كتبت رجاء الخطيب في “الديار”:
كاد يخيّل للمودعين أن استعادة أموالهم أصبح أمرا طي النسيان حتى قام حاكم مصرف لبنان رياض سلامه بتصريح تلفزيوني يوم الإثنين المنصرم تحدث فيه عن «انه وإبتداءً من نهاية حزيران سيتم دفع ٥٠ الف دولار للمودعين ٢٥ الف دولار نقدا (فرش دولار) و٢٥ الف بالليرة اللبنانية، وهذا الموضوع سيحل الامور نهائيا للمودعين الصغار وعددهم يتعدى المليون و٣٠ الف حساب، وهذا يؤكد بان العمل الذي يقوم به المصرف المركزي عمل صامت الا انه يقوم بالعمل اللازم لإعادة الثقة بالقطاع واستقطاب العملات النقدية الموجودة في البيوت».
فهل هذا الأمر ممكناً؟ وإذا كان كذلك، كيف سيتم تمويل العملة الصعبة في ظل الحديث عن نفادها؟
وما هو رأي المصارف في هذا ألأمر؟
لهذه الغاية قامت «الديار» بالإتصال بكبير الاقتصاديين في مجموعة بنك بيبلوس الدكتور نسيب غبريل الذي أكد أن طرح سلامة ليس بجديد وهو كان قد تم طرحه مسبقاً ولكن المستجد هو جزئية دفع نصف المبلغ بالعملة اللبنانية، كما أكد شرط أن يخضع الطرح للتفاوض بين المصرف المركزي والمصارف التجارية ممثلة بجمعية المصارف وتحت غطاء قانوني.
يكمل غبريل شارحاً أن الغطاء القانوني هذا والذي يتمثل بمشروع قانون الكابيتال كونترول الذي يتضمن بنداً يسمح بموجبه للمودعين بسحب جزء من ودائعهم بالدولار، وبالتالي فإن هذه المبادرة منبثقة عن هذا القانون.
غبريل الذي شدد على أهمية التفاوض مع المصرف حول آلية التنفيذ، أكد أنه من غير الممكن أن يتم فرض الأمر على المصارف في ظل وضع إقتصادي صعب وشح بالعملات الأجنبية ناجم عن أزمة الثقة التي بدأت اواخر العام ٢٠١٧ وانفجرت في تشرين من العام ٢٠١٩ وأدت بدورها إلى تراجع حاد بتدفق رؤوس الأموال إلى لبنان وظهور سوق موازٍ لسعر صرف الدولار في أيلول من العام ٢٠١٩، ومن ثم شبه توقف لتدفق رؤوس الأموال بعد تعثر الحكومة عن تسديد سندات اليورو بوند.
بالتالي هناك ضرورة أن توافق هذه المبادرة ما بين قدرة المصارف على الإستمرارية وضمان خدمة عملائها من جهة وقدرتها على تنفيذ البنود بشكل يراعي الشح الذي سبق وتم ذكره لأنه من المجدي جداً للإقتصاد اللبناني ضمان إستمرارية المصارف التجارية والدور الذي تلعبه.
اما عن مصادر التمويل إعتبر غبريل أن المصرف المركزي قد يكون قادراً على تأمين الجزء المتوجب دفعه بالعملة اللبنانية، بينما يبقى السؤال عن كيفية تأمين الدولار، فهل سيكون عبر إحتياطي العملات الأجنبية الذي لامس الإحتياطي الإلزامي عن طريق تخفيض النسبة عن ١٥ ٪ لتحرير جزء من هذه الأموال – وهو الخيار الأنسب وفق غبريل-؟ أم عبر ال ٣٪ من الودائع بالعملات الأجنبية التي طلب المصرف المركزي من المصارف التجارية عبر التعميم ١٥٤ إعادة تكوينها في حساب محرر من أي إلتزامات لدى مصارف مراسلة في الخارج؟!
غبريل الذي رأى أنه كان من الأجدى لا بل من البديهي أن يتم إقرار قانون الكابيتال كونترول منذ العام ٢٠١٩ لو وجدت النية الجدية لمعالجة الأزمة كما حصل في ستينيات القرن الماضي إبان أزمة بنك انترا حيث تم إقرار القانون نفسه في وقت قياسي وأدت مهمته ليتم إعادة رفع القيود تدرجياً، إعتبر أن المبادرة هي جزء صغير من خطة إصلاحية شاملة يتوجب وضعها لتعالج الاختلالات في المالية العامة، إعادة هيكلة القطاع العام، الوضع النقدي، الوضع المعيشي، الإنكماش الإقتصادي وضرورة إعادة النمو الإقتصادي إلى الحياة عبر خطة تقوم بوضعها حكومة جديدة وتذهب بها إلى المفاوضات مع صندوق النقد الدولي للوصول إلى إتفاق تمويلي إصلاحي.
ولإستطلاع أراء إضافية، قامت الديار بالإتصال بمدير عام البنك اللبناني السويسري وأمين الصندوق في جمعية المصارف السيد تنال الصباح الذي رجح أن تقوم المصارف بإستعمال نسبة الـ ٣٪ مما كونته من قيمة الودائع بالعملات الأجنبية لدى البنوك المراسلة كون الدولار غير متوفر ويتوجب استيراده.
الصباح إعتبر أن هذه المبادرة تحل جزءا كبيرا من الأزمة كون ٧٠٪ من زبائن المصارف هم من المودعين ممن يملكون حسابات ما دون الـ ١٠٠,٠٠٠ دولار وباعطائهم أموالهم سوف يسهم في تسهيل أمورهم، كما توقع أن تنطلق المبادرة في وقتها بنهاية حزيران مقدراً أن تستغرق حوالي السنتين إلى ثلاث لتنفيذها بشكل كامل.
اما عن كيفية قوننة هذه المبادرة، إعتبر الصباح أن الأمر يعود لمصرف لبنان ومجلس النواب وقد يتم دمج المبادرة مع قانون الكابيتال كونترول ليقوم بعدها القطاع المصرفي بتنفيذ تعاميم مصرف لبنان وقوانين مجلس النواب كما جرت العادة، ولكن سيكون التنفيذ على مضض كون تأمين هذه السيولة لن يكون بالأمر الهين.