بادئ ذي بدءٍ، علينا أن نفهم ما يعني الاحتياطيّ الإلزاميّ: فهو بالتعريف كناية عن نسبة محدّدة من أموال المودعين تُلزَم المصارف في إيداعها في حساباتها لدى البنوك المركزيّة، وهي تشكّل احتياطياً لتلبية طلبات السحوبات النقديّة، ويكون بمثابة ضمانة «ملاءة» للمودعين، فهو هامش الأمان تحسّباً لأي تقلّب. وبلغة أُخرى، هو إجراء احترازيّ يقوم به أيّ بنك مركزيّ لحماية المودعين في حال إفلاس أحد البنوك التجاريّة.
أمّا ما تبقّى من أرصدة المودعين فتتصرّف بها البنوك التجاريّة في استثماراتٍ تعود عليها بالأرباح (الفائدة). لذلك، النسبة الّتي يحدّدها البنك المركزيّ (يزيدها أو يُنقصها) تؤدّي دوراً مهماً في التحكّم بالعمليّات الاقتصاديّة وكمّيّات النقد في السوق. وبمعادلة بسيطة، إنّ تقليل نسبة الاحتياطيّ الإلزاميّ سيزيد من كمّيّة النقد لدى البنوك التجاريّة، وبالتالي زيادة مقدرتها على إعطاء القروض للأفراد والشركات، بما يؤدّي إلى ازدياد القوّة الشرائيّة، وفي المقابل تنخفض قيمة العملة. والعكس صحيح،
الآن، علينا أن نعرف ما في مبادرة البنك المركزيّ الجديدة: إذ أعلن حاكم مصرف لبنان أنّه يتعاون مع فريق عمله على إطلاق مبادرة تهدف إلى اعتماد آليّة تبدأ المصارف بموجبها تسديد الودائع التي كانت قائمة قبل تاريخ 17 تشرين الأوّل 2019 وكما أصبحت في 31 آذار 2021، على نحو تدريجيّ، وذلك بالعملات كافّة. طبعاً، ستُسدَّد بعض من هذه الودائع ممّا تبقّى من الاحتياطيّ الإلزاميّ، بحجّة إراحة اللبنانيّين ضمن القوانين والأصول التي ترعى عمل مصرف لبنان. ولتحقيق هذه الغاية، طلب الأخير من المصارف تزويده بالمعطيات، ليحضِّر برنامج دفع مقسّط ولفترة زمنيّة محدّدة لمبالغ قد تصل إلى 25 ألف دولار أميركيّ، أو ما يعادلها بأيّ عملة أجنبيّة، إضافة إلى ما يساويها بالليرة اللبنانيّة.
خلاصة لِما أوردناه، نستطيع أن نستنتج أنّ أوّل حصّة من الاحتياطيّ الإلزاميّ ستذهب إلى المودعين وهذا أمر منطقيّ وصالح بالمطلق، ولكن هل يشكّل ثمن سكوتهم لفترة أطول؟ على ما يبدو أنّ ثمّة توجّهًا مبطّنًا لتخفيض نسبة الاحتياطي الإلزاميّ. إذ هناك اجتهادات كثيرة عن أحقّيّة مصرف لبنان في التصرّف بالاحتياطي الإلزاميّ. قد نتخيّل أنّ الصورة واضحة، لكنّها فعليا تزداد غشاوةً، فالهدف يكمن في غشّ المواطن والمودع والمستثمر، من خلال تنفيذ خطّة كما وصفت أعلاه بالاحتياليّة لمصلحة السلطة الحاكمة لا سواها.