«المرض ما بينطر». فيما تتجه الأنظار إلى تعاميم مصرف لبنان والخلافات السياسية، مرضى السرطان يبحثون عن دوائهم المقطوع، ويتكبدون تكاليفَ إضافية ليست بالحسبان لعلاجهم. «وصلت لمرحلة ما بدي كفي العلاج»، هذا ما قاله شفيق رزق الله بعدما كان عاجزاً عن تأمين تكلفة علاجه كونه مريض بسرطان الرئة، في العقد الخامس من عمره، ويخضع لجلسات العلاج الكيماوي.
تتكفل وزارة الصحة بعلاجه، إلا أن المستشفيات رفعت تعرفة الجلسات لتبقى تغطية الفرق على نفقته الخاصة. فبين تأمين الدواء من السوق السوداء، وإرتفاع تكلفة العلاجات وفحوصات الدم والكلى، يدّق شفيق أبواب الجمعيات شهرياً للبقاء على قيد الحياة. شفيق هو واحد من بين مرضى كُثر يبحثون عن تأمين تكلفة علاجهم ودوائهم قبل لقمة عيشهم.
فلماذا المستشفيات رفعت تكلفة العلاجات؟ كيف تسعى الجمعيات للتقليص من معاناة مرضى السرطان؟ ما هي الحملة التي أطلقها مركز سرطان الأطفال في لبنان وكم هو معدل مبلغ العلاج لمريضٍ واحد بالسرطان سنوياً؟
يفتقر لبنان لأرقام حديثة حيال عدد مرضى السرطان إلا أنه «إحتلّ المرتبة الأولى بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بمرض السرطان قياساً بعدد السكان»، بحسب تقرير صدر عن منظمة الصحة العالمية عام 2018. ووفقاً للتقرير هناك «242 مصاباً بالسرطان بين كل 100 ألف لبناني، فيما سُجلت أكثر من 17 ألف إصابة جديدة في 2018، ونحو تسعة آلاف وفاة بالمرض».
المستلزمات الطبية إلى إرتفاع… والمريض يتكفل!
يؤكد نقيب المستشفيات د.سليمان هارون، في حديثٍ لـ «الديار»، أن «هناك فوضى كبيرة بشأن تسعير المستلزمات الطبية، حيثُ نشتري بعض من المستلزمات على أساس سعر صرف الدولار في السوق السوداء. وبالنسبة للمسلتزمات المدعومة، فندفع 15 في المئة منها على أساس 13 ألف ليرة للدولار الواحد». ويضيف د. هارون موضحاً أن «إرتفاع تكلفة المستلزمات الطبية أدّى إلى رفع الأسعار في المستشفيات، في حين أن التعريفات مع الجهات الضامنة لم تتغير، وبالتالي يتكبد المريض هذه الفروقات». ويختم د.هارون: «في حال تمّ رفع الدعم عن المستلزمات الطبية، فتكلفة الإستشفاء سترتفع ثمانية أضعاف».
الجمعيات بالمرصاد
تعمل الجمعيات ما بوسعها لتلبية حاجات مرضى السرطان، إذ يشير هاني نصار، رئيس جمعية برباره نصار التي تُعنى بدعم مرضى السرطان، إلى أن «الجمعية تجمع الأدوية من مرضى أنهوا علاجهم، وبدلاً من تلفلها، تمنحها مجاناً إلى مرضى بحاجة لها». ويوضح نصار أنه تم تلبية حاجات المرضى خصوصاً هذه الفترة في ظلّ إنقطاع بعض أدوية السرطان أو توافرها في السوق السوداء بأسعار باهظة.
كما وأطلقت الجمعية مجلس أطباء يتضمن 48 طبيباً، 31 منهم أخصائيين بالدم والأورام، و17 منهم أخصائيين بمعالجة مختلف أنواع مرض السرطان. وفي السياق، يقول نصار: «إن دور هذا المجلس هو القيام بحملات توعوية للوقاية من المرض، كما خلق مجموعات لتثقيف المريض عن حالته الصحية ومنحه الدعم المعنوي. فكل طبيب سيكون مسؤول، وفق إختصاصه، عن مجموعة من المرضى لديها نوع المرض عينه، لإنشاء برامج ولقاءات، يتشارك المرضى من خلالها خبراتهم ويدعمون بعضهم البعض».
حملة للتبرع بطريقة سهلة
أطلق مركز سرطان الأطفال في لبنان حملة بعنوان «Easy Giving» أو التبرع بطريقة سهلة بحيث تسمح للأفراد التبرع إفتراضياً من دون متابعة العملية المعتادة. وفي هذا الإطار، تشير المنسقة التنفيذية لقسم التسويق والإتصالات في مركز سرطان الأطفال في لبنان دارين أبو عمو لـ»الديار» إلى الخطوات اللازمة للتبرع: «يدخل الفرد إلى الموقع الإلكتروني الخاص بالحملة (cccl.org.lb/easygiving)، يختار التبرع إما بالليرة اللبنانية إما بالعملة الأجنبية. يختار المبلغ الذي يريده ويوافق أخيراً على عملية التبرع».
معالجة أكثر من 2,040 طفلاً
إنّ مركز سرطان الأطفال يعالج المصابين بإعتماد كلّي على التبرعات ومن دون أي تكلفة على الأهل. وتؤكد أبو عمو أن «المركز عالج، منذُ تأسيسه حتى اليوم، أكثر من 2,040 طفلاً وقدم أكثر من 5,000 إستشارةً طبية للمرضى. وخلال عام 2020، تمكّن المركز من علاج أكثر من 564 مريضاً، كما يعالج حالياً ما يقارب 350 طفلاً من حديثي الولادة حتى عمر 18 سنة».
أما بالنسبة لتكاليف العلاج فتقول أبو عمو إنها «تبلغ بمعدل 55 ألف دولار سنوياً حيث يمكن أن تتراوح التكلفة من 40 ألف دولار إلى 200 ألف دولار، وفترة العلاج غالباً ما تستمر ثلاث سنوات. وبالتالي حاجة المركز السنوية قدرها 15 مليون دولار. لذلك يكثف المركز جهوده لجمع التبرعات، وضمان إستمرارية خدماته للأطفال المرضى».
أمام هذا الواقع، بات إتكال المرضى على الجمعيات وإتكال الجمعيات على المتبرعين. وبالتالي تكاتف اللبنانيين هو الحلّ الأول وقد يبدو الأخير كون المعنيين يهتمون بالكرسي والمنصب بعيداً عن تطبيق دورهم الفعلي. وفي حال كانت الأزمة السياسية والإقتصادية تنتظر حلول السياسيين، فـ»المرض ما بينطر»…
المصدر: ليبانون فايلز