باتت طوابير السيارات التي تنتظر لساعات أمام محطات المحروقات لتعبئة خزاناتها بالوقود، من المشاهد اليومية في لبنان في ظل فشل المسؤولين في إدارة الأزمة واقتصار حلولهم على “مخدر مؤقت لمرض بات انتشاره أسرع في الجسم اللبناني” وفق مواطنين.
وتؤكد جهات معنية في قطاع المحروقات أنّ التقنين الذي يتبعه أصحاب المحطات قد يتحول إلى قاعدة يجري العمل بها في حال استمرار أزمة الدولار، واستيراد البضائع، والنقص الحاد في المخزون وكذلك الأمر بالنسبة إلى ساعات الفتح التي تتقلص يومياً، إذ إنّ المحطات تعتمد كلّ الوسائل المناسبة من أجل تفادي الانقطاع التام لمادة البنزين.
بينما يشكو المواطنون من إجراءات تمييزية تتبعها أكثرية المحطات عند تعبئة البنزين، إذ أضحت “الواسطة” أو المحسوبية، تلعب دورها أيضاً في هذا المجال، فتسمح لمعارفها بالتزود بكميات كبيرة في حين تحرم من دونهم أو توفر كميات لا تزيد قيمتها عن 20 دولاراً أي 30 ألف ليرة لبنانية وفق سعر الصرف الرسمي البالغ 1515 ليرة وهي كمية لا تكفي، لا سيما مع استهلاك السيارات كميات كبيرة بسبب الازدحام المروري.
كما زادت شكاوى مواطنين من محطات تطلب مبلغاً مالياً معيناً يصل إلى عشرين ألف ليرة أي حوالي 13 دولاراً وفق سعر الصرف الرسمي، مقابل تزويد سيارة الشخص بالبنزين أو “تفويل” (الملء بالكامل) الخزان، إضافة إلى شكاوى طاولت أيضاً سوء نوعية البنزين المستعمل واللعب في العدادات.
وفي مقابل الشكاوى المتعددة من شح البنزين والممارسات غير القانونية التي تتبعها محطات وقود كثيرة، قال مصدر في وزارة الاقتصاد لـ”العربي الجديد” إنّ “الوزارة تقوم مع الجهات الأمنية المعنية بحملة مداهمات في مناطق لبنانية عدة لمراقبة عمل المحطات، من أجل تلبية حاجات الناس بكميات كافية من البنزين وعدم التلاعب في العدادات، وقد جرى تسطير محاضر ضبط عدة في أكثر من محطة على هذا الصعيد، فيما الحملة مستمرة ومكثفة على الأراضي اللبنانية كافة”.
لكنّ عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات، جورج البراكس، شدد في تصريح خاص على “ضرورة قيام وزارة الاقتصاد بدورها على صعيد التلاعب بالعدادات أو عمليات الغش التي تحصل والتي نشجبها حتماً ونضعها في إطار سرقة المواطنين بهدف تحصيل أرباح طائلة”. وأضاف البراكس أنّ “نوعية البنزين المستخدم تنطبق عليها المعايير ومواصفات وزارة الطاقة والمياه، لكن من الممكن أن تحصل عمليات شراء للبنزين عبر الغالونات لتباع في السوق السوداء بعد خلطها بمواد أخرى ما يؤثر حتماً على نوعيتها فتصبح مضروبة ومغشوشة”.
وعلى صعيد ارتفاع الأسعار، هناك عوامل عدة من شأنها أن تؤثر في جدول ترتيب الأسعار، أولها سعر برميل النفط الذي انخفض العام الماضي حتى 25 دولاراً بفعل جائحة كورونا وما رافقها من قيود إقفال وحظر تجول ووقف الرحلات الجوية ويعاود اليوم الارتفاع ملامساً 69 دولاراً مع استئناف الحركة الاقتصادية والتجارية والسياحية الدولية، إضافة إلى أزمة سعر صرف الدولار في لبنان والحسابات الخاصة المرتبطة بالجدول انطلاقاً من سعر الصرف في السوق السوداء، وفق عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات.
وتوقع البراكس أن تتحسن الأوضاع الأسبوع المقبل، مع وصول الباخرة الحاصلة على موافقة مسبقة من مصرف لبنان يوم الأربعاء الماضي، وبدئها بتسليم كمياتها إلى السوق منذ الخميس الماضي، مضيفاً أنّ هناك بواخر إضافية ستصل بدءاً من الاثنين، وهذه البواخر ستبدأ التفريغ فوراً لأنّها حاصلة على موافقة مسبقة من البنك المركزي ما يضفي بعض الارتياح لكن ليس لوقتٍ طويل لأنّ المخزون لا يكفي أكثر من أسبوعين بينما المخزون الاستراتيجي يجب أن يكون لشهر على الأقلّ.
ولفت إلى أنّ النقص في مادة البنزين يتخطى 40% من الاحتياجات الفعلية للسوق، مؤكداً أنّ هناك حاجة ماسة إلى مزيد من البواخر، فالطلب على المادة سيرتفع حتماً خلال هذه الفترة ومع رفع قيود الإقفال.
وأشار إلى أهمية إعطاء المصرف المركزي الموافقة على بواخر أخرى “خصوصاً خلال فصل الصيف الذي يشهد عودة لعدد من المغتربين الذين بمجيئهم إلى لبنان وصرفهم الدولار يعيدون تحريك الدورة الاقتصادية والتجارية وينشّطون السوق بالدولار الذي نحتاج إليه لشراء البضائع المستوردة”.
وأعرب عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات عن خشيته من أن يتعايش المواطن مع تقنين البنزين، في ظلّ شحّ الحلول وما تستغرقه من وقت لترجمتها ميدانياً، مضيفاً: “حتى أنّ تشكيل الحكومة في حال جرى قريباً لن يوفر الدعم المالي الخارجي السريع إلى لبنان، بل سيكون هناك انتظار للمسيرة الحكومية وبرنامجها الإصلاحي ومدى التزام المسؤولين به وتطبيقه، بينما نحن اليوم بحاجة إلى حلول سريعة تضمن استمرار الاستيراد والحفاظ على مخزون كافٍ لتأمين حاجات الناس من البنزين”.