في ظل استمرار الأزمة السياسية والاقتصادية، تشير الأرقام إلى أن المصارف اللبنانية استطاعت خفض عجزها بشكل كبير، بحيث تراجعت القروض الممنوحة للقطاع الخاص المقيم إلى 16.23 في المئة من موجودات المصارف اللبنانيّة، كما أظهرت ميزانيات القطاع في آخر شهر مارس (آذار) الماضي. أما النسبة الأكبر من الموجودات التي تتجاوز قيمتها 71 في المئة من ميزانية المصارف، فباتت تتركز اليوم في توظيفاتها لدى مصرف لبنان وفي سندات الدين السيادي.
وعزز تخفيض الفوائد المدفوعة للمودعين وضع المصارف، حيث تظهر الأرقام أن متوسط هذه الفوائد المدفوعة انخفض من 9.4 في المئة في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2019، إلى أقل من 2.11 في المئة في فبراير (شباط) الماضي، كما انخفض بالنسبة إلى الودائع المقومة بالدولار الأميركي من 6.31 في المئة في عام 2019، إلى أقل من 0.54 في المئة.
وتنقسم ودائع القطاع الخاص في المصارف اللبنانية بين ودائع المقيمين وودائع غير المقيمين، والتي تشكل نسبة 21 في المئة، وتقدر بـ36.5 مليار دولار، من مجموع الودائع التي سجلت رقماً قياسياً في عام 2018 وصل إلى 174 مليار دولار.
الشيك المصرفي
وتقول بعض الأوساط المالية، إن المصارف استطاعت تحقيق أرباح كبيرة من خلال بيع الشيكات المصرفية في السوق السوداء. حيث تحول الشيك المصرفي إلى عملة ثالثة متداولة في البلاد إلى جانب الدولار والليرة، يُصرف وفقاً لقيمته بما بات يسمى الـ”لولار”، وهو يعني مزج الليرة والدولار أي قيمة الودائع المصرفية المحتجزة بالدولار في السوق السوداء بحسب سعر صرف الليرة اللبنانية أمام الدولار.
وتشير إلى أن البنك لا يستفيد من قيمة الشيك النقدية أو الفعلية وليس مهتماً بأن يدخل إلى حساباته المزيد من الشيكات بالدولار، وإنما يستفيد من كون عملية تجارة الشيكات تنتهي لديه بإيفاء القروض المتعثرة، كما حصل مع القطاع العقاري، حيث كان الشيك وسيلة دفع ديون الشركات العقارية المتعثرة للمصارف. وبالتالي المصارف تكون قد حصلت ديونها المتعثرة وشطبت عن نفسها من أموال المودعين المطلوبة منها بالدولار.
ولكون هذه الشيكات تمثل قيمة أموال محتجزة في المصارف مجهولة المصير وتخضع لسقوف سحب محدودة، فإن الشيك المصرفي عكس منذ بداية المتاجرة به قيمة متدنية للودائع بدأت بقيمة 80 في المئة منها، وانتهت اليوم بنسبة 25 في المئة أي بخسارة 75 في المئة من قيمة الودائع في السوق السوداء.
إدارة المخاطر
في المقابل للمصارف رواية أخرى، حيث يقول كبير الاقتصاديين في بنك “بيبلوس”، نسيب غبريل، إن “هناك أزمة سيولة في البلاد وأزمة ثقة بدأت منذ سبتمبر (أيلول) 2019، وأدت إلى تراجع حاد في تدفق السيولة إلى القطاع المصرفي، كونه لا تنوع في مصادر تمويل الاقتصاد اللبناني. وبالتالي عندما انخفض تدفق رؤوس الأموال إلى لبنان إضافة إلى تهافت المودعين لسحب الودائع ما أدى إلى أزمة سيولة، وحينما عجز الناس عن إرسال الأموال إلى الخارج وتحددت عمليات السحب اختاروا أن تستثمروا في ملاذات معينة كالقطاع العقاري”.
وقال إن المودعين قرروا فرادى ماذا يفعلون بودائعهم، فهناك من قرر التملك، وهناك من اختار أن يفي ديونه وقروضه، وهكذا تراجعت الودائع في المصارف بين عام 2019 وأواخر 2020 بما قيمته 35 مليار دولار، وتراجعت في المقابل أيضاً القروض والتسليفات للقطاع الخاص بنحو 15 مليار دولار ما يعتبر شطب لنسبة كبيرة من المطلوبات”، مضيفاً “الناس تأخذ الشيك عند الصراف إذا كانت تريد سيولة، وهذا من حق المودع، وإذا شركات لديها قروض بالدولار وليس لديها الودائع الكافية لكي تسدد القروض تتوجه إلى السوق لتشتري الشيك”.
هل نجح القطاع المصرفي اللبناني في تحقيق الأرباح في زمن الانهيار الاقتصادي؟
مقالات ذات صلة