كتبت سلوى بعلبكي في “النهار”:
في انتظار أن يرى مشروع البطاقة التمويلية النور، والتي وعد رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بإصدارها قبل رفع الدعم عن استيراد السلع الرئيسية، تسود حال من الذعر والخوف أرباب العائلات اللبنانية مما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية من انهيار في العملة الوطنية وارتفاع غير مسبوق للاسعار، وتحديدا المواد الاستهلاكية. هذا الهلع المبرر عند الناس يأتي على خلفية التأكيدات بانتهاء “مصل” الدعم للمواد الاستهلاكية والنفط والدواء، والاتجاه نحو تحرير الاسعار مع الابقاء على دعم الخبز وأدوية الامراض المستعصية. وما عزز هذا الهلع، التقارير والارقام التي اجتاحت وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي عن مستوى الاسعار المتوقعة بعد رفع الدعم، وكانت بمعظمها ارقاماً صادمة للمواطنين بما فاقم هلعهم وخوفهم من الاعظم الآتي، ليتبين لاحقا أن القاعدة الخطأ التي اعتمدت عليها هذه التقارير كانت عبر مضاعفة سعر السلعة غير المدعومة ثلاث مرات، بما رفع الاسعار الى حدود قياسية.
فما فات هؤلاء هو أن السوق تحوي بضائع غير مدعومة وأسعارها تزيد ما بين 30 الى 60% عن السلع المدعومة، وخصوصا تلك المنتَجة أو المصنَّعة محليا. بيد ان هذا الامر لا يعني أن زيادة الاسعار ستكون مستبعدة، خصوصا اذا ارتفع سعر الدولار الاميركي على نحو مطَّرد بعد رفع الدعم. وهذا الامر متوقع نتيجة تهافت المستوردين لشرائه من السوق الموازية بعدما كانوا يحصلون عليه مدعوما من مصرف لبنان، وتحديدا تجار المحروقات الذين، بحسب ما قال رئيس نقيب مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي لـ”النهار”، سيضغطون على السوق بسبب حاجتهم الملحّة الى العملة الخضراء لزوم الاستيراد.
وعلى رغم ضيق الحال وشحّ المال وابتلاع الغلاء لمداخيل اللبنانيين ومؤوناتهم النقدية، لا يبدو، وليس محسوما أن رفع الدعم سيكون “مصيبة المصائب” و”العصا الغليظة” التي ستقصم ظهر اللبنانيين، لا بل وفق بعض المطلعين، “يمكن ان تعيد هذه العملية الانتظام الى الاسواق والمنافسة الطبيعية بين المستوردين والتجار، وستسحب كذبتين اعتاش اللبنانيون عليهما منذ سنة ونيف حتى اليوم: كذبة تمويل الاستيراد من احتياط العملة الصعبة بحجة حماية الامان الاجتماعي للمواطنين، وكذبة البضائع المدعومة المفقودة دائما من رفوف المحال التجارية والمخفية قسرا للتهريب بـ”قبة باط” من السلطات المحلية. كما سيرتاح اللبنانيون من كسل وزارة الاقتصاد التي تجاهر بمكافحة الاحتكار وضبط تفلت الأسعار، فيما التجار يتحكمون بمصير المواطنين “على عينك يا دولة”. والاهم انه ستنتهي “تمثيلية” عدم وجود بضائع مدعومة لدى التجار الذين يبيعونها لاحقا بأسعار غير مدعومة، وستتوقف تجارة منح أذونات الاستيراد المدعوم للأزلام والمحاسيب والمدعومين”. فارتفاع الاسعار المرتقب لن يكون بسبب رفع الدعم بل بسبب تقاعس المسؤولين عن تشكيل حكومة ثقة تقود مفاوضات مع المؤسسات الدولية والدول الشقيقة والصديقة، وتضع خططاً علمية انقاذية قصيرة الاجل وطويلة تساهم في اعادة بعض الاعتبار الى الليرة اللبنانية وخفض سعر الدولار تجاهها، فتنخفض الاسعار تلقائيا ويتخلص اللبنانيون من دوامة هدر ما بقي من ودائعهم في مصرف لبنان بحجة “كذبة” الدعم.
حقيقة ارتفاع الاسعار؟
عملياً، اتخذ مصرف لبنان قرار وقف العمل بالآلية الموجودة الى حين وضع آلية جديدة، فأرسل كتباً في هذا الاطار الى كل الوزارات المعنية بالسلع المدعومة، خصوصا أن الدعم الذي بدأ في أيلول 2019 سيلامس الاحتياط الذي يرفض المسّ به.
ويدعم مصرف لبنان الاستيراد بما بين 85% و90%، فيما يبلغ عدد السلع المدعومة حاليا 93 سلعة مقارنة بـ 360 سلعة في نيسان 2020 عند إطلاق برنامج الدعم. ووفق “الدولية للمعلومات” التي استندت إلى أرقام وزارة الاقتصاد والتجارة، وصلت كلفة الدعم خلال عام، أي من نيسان 2020 إلى نيسان 2021، إلى 6.237 مليارات دولار موزعة على السلع الاستهلاكية، وتستحوذ المشتقات النفطية على الحصة الكبرى منه ( 3,037مليارات دولار أي بنسبة 48.7%). فقد بلغت كلفة دعم القمح 135 مليون دولار، والدواء 1.105 مليار دولار، المواد الغذائية 960 مليون دولار، البنزين 963 مليون دولار، المازوت 1.075 مليون دولار، الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان 900 مليون دولار، الغاز 99 مليون دولار، نفقات الدولة مليار دولار.
ويؤكد بحصلي لـ”النهار” أن “اللغط الحاصل هو أن معظم الأسعار الواردة في التقارير الاعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي والتي تمت مضاعفتها، هي أصلا لسلع غير مدعومة ويشتريها المواطن وفق سعر السوق”، موضحاً أن “السلع التي سيُرفع الدعم عنها ستعود الى مستويات السلع غير المدعومة من الصنف عينه، بما يعني أن اسعارها لن تتغير إذا رُفع الدعم عن السلة الغذائية”. والمؤكد، وفق ما يقول، “ان الاسعار وإن ارتفعت، ستبقى أقل بكثير من المستويات التي يجري تداولها. مع الاشارة الى أن ثمة الكثير من الأصناف لسلعة واحدة وبأسعار مختلفة، وتاليا سيكون أمام المواطن الكثير من الخيارات بأسعار مختلفة وبجودة مقبولة، شرط ألا يتبدل سعر الصرف”.
واعطى بعض الامثلة عن بعض السلع التي يشملها الدعم وأخرى لا يشملها الدعم من الصنف عينه. مثلا: سعر علبة الشاي زنة 445 غراما سعرها في السوق حاليا 38 ألف ليرة وهو سعر غير مدعوم، وتاليا عندما يرفع الدعم لن يتغير سعرها، فيما سعر المدعوم منه يقدر بـ 15 ألف ليرة ولكنه في الواقع غير متوافر. سعر كيلو العدس ما بين 15 ألفا و17 ألف ليرة، فيما المدعوم إنْ وُجد بين 6 آلاف و7 آلاف ليرة. سعر الحمص (حبة كبيرة) غير مدعوم 21 الف ليرة، الفول غير مدعوم 15 الف ليرة، الزيت 5 ليترات غير مدعوم نحو 130 الف ليرة، سكر غير مدعوم 10 آلاف ليرة.
وإذ يعتبر أن من النتائج الايجابية لرفع الدعم هو وقف التهريب، يوضح بحصلي أن “عمليات التهريب هي في الواقع عمليات تجارية. والمهرب هو بمثابة رجل اعمال، وتاليا عندما يجد ان العملية التي يقوم بها هي عملية مربحة يستمر بها، ولكن في حال لم تكن كذلك وستشكل خسارة له فإنه حتما سيتوقف”.
ولا يستبعد أن يتسبب رفع الدعم بارتفاع الطلب على الدولار في السوق السوداء بما سيرفع سعر الصرف، خصوصا أن تجار المحروقات سيضغطون أكثر على السوق نسبة الى كمية الدولارات التي سيطلبونها. وهذا الارتفاع للدولار سيترجَم حتما ارتفاعا في أسعار السلع. كما أن من البديهي أن يؤثر ارتفاع اسعار المحروقات سلباً على كلفة انتاج السلع ونقلها، خصوصا انها تدخل في كل عناصر الكلفة التشغيلية للسلع.
ماذا عن الادوية؟ فيما لم تبلَّغ نقابة مستوردي الادوية حتى اليوم من أي جهة رسمية وقف الدعم في نهاية أيار، يؤكد رئيس لجنة الصحة النيابية الدكتور عاصم عراجي لـ”النهار” أن “ترشيد الدعم في ملف الأدوية سيطاول بشكل أساسي أدوية OTC أي الأدوية التي لا تحتاج إلى وصفة طبية، وستكون وفق سعر المنصة 3900 ليرة. على سبيل المثال سعر علبة البانادول الذي يراوح ما بين 4 آلاف و5 آلاف ليرة سيصبح بعد رفع الدعم عنها ما بين 18 إلى 20 ألف ليرة تقريبا. أي علينا احتساب سعر أدوية الـOTC الحالية بثلاثة أضعاف عما هي عليه حاليا”. كذلك هناك أدوية الـacute disease أي التي تعالج الأمراض الحادة ومن بينها أدوية المضادات الحيوية وأدوية الحساسية والتي ستكون على سعر المنصة أي 3900 ليرة (إلا اذا تغير سعر المنصة). أما بالنسبة إلى الأدوية المزمنة فقد انخفض الدعم من 85% إلى 80% اي بنسبة 5%، في حين لن يرفع الدعم عن الأدوية السرطانية.
ومع تأكيدات مصرف لبنان أن دعمه لاستيراد السلع سيتوقف مع نهاية الشهر الحالي، علماً أن ثمة ترجيحات بتوقفه تدريجا بعد انتهاء شهر رمضان، فإن الخوف هو أن يتأخر إصدار البطاقة التمويلية (137 دولارا شهريا لكل أسرة من 4 أفراد) مع عدم وضوح الرؤية حيال مصادر تمويلها، خصوصا ان المعلومات تشير الى أن وزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفية يرفض تحويل اموال قرض البنك الدولي بقيمة 246 مليون دولار المخصص للعائلات الاكثر فقرا، لحساب البطاقة التمويلية. وهذا التخبط سيؤول حتما الى نتيجة واحدة هي أن المواطن اللبناني سيصل إلى آخر أيار من دون دعم ومن دون بطاقة تمويلية، وسيُترك وحيداً في مواجهة سيف بعض التجار المصلت على رقاب اللبنانيين من دون أي حسيب ولا رقيب.