كتب موريس متى في “النهار”:
قد يشكل موسم صيف 2021 فرصة ولو ضئيلة جدا لإنقاذ ما تبقى من مؤسسات سياحية في لبنان عانت من تبعات الازمات الاقتصادية والمالية والسياسية، اضافة الى تبعات الانهيار المستمر والذي تعزز من جراء تداعيات انتشار فيروس كورونا وانفجار مرفأ بيروت في 4 آب الفائت.
مع خسارة الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها امام الدولار نتيجة استفحال الازمة، يأمل اهل القطاع السياحي في ان يخرج من هذه الازمة بعض الايجابية التي يمكن ان يستفيد منها هذا القطاع الذي دخل الموت السريري منذ اشهر طويلة، حيث يمكن لتراجع سعر الصرف ان يعطي السياحة في لبنان ميزة تنافسية، خصوصا بالنسبة الى المغتربين والسياح، إذ أصبح بإمكانهم تمضية عطلاتهم في لبنان بكلفة أقل من الدول الأخرى. فرغم التبعات الكارثية لارتفاع سعر صرف الدولار على حياة اللبنانيين وكل القطاعات، فإن لهذا الأمر إيجابيات على القطاع السياحي يمكن البناء عليها، ولكن أيضا لا يمكن التعويل فقط على انخفاض الفاتورة السياحيّة نتيجة انهيار سعر الصرف لجذب السياح، مع وجود عوامل اخرى تحدد وجهة السائح حول العالم ومنها ما يتعلق بالوضع الامني والسياسي في هذه الدول.
يعتبر الأمين العام لاتحاد المؤسسات السياحية جان بيروتي ان “المعيار للسياحة والسائح والمغترب في الوقت الحاضر هو سعر صرف “دولار السوق”. فتراجع سعر الصرف انعكس تراجعا دراماتيكيا بالنسبة الى اسعار الخدمات السياحية بدءا من تعرفة الليلة الواحدة، مع تراجع هذه التعرفة بالنسبة الى #فنادق الخمس نجوم من 400 دولار الى ما قيمته 70 دولارا حدا اقصى، فيما تراجع سعر الليلة الواحدة في فنادق الاربع نجوم الى ما دون 50 دولارا مقارنة مع ما بين 150 دولارا الى 200 دولار قبل العام 2019، اضافة الى التراجع الكبير في الفاتورة المطعمية بالنسبة الى السائح الذي يحمل معه “الدولار” لإنفاقه في لبنان، وهذا ما يعدّ حاليا معيارا يمكن التعويل عليه لجذب السائح والمغترب اللبناني”. من هنا، يؤكد بيروتي ان لبنان في وضعه الحالي يعتبر جاذبا اساسيا للسياحة نتيجة تبعات تراجع سعر الصرف على تكاليف الخدمات السياحية ما يجعلها ارخص للسائح.
وفي جولة على عدد من المنتجعات السياحية البحرية، أظهرت الارقام نسبة إشغال مرتفعة جدا في بعض المناطق، منها جونيه وجبيل والبترون وصولا الى شكا وانفه، حتى ان ثمة منتجعات وصلت الى طاقتها الاستيعابية القصوى بالنسبة الى الحجوزات خلال فصل الصيف، لكن اللافت هو الطلب الكبير على استئجار الشاليهات حيث وصلت نسبة إشغالها في بعض المشاريع البحرية الى حدها الاقصى. أما بالنسبة الى الاسعار، فالعديد من هذه المشاريع يشترط التسديد إما نقدا بالليرة اللبنانية على سعر المنصة، اي 3900 ليرة للدولار الواحد، او من خلال شيكات مصرفية بالدولار، فيما عدد من هذه المشاريع يشترط تسديد نسبة من المبلغ بالدولار نقدا، والجزء الآخر إما من خلال شيك مصرفي او بالليرة اللبنانية على اساس سعر صرف المنصة. في هذا السياق، يقول بيروتي ان “الجزء الاكبر من الطلب على هذه المنتجعات يعود للبنانيين الذين لن يتمكنوا من السفر هذا العام لتمضية العطلات، اضافة الى ان اللبناني يعتقد ان عليه الاستفادة من امواله المحتجزة في المصارف، فقرر ايضا الاستمتاع بفصل الصيف، رغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد، على ان يسدد الايجارات من خلال شيكات مصرفية او بالليرة اللبنانية. وبالنسبة الى المسابح التي تعتمد التسعيرة اليومية، فـ”الدخولية” تراجعت من 30 دولارا في السنوات الماضية الى ما قيمته حاليا 7 دولارات حدا اقصى، ما يعدّ ايضا عاملا جاذبا للسائح وللبناني المغترب والمقيم الذي لديه مدخول بالدولار”. ويؤكد بيروتي ان الاسعار في لبنان “أصبحت ذات تنافسية عالية مقارنة مع اسعار السياحة في دول المنطقة، على ان يبقى المعيار السياحي الاساسي في لبنان هو المؤسسات السياحية المتوسطة”، مشددا على “ضرورة المحافظة على ما تبقى من هذا القطاع والعمل على إعادة النهوض به فورا ، فالقطاع السياحي لطالما اعتُبر القطاع الاساسي في الدول لاستقطاب العملة الصعبة، وهو أكثر ما يحتاجه لبنان حاليا. وكل ما يجب العمل عليه هو وقف تدمير هذا القطاع الذي يضم نحو 12 الف مؤسسة كان يعمل فيها بشكل مباشر 160 ألف شخص وآلاف آخرين بشكل غير مباشر، فيما بلغت عائدات القطاع السياحي في لبنان خلال السنوات العشر الأخيرة نحو 100 مليار دولار اضافة الى 35 مليار دولار ضرائب حصّلتها الدولة من القطاع”. وتوقع ان تكون السياحة الداخلية هذا العام ناشطة، آملا في ان يكون عدد السياح القادمين الى لبنان جيدا بعد انقطاع قارب السنتين بسبب جائحة كورونا.
بدوره، يعيد نقيب اصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي طوني الرامي التأكيد على “ضرورة نجاح كل الوساطات للخروج بحل سياسي يعيد الاستقرار على كل الجبهات، ما يخدم ليس فقط القطاع السياحي وإنما كل القطاعات الاقتصادية. أما الاستقرار السياسي وإعادة الامور الى السكة الصحيحة فيعيد بناء وتعزيز السياحة المستدامة في لبنان، اي سياحة الفصول الاربعة. أما بالنسبة الى واقع القطاع السياحي حاليا، ورغم الازمة الطاحنة التي يمر بها، الا ان هذا القطاع يمكنه ان يستفيد من تراجع سعر الصرف بالنسبة لمن يحمل الدولار، اي السائح والمغترب، لكن هذه السياحة يمكن وصفها بالموسمية التي لا تدوم أكثر من اشهر محدودة. أما المداخيل الكبيرة التي كانت تتحقق في السنوات الماضية، فكانت تأتي من السياحة المستدامة التي تمتد طوال ايام السنة والتي تقوم على ثلاثة انواع من السياحية: السياحة الداخلية، اي سياحة المواطن اللبناني في وطنه، الى سياحة المغتربين وسياحة الوافدين. وبالنسبة الى سياحة المناطق، فهذا العام تُسجل ارقام لافتة في العديد من المناطق الساحلية او الجبلية، منها البترون وجبيل وفاريا، وحتى في العديد من قرى الاطراف، واعلى الحجوزات تُسجل من قِبل لبنانيين مقيمين ومغتربين لبنانيين إختاروا مناطق وقرى بعيدة نسبيا عن بيروت “المنكوبة” التي تفتقد فنادقها المدمرة والفارغة وشوارعها السياحية المقفلة”. ويؤكد الرامي ان “مقومات السياحة في لبنان لم تُفتقد يوما طالما ان اهل القطاع صامدون رغم النكبات المتتالية، وهذا القطاع يمكن ان يعود الى الحياة مع تحقيق اي استقرار سياسي ينعكس على الواقع الاقتصادي، مع ضرورة التركيز على حماية الطبقة الوسطى التي تعتبر العمود الفقري للقطاع المطعمي اللبناني، فخسارة هذه الطبقة هي اكبر خسارة للقطاع إذ تقوم عليها نسبة تتخطى 70% من الحركة اليومية، ويبقى على الدولة والسلطات السياحية المعنية العمل على توسيع القاعدة السياحية لتوسيع مداخيلها بالنسبة الى خزينة الدولة التي تراجعت بشكل دراماتيكي نتيجة تراجع سعر الصرف اولا وتراجع الحركة السياحية ثانيا”.