كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
أسبوع كامل مرّ على تعهّد مصرف لبنان بتحرير «بدلات» فواتير الأدوية المحتجزة في المستودعات والتي استوردت قبل صدور آلية جديدة تقضي بحصول المستوردين على موافقة مسبقة من «المركزي»، من دون أن يلتزم الأخير بالصرف. الحصيلة؟ فقدان مئات الأدوية من السوق، منها 87 دواء للأمراض السرطانية والمزمنة. أما النتيجة، فهي ازدياد الشرخ بين مصرف لبنان والوزارة، إذ لم تعد الأزمة اليوم أزمة فقدان بقدر ما هي «أزمة ثقة»، دفعت بالوزارة إلى طرح حلول وتنازلات، ليس أقلّها مطالبة «المركزي» بتحديد قيمة شهرية لاستيراد الأدوية الأساسية
لم يتصاعد الدخان الأبيض من الاجتماعين «الطارئين» اللذين عقدهما وزير الصحة العامة، حمد حسن، أمس، للوصول إلى حلٍّ لأزمة انقطاع الدواء. لا اجتماع الصباح في مبنى الوزارة مع المعنيين في قطاع الدواء ولا اجتماع لجنة الصحة النيابية في المجلس النيابي كانا يحملان فرجاً بقرب انتهاء أزمة فقدان المئات من الأدوية من الصيدليات والمستشفيات. والسبب ليس في صعوبة الوصول إلى خطة تحدّد الأولوية الدوائية، وإنما في الوصول إلى حسابات حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة.
حتى يوم أمس، لم يكن الحاكم قد ترجم تعهّده – الذي قدّمه قبل أسبوع – بصرف الأموال اللازمة للمستوردين وأصحاب الشركات لقاء «تحرير» الأدوية من المستودعات، والتي كانت قد وصلت قبل صدور آلية الحصول على موافقة مسبقة من المصرف المركزي. وقد قدّر وزير الصحة العامة الأموال التي في ذمّة المركزي بـ212 مليون دولار أميركي، كفيلة بتغطية ما يقرب من 70% من الأدوية المفقودة في السوق، بحسب تعبيره. لم يصرف المركزي، فيما التوزيع الذي كان قد بدأ قبل أسبوع لم يكن يسير بالوتيرة التي أرادتها الوزارة بسبب «أزمة الثقة» التي خلّفها مصرف لبنان، على ما تقول مصادر «الصحة». اليوم، لا تزال المفقودات في قطاع الأدوية أكثر من الموجودات، وغالبيتها من «الأصناف» ذات الأولوية في حياة المرضى، ويذكر منها حسن على سبيل المثال لا الحصر أدوية أمراضٍ سرطانية ومزمنة مفقودة من السوق وفي بعض الأحيان لا بدائل لها. وفي هذا السياق، يشير حسن إلى 87 دواء من تلك الأدوية مفقودة كلياً «وهناك مرضى تضرروا بسبب فقدانها»، وقد وصل الفقدان أيضاً إلى «الإبر التي تُعطى للحوامل أثناء الولادة». إلى هنا وصلت الأزمة. أما السبب؟ فإن كانت المسؤولية الأساس تقع على عاتق المصرف المركزي الذي يرفض صرف المبالغ المطلوبة لتوزيع الأدوية على الصيدليات وتسهيل وصولها إلى المرضى تالياً، إلا أن المشكلة الأخرى تكمن في «استهتار المستوردين وأصحاب المستودعات بحياة الناس، إذ يربطون صرف أدوية أساسية للناس بقبض الأموال».
هذه الأزمة تحديداً كانت عنوان الاجتماع الذي عُقد في لجنة الصحة النيابية، حيث تحدث الوزير حسن عن 3 معوّقات تمنع الحل المؤقت، لا النهائي، لأزمة الدواء: في المقام الأول هناك أزمة صرف الفواتير العالقة، التي «يمتنع» مصرف لبنان إلى الآن من صرفها، وهو ما انعكس في استمرار النقص الحادّ في الأدوية في السوق. ويتبع هذا الأمر امتناع مصرف لبنان أيضاً عن «مصارحة» الوزارة، على ما تقول المصادر، بقيمة المبالغ التي يمكن أن يرصدها شهرياً لاستيراد الأدوية، على أن تعدّ الوزارة لائحة بالأولويات تعدّل كلما استدعت الحاجة. أما المعوق الثالث، فهو عدم استجابة المركزي إلى الآن لمطلب الوزارة، والذي يقضي بتزويدها بـ«كل الفواتير المدعومة» لكي يصار إلى مراقبتها وتتبع مسار توزيع الدواء لدى المستودعات والصيدليات.
يتضمّن أحد سيناريوهات الحلول المؤقتة التوافق مع المصرف المركزي على «بدل» شهري محدّد للاستيراد
لكنّ أياً من تلك المطالب لم يُنفذ، رغم وعد المركزي بتزويد الوزير حسن بالإجابة أمس. وأمام هذا الواقع، نقل حسن النقاشات إلى اجتماع الثلاثاء المقبل، حيث من المفترض أن تُطرح خلالها سيناريوهات الحلول، قبل «ردّ الخبر» إلى المعنيين في قطاع الأدوية. وفي هذا السياق، تشير مصادر الوزارة إلى أنه «وإنْ كان الحل مرتبطاً بمدى تجاوب مصرف لبنان، إلا أن الوزارة ستلتزم بأي مبلغ يعلن عنه المركزي، شرط ألا يقل عن الـ60 مليون دولار أميركي شهرياً لنتمكن من تغطية الأولويات»، وهو ما أشار إليه أيضاً رئيس لجنة الصحة النيابية، عاصم عراجي، بالقول إنه من الممكن الاتفاق على مبلغ محدد شهرياً لدعم لائحة الأولويات، مستبعداً في الوقت نفسه الوصول إلى حل نهائي للأزمة.
على جانب آخر، لم يحمل اجتماع الوزير حسن مع المعنيين في قطاع الأدوية أيّ جديد، إذ كان في الشكل والمضمون جلسة استعاد خلالها كل طرف سرد ما يعانيه من مشاكل. وفي هذا السياق، كانت الصرخة الأبرز لدى نقابة مصنّعي الأدوية المحلية، حيث أعلنت نقيبة أصحاب المصانع الوطنية، كارول أبي كرم، عن وصول الكثير من المصانع إلى حافة الإفلاس، مشيرة إلى أن الواقع اليوم «لم يعد عدم تحقيق أرباح، بل دخلنا مرحلة تسجيل الخسائر». وتعيد السبب إلى اقتصار الدعم على المواد الأساسية «التي تشكل فقط 30% من الكلفة، فيما الكلفة المتبقية تتأتّى من شرائنا المواد المحلية إما بالدولار الفريش أو بالليرة على أساس سعر الصرف في السوق». وكانت مطالبة أبي كرم لحسن بأن يعاد النظر في خطة استيراد الدواء لناحية دعم المنتج المحلي. أما نقيب أصحاب المستشفيات الخاصة، سليمان هارون، فقد كان أكثر تطرفاً، لناحية المطالبة بتعديل آلية الدعم، بحيث «لا تمر عبر المستوردين، وإنما عبر الصناديق الضامنة، على أن يجري الاتفاق بين الاثنين على الكميات والأسعار». وهذا يتطلب العمل على تعديل لائحة أسعار المستلزمات على الأقل لدى الجهات الضامنة، وهو ما يُعد من المستحيلات اليوم في ظل الأزمة الحالية.
وفي ما يخص أزمة المستلزمات والكواشف المخبرية، فقد عمل الوزير على تشكيل لجنة من المعنيين لإعداد خطة بالأولويات في هذا القطاع أيضاً.