بين آمال الهجرة وقيود الواقع تضيق الخيارات مع اشتداد الأزمة الاقتصادية الأسوأ في تاريخ لبنان الحديث. فبعد أن سجّل لبنان عام 2019 مغادرة 66924 لبنانياً من دون عودة، وهي النسبة الأكثر ارتفاعاً لجهة عدد المغادرين خلال السنوات الخمس الأخيرة، تراجعت الأعداد في عام 2020 لتستقر عند حدود 17700 مهاجر. مع الأخذ في الاعتبار ما فرضته جائحة «كورونا» من إغلاق لحدود الدول وضبط حركة طيرانها والوافدين إليها.
يشير الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، إلى أن 17700 لبناني هاجروا في عام 2020 مقارنةً مع 66924 غادروا البلاد من دون عودة في عام 2019. «الفرق الشاسع يعكس نقصاً في الفرص لا في الراغبين»، يقول شمس الدين.
الأرقام التي تراجعت بين عامَي 2019 و2020، كانت قد ارتفعت بين عامَي 2018 و2019؛ من 33 ألفاً في عام 2018 إلى 66924 في عام 2019، أي بزيادة نسبتها 100% بين العامين. ترافقت حينها مع انتفاضة شعبية رفع فيها المحتجون على فساد الطبقة الحاكمة مطالب سياسية واقتصادية واجتماعية.
وبحسب دراسة أجرتها «الدولية للمعلومات» في نهاية عام 2019، 70% من المغادرين تُراوح أعمارهم ما بين 25 و35 عاماً. حقيقة اقتصادية لا بدّ من التعامل معها على أسس واضحة وعادلة، خصوصاً أن لبنان، الفاقد للاستقرار السياسي والأمني والغارق في انهياره الاقتصادي، سيكون حتماً أمام موجة جديدة من هجرة أبنائه مع فتح مطارات الدول وعودة الحياة نسبياً إلى طبيعتها.
وفي التفاصيل، تظهر الدراسة أن عام 2019 شهد النسبة الأكثر ارتفاعاً لجهة عدد المغادرين في السنوات الخمس الأخيرة والبالغ عددهم 147700مهاجر، توزّعوا على النحو التالي:
– 16 ألفاً في عام 2016
– 18 ألفاً في عام 2017
– 33 ألفاً في عام 2018
– 66924 في عام 2019
– 17700 في عام 2020
تعكس أرقام السنوات الخمس الأخيرة، برأي شمس الدين، مؤشراً على «تسارع وتيرة الهجرة التي ستزداد موجاتها وتحديداً في صفوف من يمتلكون جنسية مزدوجة»، موضحاً أن «من يحملون الجنسية اللبنانية عددهم 5 ملايين و500 ألف، هاجر منهم ما يقارب المليون و300 ألف، حيث شهدت السنوات الممتدة ما بين عام 1975 وعام 1990 مغادرة 600 ألف، وما بين عام 1990 وعام 2019 غادر ما يقارب 680 ألفاً».
في السياق عينه، ومنذ عام ونصف عام تقريباً، وضع الباحث اللبناني بطرس لبكي بين أيدينا مؤلّفاً حول هجرة اللبنانيين منذ أكثر من قرن ونصف قرن. في كتابه المعنون «هجرة اللبنانيين: 1850 ـــ 2018 مسارات عَوْلَمة مبكرة» (دار سائر المشرق ــــ 2019)، فنّد أرقام المهاجرين كالتالي:
«في عام 2015 بلغ عدد المهاجرين 170 ألفاً ليرتفع في عام 2016 إلى 39 ألفاً وينخفض في عام 2017 إلى 24 ألفاً، و12 ألفاً في عام 2018.
أمّا المهاجرون بين عامَي 1975و1990، فبلغ عددهم 900 ألف، وبين عامَي 1990و2018 فاقوا المليوني مهاجر».