ربما من الغرابة أن يتحسن سعر صرف الليرة السورية بأكثر من 28% خلال شهر، من دون أن يطرأ على الاقتصاد أي تغيير، إن على صعيد الإنتاج والصادرات أو السياحة أو حتى قروض خارجية، وهذه المصادر عادة ما ترفد الأسواق الداخلية بالقطع الأجنبي، فيتوازن العرض والطلب فيتحسن سعر العملة.
بل ربما على العكس، زادت خلال هذا الشهر الواردات عموماً وبمقدمتها النفط الخام من إيران والقمح من روسيا، أكبر السلع استنزافاً للقطع الأجنبي، بعد أن تحولت سورية من بلد مصدر لأكثر من 150 ألف برميل إلى بلد مستورد لأكثر من 200 ألف يومياً، ومن بلد ينتج أكثر من 3.5 ملايين طن من القمح، إلى بلد مستورد بعد أن تراجع الإنتاج إلى نحو 1.5 مليون طن سنوياً.
ما يعني اقتصادياً مزيداً من استنزاف الدولار على الواردات مع عجز متواصل بالتصدير، دفع نظام الأسد لتصدير غذاء السوريين إلى شركائه في الحرب، علّ الميزان التجاري يتوازن قليلاً ويحصّل بعض الدولارات من صادرات الخضر والفواكه والخراف.
وذلك فضلاً عن تشدد الولايات المتحدة وأوروبا، بالعقوبات والتشديد في الحصار على سورية خلال الفترة الماضية، فماذا حدث حتى تنفست الليرة الصعداء في وقت زادت خلاله النبوءات بالانهيار؟
ربما من الضرورة الإشارة إلى أن تحسن سعر صرف الليرة السورية لا يعني أنها باتت منافسة، بالتداول والطلب، لوحدة السحب الخاصة “العملات الرئيسية الأربع” بل ما زالت في الحضيض ويزيد سعر صرف الدولار اليوم عن 3100 ليرة، لكن التحسن المقصود بالنظر والقياس إلى ما كانت عليه العملة السورية الشهر الماضي، وقت تعدى سعر صرف الدولار 4500 ليرة سورية.
تأتي الحوالات الخارجية ربما في مقدمة الأسباب التي ساهمت في تحسن سعر الليرة السورية، خاصة بعد أن رفع المصرف المركزي سعر الحوالات 100% لتصل إلى 2512 ليرة سورية، وهو سعر ليس ببعيد عن سعر السوق ويختلف عن سعر الابتزاز السابق 1256 ليرة للدولار.
بل ولأن شهر رمضان يحفل بتحويل السوريين المغتربين، وحتى الجمعيات والمنظمات الإنسانية، سمح نظام بشار الأسد، رغم مرسوم تجريم التعامل بغير الليرة، لبعض شركات الصرافة، بتسليم الحوالات بأي عملة يختارها التجار والصناعيون المحوّل إليهم. فارتفعت الحوالات إلى نحو 7 ملايين دولار يومياً، ما ساعد في تخفيف الطلب والتوازن النسبي بالسوق.
وجاءت خطوة أكبر شركتي صرافة بسورية؛ بيع آجل للدولار للتجار والصناعيين في 11 إبريل/ نيسان الجاري، سبباً ثانياً مهماً، سواء بالطمأنة أنّ الليرة لن تهوي أكثر وأن لدى النظام قطعاً أجنبياً، فكانت عمليات البيع للشريحة الأولى من 1 إلى 10 رمضان بسعر 3250 للدولار الواحد، وللشريحة الثانية من 11 إلى 20 رمضان بسعر 3100 للدولار الواحد، على أن تكون الشريحة الثالثة من 21 إلى 30 رمضان بسعر 2900 للدولار الواحد، شريطة أن يتم تثبيت الشراء الآجل وتسديد المبلغ كاملًا بشكل نقدي بالليرة السورية للفترات الثلاث من 1 إلى 5 من رمضان.
أما الخطوة الثالثة، فكانت برفع سعر دولار الإتاوة، لكل سوري يريد العودة لبلده، من 1256 إلى 2500 ليرة، وذلك بالتوازي مع زيارات بعض المغتربين إلى سورية والتضييق اللبناني على السوريين، فساهمت عائدات الحدود بمزيد من رفد الخزينة بالقطع الأجنبي.
ومن خماسية أسباب تحسن سعر الليرة أيضاً ما جاء من عائدات بدل الخدمة الإلزامية، إذ رفع المصرف المركزي سعر بدل الخدمة البالغ ثلاثة آلاف دولار من 1256 إلى 2550 ليرة للدولار الواحد، ولأن نظام الأسد هدد الشهر الماضي بالحجز على أموال المتخلفين عن السداد وذويهم، كان دولار بدل الخدمة رافداً أساساً لخزينة الأسد.
وأما السبب الأخير الذي قلما ركّز عليه الإعلام أو تطرق إليه نظام بشار الأسد، فهو الدعم الدولاري المباشر، سواء من دولة الإمارات أو من روسيا الاتحادية، وذلك لتمرير فترة الانتخابات الرئاسية ونسب تحسن سعر الصرف إلى بشار الأسد المرشح لفترة وراثية رابعة.
نهاية القول: بالنظر إلى الأسباب السابقة، أو حتى ما يمكن إضافته، سواء منع استيراد ما رآه نظام الأسد كماليات أو حتى رهن قطاعات جديدة لطهران وموسكو واستلام الثمن مقدماً، هل يمكن أن تستمر الليرة السورية بالتعافي، ليس لتعود إلى ما كانت عليه عام 2011، وقت كان سعر الدولار 50 ليرة، بل إلى مطلع العام الماضي وقت لم يزد الدولار عن 900 ليرة؟
أغلب الظن أن تلك الأسباب الآنية والطارئة، ستغيب بعد حملة بشار الأسد الرئاسية، التي سيتاجر خلالها بسعر الصرف ومكافحة الفساد وانتصاره على “المؤامرة الكونية”، لتعود الليرة للتهاوي بواقع غياب كل محددات استقرار العملة وقوتها.
ولكن التراجع لن يكون إلى عتبة 4 أو 5 آلاف ليرة للدولار كما وصلت الشهر الماضي، بل لن يكون للعملة السورية قاع تصل إليه بواقع اقتصاد مهدّم وبدء المحتلين باقتسام كعكة الخراب واستلام مكافأة استمرار الوريث على كرسي أبيه.