جاء في “النهار”:
ليس غريباً ان يستجير اللبناني وهو يقف امام مسلسل الفضائح والصدمات اليومية التي يتلقاها تحت وطأة السلطة التي تخطت كل الأرقام القياسية للفشل والعجز والفساد والتفلت والتخبط، بشعر المتنبي “فصرت اذا اصابتني سهام تكسرت النصال على النصال”. بوتيرة مخيفة تزداد سرعة انزلاق لبنان الى مهالك تفتت المؤسسات وتفريخ أزمات متزايدة بوتيرة شبه يومية، فلا يكاد يمر يوم الا ويفتح ملف فضائي جديد، او تنفجر فضيحة إضافية، او تتعرض سمعة لبنان لمزيد من التشويه والهلهلة على نحو لم يسبق حصول ما يماثله حتى في حقبات الفوضى الشاملة وانحلال الدولة تماما خلال حقبات الحرب.
وقبل ان تبرد ملامح “المهادنة” التي غاب معها مشهد القاضية غادة عون عن يوميات اقتحامات عوكر لشركة مكتف لاضطرار القاضية المتمردة أخيرا الى المثول امام هيئة التفتيش القضائي، انفجرت فضيحة تهريب الممنوعات والمخدرات من لبنان الى أراضي المملكة العربية السعودية التي يبدو ان كأسها قد فاضت بعمليات التهريب هذه، فعمدت الى اتخاذ إجراء قاس وصارم فورا، بمنع ادخال كل أنواع الصادرات الزراعية اللبنانية والآتية الى المملكة من لبنان. الاجراء السعودي اتسم بدلالات بالغة السلبية على لبنان اقتصاديا ومعنويا وديبلوماسيا، اذ يشكل صدمة قاسية جديدة لعلاقات البلدين التي تأثرت تأثرا سلبيا عميقا في السنوات الأخيرة بسبب تعرض المملكة لحملات سياسية وإعلامية عنيفة من “حزب الله” متصلة بتورط الحزب عبر المحور الإيراني في حرب اليمن واعتداءات الحوثيين على المملكة. واذا كانت عمليات تهريب الممنوعات الى المملكة سواء من المعابر البرية اللبنانية – السورية او المعابر البحرية تفتح مجددا اخطر مسارب الخطر الاقتصادي والأمني التي تساهم في انهيار لبنان واقتصاده وما تبقى له من علاقات عربية وخليجية يمكنها ان تعين اللبنانيين على الصمود في أسوأ ظروف تطبق عليهم، فان سؤالا تردد فورا امس في الكواليس الديبلوماسية والسياسية حول ما اذا كان رئيس الجمهورية ميشال عون سيبادر الى تحرك فوري ما لاحتواء تداعيات هذه الصدمة الخطيرة ام يتركها متجاهلا آثارها ؟ ما املى طرح هذا السؤال ان الرئيس عون فاجأ الجميع اول من امس بدعوته رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب ووزيري الدفاع والداخلية وقادة الأجهزة الأمنية الى اجتماع استثنائي لمجرد ان نقل اليه ان القوى الأمنية استعملت الخشونة مع انصار غادة عون من التيار العوني بعدما أمعنوا اعتداء على املاك شركة مكتف. افلا يستأهل اذاً قرار دولة بحجم ومكانة السعودية وتاريخها مع لبنان اجتماعا طارئا لوضع الأجهزة الأمنية امام مسؤولياتها في وضع حد للتراخي والتواطؤ والفساد بعدما دفع اللبنانيون الاثمان الباهظة للتهريب الى سوريا والان يتهدد التهريب الى السعودية المزارعين اللبنانيين في كل المناطق ؟
فبعد اكتشاف كميات مهربة من مادة الأمفيتامين (المستعملة في تصنيع الكبتاغون) في شحنات من الخضر المتجهة إلى السعودية، أعلنت وزارة الداخلية السعودية “منع دخول إرساليات الخضر والفواكه اللبنانية إلى المملكة أو العبور من خلال أراضيها بدءا من الساعة التاسعة من صباح (غد) الأحد، وذلك الى حين تقديم السلطات اللبنانية المعنية ضمانات كافية وموثوقة لاتخاذهم الاجراءات اللازمة لايقاف عمليات التهريب الممنهجة ضد المملكة”. وأشارت الوزارة الى أن خطوتها هذه تأتي في إطار “الحرص على حماية مواطني المملكة والمقيمين على أراضيها من كل ما يؤثر على سلامتهم وأمنهم”.
تداعيات الكساد
وجاء القرار في وقت يمر به لبنان في ظروف اقتصادية صعبة، فيما تداعياته ستكون كارثية على المزارعين على نحو سيؤدي الى تكديس الإنتاج الزراعي اللبناني وتحديدا الحمضيات والبطاطا، خصوصا ان السعودية تأتي في المرتبة الثانية بحجم الكميات المصدرة بعد الكويت (أكثر من 50%) يباع بعضها في السوق السعودية فيما يذهب بعضها الآخر عبرها نحو الإمارات وسلطنة عمان وقطر. وهذا القرار يعني وفق ما يؤكد رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين انطوان الحويك لـ”النهار” كسادا للمنتجات الزراعية على نحو سيؤدي الى انهيار الاسعار نتيجة كثرة العرض وقلة الطلب، لافتا الى أن من بين 300 ألف طن من المنتجات الزراعية التي يتم تصديرها سيبقى 150 ألف طن في لبنان وهي كمية فائضة عن حاجة السوق اللبنانية.
وكساد الانتاج الزراعي سيقفل منفذاً مهماً من منافذ إدخال الدولار إلى البلاد بفعل توقف التصدير الى السعودية علما أن نحو 88% من الصادرات اللبنانية هي صادرات زراعية، حصة السعودية منها 50 الف طن قيمتها 24 مليون دولار اي 16% من اجمالي الصادرات. وتستورد السعودية والدول الخليجية التي تمر الشاحنات لتصل اليها بالسعودية من لبنان نحو 173.3 الف طن اي ما نسبته 55.4 % من اجمالي صادرات لبنان من الخضر والفاكهة .
وأعلنت وزارة الخارجية انها تبلغت من السفارة السعودية مضمون القرار السعودي القاضي بمنع دخول الخضار والفواكه الى اراضيها من لبنان قبل اعلانه ونقل الوزير شربل وهبه الموضوع الى كبار المسؤولين. ص5
العقوبات الأوروبية
وليس بعيدا من أجواء التداعيات المدمرة التي يتعرض لها لبنان في ظل تمادي ازمة تشكيل الحكومة الجديدة، أكد امس المتحدث باسم السياسة الخارجية والأمن الأوروبي بيتر ستانو أن “العقوبات في حق مسؤولين لبنانيين متاحة ولكن لم يتم اتخاذ القرار بعد، مشددا على أننا “نفكر بعقوبات على من يعيق إيجاد الحلول بلبنان”.
وأعلن ستانو ان “الحوافز والعقوبات تجاه لبنان لا تزال مجرد نقاشات داخلية”، مؤكداً أن قرارا سيتخذ بشأن لبنان قريبا لأن الوضع طارئ.
وقال ” نعرف الصعوبات التي يواجهها الشعب اللبناني، وندعمه لكن سنكون صارمين مع المعرقلين”.
غادة والتفتيش
وسط هذه الاجواء، بقي ملف القاضية غادة عون في الواجهة ولو مع غياب العراضات الشعبية والإعلامية للأنصار العونيين. وقد مثلت عون امام رئيس التفتيش القضائي القاضي بركان سعد في قصر العدل في بيروت على مدى اربع ساعات، وافيد ان الجلسة لم تتناول ملف شركة مكتف للصيرفة فقط وإنما هي جلسة مسلكية تناولت كل الشكاوى وكل مسلكية القاضية عون واكثر من 23 دعوى مقدمة بحقها . وفي انتظار القرار الذي سيصدره التفتيش القضائي في حقها افادت معلومات ان عون ستتقدم بشكوى ضد مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات لمخالفته القانون بالتعميم الذي اصدره حول توزيع الاعمال في النيابة العامة الاستئنافية.