تقدم سوق أبوظبي للأوراق المالية حوافز لإنعاش الطروحات العامة الأولية بعد مرحلة جفاف استمرت حوالي 4 سنوات، بعكس موجة الصعود التي شهدتها أسواق الأسهم العالمية.
لتحقيق هذا الهدف، تتواصل سوق أبوظبي للأوراق المالية، المملوكة للصندوق السيادي الجديد في الإمارة “القابضة” (ADQ)، مع الشركات التي تديرها الدولة وتلك المملوكة للعائلة الحاكمة، وفقاً لمصادر مطلعة.
المصادر، التي طلبت عدم ذكر أسمائها لخصوصية المعلومات، أفادت أن بورصة أبوظبي المعروفة باسم (ADX)، تقدم عوامل جذب لإدراج الشركات، تشمل المرونة إلى الحد الأدنى لناحية نسبة الأسهم المطلوب طرحها، وتعهدات بتخفيض رسوم الإدراج أو حتى التخلي عنها.
هذه الإغراءات كانت كافية لجعل البورصة تنتعش بالصفقات المرتقبة. حيث أعلن محمد علي الشرفاء الحمادي، رئيس مجلس إدارة سوق أبوظبي للأوراق المالية، أن البورصة قد تشهد 10 إدراجات جديدة على الأقل خلال 2021، بما يشكل رقماً قياسياً سنوياً على الإطلاق.
تحت المجهر
في وقتٍ تعاني أحجام تداول الأسهم المحلية بسبب انخفاض أسعار النفط، فقد دخلت حوكمة الشركات في الإمارات العربية المتحدة أيضاً دائرة الضوء بالنسبة للمستثمرين، لاسيما في أعقاب تجاوزات محاسبية، وشطب شركات مدرجة من سوق دبي المالي، والتجارب العصيبة لشركات عملاقة مثل “أرابتك القابضة” للإنشاءات التي تعرضت للتصفية في 2020. ولم تشهد بورصة أبوظبي أي اكتتاب عام منذ إدراج أسهم شركة بترول أبوظبي الوطنية للتوزيع (أدنوك للتوزيع) في عام 2017.
يؤكد محمد السويدي، الرئيس التنفيذي لـ”القابضة” (ADQ)، الذي تأسس عام 2018، أن “تسييل أصولنا جزء من استراتيجيتنا. ومن خلال قيامنا بذلك، فنحن نفتح أسواق رأس المال ليس فقط للمستثمرين المحليين، بل أيضاً للأجانب. وعليه، فإننا نخطط لطرح المزيد من الأصول في بورصة أبوظبي”.
لم يستجب المتحدثون الرسميون لسوق أبوظبي للأوراق المالية والهيئة التنظيمية (هيئة الأوراق المالية والسلع) لطلبات التعليق على المعلومات المتعلقة بإدراج شركات جديدة.
الإدراجات الجديدة
خلال الأسابيع الأخيرة، بدأت قائمة الشركات الطامحة للاكتتاب العام في أبوظبي بالتبلور.
إذ تدرس شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، التي تديرها الدولة، بيع أسهم في وحدة “الحفر” التابعة لها. كما باشرت الاستعدادات لطرح عام أولي محتمل لمشروع أسمدة مشترك في بورصة الإمارة. كذلك تقترب شركة “مبادلة” للاستثمار (أحد الصناديق السيادية لأبوظبي) من بيع أسهم في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم.
بموازاة ترجيح قيام شركاتٍ أُخرى بعمليات طرحٍ عام، تستطلع سوق أبوظبي للأوراق المالية أيضاً إمكانية دعوة شركات الاستحواذ ذات الأغراض الخاصة (SPAC) للإدراج في البورصة بعد استيفاء بعض الشروط. ويكشف السويدي أن ” القابضة” تستكشف خطوات أُخرى، مثل دعوة صناديق الاستثمار العقارية والصناديق المتداولة في البورصة ومُصدري السندات للطرح في بورصة أبوظبي، التي تهدف إلى مضاعفة القيمة السوقية للأسهم المتداولة خلال السنوات الثلاث المقبلة، والبالغة 750 مليار درهم (204 مليارات دولار) في نهاية ديسمبر 2020.
وقت السداد
لكن إقناع الشركات المحلية بالإدراج هو فقط نصف التحدي.
فحملة الترويج لبورصة أبوظبي تواجه شكوكاً من قِبل المستثمرين الدوليين، خاصة بعد الخسائر الناجمة عن سلسلة من عمليات شطب الشركات العامة في سوق دبي المالي.
مثل هذه التجارب قد تعني أن بعض المستثمرين الأجانب إما سيبتعدون عن الأسواق المحلية، أو سيطالبون بخصومات أكبر للأسعار للمشاركة في أي اكتتابات عامة مرتقبة.
تَعتبر إيكاترينا إليوشينكو، مديرة الاستثمار في مؤسسة “يونيون إنفستمنت بريفاتفوندس”، مقرها فرانكفورت، أن “الشركات الإماراتية “اختفت” من خريطة الاستثمار الدولية بعد “الاستحواذ” على أموال المستثمرين، من خلال عمليات شطب لشركات مدرجة في البورصة، بالإضافة لممارساتٍ مالية غير قانونية. بالنظر إلى ذلك، فإننا سنطالب بخصم على تقييم الأسهم الجديدة قيد الإدراج في بورصة أبوظبي، بما يأخذ في الاعتبار مبدأ حوكمة الشركات”.
وتخضع كل من بورصتي أبوظبي ودبي للرقابة من قبل هيئة الأوراق المالية والسلع ومقرها أبوظبي، والتي يواجه عملها الرقابي الكثير من الانتقادات، وأُلْقِيَ عليها باللوم لإخفاقها في تحسين قواعد الامتثال والإفصاحات بين الشركات المدرجة.
المنافس السعودي
فيما تسعى بورصة أبوظبي لتحقيق هدفها المتعلق بجذب الاكتتابات العامة الأولية الجديدة، تلوح في الأفق بورصة منافسة هي “تداول” في المملكة العربية السعودية، صاحبة الاقتصاد الذي يناهز ضعف حجم اقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة.
مع الإشارة إلى أن أحجام التداول في سوق أبوظبي للأوراق المالية ما زالت ضعيفة مقارنة بالرياض، مقر أكبر بورصة في الشرق الأوسط. لكن الفارق الجوهري قد يرجع إلى السجل الحافل للجهة التنظيمية السعودية الأفضل في تطبيق قواعد السوق. على النقيض من ذلك، أدّت العديد من التجاوزات في الإمارات، مثل شطب شركاتٍ مدرجة في البورصة بدون سابق إنذار، إلى تآكل ثقة المستثمرين.
تحدّي السيولة
بموازاة الجهد الترويجي، يجري التغيير على قدم وساق في سوق أبو ظبي للأوراق المالية. حيث يتم تنفيذ سلسلة من التغييرات الفنية التي تهدف إلى تحسين سيولة التداول وزيادة حجم السوق. بفضل تلك التغييرات، ارتفعت أحجام التداول في بورصة أبوظبي منذ بداية 2021، بينما ظلت منخفضة في منافستها المحلية دبي.
بلغت قيمة الأسهم المتداولة في سوق أبوظبي للأوراق المالية منذ بداية 2021 حتى نهاية أبريل أكثر من القيمة الإجمالية لعام 2020 بأكمله. كان الدافع وراء هذه الطفرة زيادة نشاط التداول لأكبر 6 أسهم، التي تشكل مجتمعة 85% من المؤشر العام لبورصة أبوظبي.
برأي محمد علي ياسين، الرئيس التنفيذي للاستراتيجية في شركة “الظبي كابيتال” (Al Dhabi Capital)، فإن “هدف سوق أبوظبي للأوراق المالية لناحية تعزيز رسملة السوق، لا يمكن أن يتحقق إلاّ من خلال إدراج شركات جديدة وأكبر حجماً”.
مؤكداً أن “مستويات السيولة تحسنت بشكلٍ كبير. وهذا بحد ذاته سيجعل سوق أبوظبي للأوراق المالية أكثر جاذبية للاستثمار فيها بالنسبة للمؤسسات والمستثمرين على المدى الطويل”.
المصدر: لبنان 24