منذ 17 تشرين الأول 2019، انخفضت احتياطات مصرف لبنان إلى النصف تقريباً، من 31 مليار دولار إلى 17.5 مليار دولار بنهاية شباط 2021، وربّما يكون الآن في حدود 16 مليار دولار أو أكثر من ذلك بقليل. ولا حاجة إلى القول إنّ هذه الأموال لم تذهب كلّها للدعم ولا لتوفير العملة الصعبة للاستيراد، بأيّ سعر كان. فمجمل فاتورة الاستيراد في 2020 لم تصل إلى 11 مليار دولار، ولا شكّ أنّ جزءاً وافراً منها مُوِّل من السوق، من موارد متعدّدة، أهمّها عوائد التصدير، التي تجاوزت 3.5 مليارات دولار، وتحويلات المغتربين التي تصل إلى 8 مليارات دولار.
هذا يشير إلى أنّ الانخفاض الكبير للاحتياط الأجنبي لدى مصرف لبنان له سبب آخر هو سداد الاستحقاقات والفوائد للبنوك، وبالتالي توفير الدولارات للبنوك لتقوم بعمليات تهريب الأموال، بدليل أنّ ودائع البنوك لدى مصرف لبنان انخفضت انخفاضاً كبيراً في الأشهر الماضية، لتقف في آخر البيانات عند 107 مليارات دولار (الإجمالي بالدولار والليرة)، بعدما كانت تقارب 118 مليار دولار مطلع العام الماضي، وفق بيانات جمعية المصارف.
اللغز الأكبر يكمن في انخفاض موجودات العملات الأجنبية لدى البنوك من 21.3 مليار دولار قبل اندلاع ثورة 17 تشرين إلى 14.1 مليار دولار في كانون الثاني الماضي. فتكون قد هبطت بأكثر من 7.2 مليارات دولار خلال 16 شهراً. ونصف هذا الانخفاض حدث في الأشهر الثلاثة الأولى من الأزمة، أي بين تشرين الأول وكانون الأول 2019.
ما الذي يبرّر أو يفسّر هذا الانخفاض إذا كانت البنوك لا تشارك بدولار واحد في تمويل الاستيراد لعملائها التجّار، وتلقي كل هذا الحمل على مصرف لبنان وسوق الصرّافين؟ لا شيء يفسّر رقماً بهذه الضخامة سوى التحويلات إلى الخارج، وبتعبير أدقّ، تهريب أموال المحظيّين من أصحاب الواسطة الخارقة.