة من السكان لم يتم تلقيحهم، على ما يبدو بسبب مقاومة أخذ اللقاحات. هذا يساعد الفيروس على الانتشار والطفرة.
لذا، فإن ما هو معروف، هو أن متوسطات الأسهم الرئيسية تبدو وكأنها تعكس الأخبار السارة عن انتعاش قوي من الركود الحاد الناجم عن الوباء، في حين أن سوق السندات يبدو أقل قلقاً بشأن الانفجار التضخمي، وهو ما يتوافق مع الأداء البطيء للشركات الصغيرة الحجم في رأس المال.
وهنا لابد أن نشير إلى أن سقف الأسهم في الآونة الأخيرة بات غير معروف، فهل ستنعكس التطورات المقلقة بشأن انتشار الفيروس وتباطؤ الطلب على اللقاحات؟
المصدر: لبنان 24