أعتبر الأكاديمي والباحث السياسي حسام مطر، أن “الانهيار الحالي سيتواصل في ظل غياب مبادرة قادرة على منح لبنان مساعدات أو قروض. وهذا الانهيار لن يبقى محصوراً في الجانب المالي والاقتصادي، بل سينعكس مزيداً من الترهّل في بنية الدولة اللبنانية ومؤسساتها وقدرتها على الإدارة وتسيير المرافق العامة. واجتماعياً، ستزداد حدة الانقسامات الطبقية والسياسية. وأمام هذه الوقائع، سيتمدد الفراغ مصحوباً بفوضى نسبية وهذا ما سيعزز من الاستقطاب السياسي الداخلي، ويدفع معظم القوى السياسية إلى التصعيد لتحسين موقعها التفاوضي وشحن مناصريها وفرض أجندتها على الآخرين، وكل ذلك بانتظار مبادرة خارجية جزئية من طرف ما أو مبادرة مرتبطة بتسوية في الإقليم”.
المنظومة في حالة موت سريري بانتظار تسوية ما خارجية
وعن شكل الانهيار، يقول مطر، “ليس هناك شكل وحيد للانهيار، نحن في قلب مسار الانهيار الذي في نهايته تتفكك الدولة كلها في حال لم يتم ضبطه، وهي مرحلة لا يبدو أن لمعظم القوى في الداخل والخارج مصلحة فيها. ولكن حتى من دون وصول الانهيار إلى نهايته، أي لو أنه لم يلامس انفراط عقد الدولة، فستكون تداعياته كارثية. نحن اليوم في مرحلة الانهيار، إذ هناك شلل تام في المنظومة السياسية والمالية والطائفية بل وفي حالة موت سريري ومن الصعب جداً عودة هذه المنظومة إلى ما كانت عليه الأمور. هذه المنظومة مجبرة على تقديم تنازلات وإجراء تغييرات على شكل إصلاحات أو تعديلات تستبدل فيها بعض القواعد والممارسات والسياسات، وذلك وفق ميزان القوى المحلي والخارجي. أما الدولة، فهي اليوم دولة ضعيفة فاشلة تتجه نحو التفكك غير الرسمي إذا لم يجرِ احتواء الانهيار. إذاً من المستبعد الوصول إلى انهيار شامل الذي يعني انفراط كل المؤسسات وظهور الكانتونات وانهيار تام للعملة الوطنية بالتالي تفكك الدولة، ولكن المرجح أن نقيم لفترة من الزمن ضمن انهيار فيه دولة فاشلة ومفككة ويُصار إلى تعليق العملية السياسية، ولكن مع أجهزة تقوم بالحدّ الأدنى من مهماتها وتقدّم أشكال مختلفة من الدعم المحدود من الاحتياطي والمساعدات الخارجية، بانتظار تسوية ما في الخارج. وهذه المرحلة تعجّ بالمخاطر كونها تمثل بيئة هشة جداً تنذر بحصول تفلّت في الشارع أو صدامات أمنية.
ماذا ينتظر المجتمع الدولي كي يتدخل؟
يرى الباحث السياسي حسام مطر أن المجتمع الدولي منقسم حول لبنان ومنهمك في أزماته وأولوياته. وجزء أساسي من هذا المجتمع يبحث في كيفية توظيف الانهيار لإعادة إنتاج توازن سياسي جديد في لبنان على حساب “حزب الله” من ناحية، وأيضاً لكيفية الاستفادة من التأزم اللبناني لتحسين شروط التفاوض مع إيران من ناحية أخرى. والمجتمع الدولي ليس لوحده فاعلاً في المسألة اللبنانية، فأيضاً هناك وقائع محلية مؤثرة منها حدة الانهيار والإفلاس الحاصل وكلفة معالجته إلى حدة الانقسام السياسي بين النخبة المحلية وإلى عجز صيغة “اتفاق الطائف” عن إدارة الواقع المتغير وصولاً إلى قوة “حزب الله”.
وبرأي مطر، فإن الخروج من الانهيار يستوجب تسوية خارجية كبيرة تعيد النظر في أجزاء من “اتفاق الطائف” (بما فيها جملة قوانين حول تقاسم السلطة والثروة لم يجرِ إقرارها كما كان مفترضاً) وربما تتجاوزه، وذلك مرتبط بمدى ما نكون قد وصلنا إليه من انهيار وحال موازين القوى. أما إدارة الانهيار، فممكنة من خلال تسويات جزئية وموضعية تكتفي بتقديم ضمانات سياسية محددة لإدارة الصراع الداخلي مع جرعات من الدعم المالي مقابل جرعة من الإصلاحات والتزام المسار الدستوري للعملية السياسية”.