كتب جاسم عجاقة في “الديار”:
الوصاية المالية الدولية على لبنان أصبحت قريبة! هذا ما يُمكن قوله من خلال تطوّر الأحداث مع إعلان الرئيس الفرنسي عن مبادرة بالتشارك مع شركاء دوليين لضمان استمرار الخدامات العامّة لمساعدة المواطنين اللبنانيين في ظل أزمة حادّة. هذا وينعقد غدًا مؤتمر لدعم الجيش اللبناني حيث من المتوقّع أن تُشارك فيه عشرون دولة على الأقل، منها دول عربية بالإضافة إلى فرنسا والولايات المُتحدة الأميركية. والتوجّه هو نحو تأمين المواد الغذائية واللوجستية الضرورية للمؤسسة الجيش اللبناني لكي تستمر في القيام بمهامها في ظل توقعات بتردّي الوضع الأمني إلى مستويات خطرة لن يكون هناك من حلّ لضبط الأمور إلا باستمرار عمل المؤسسة العسكرية.
لكن الأصعب في الأمر أنه ومع اضمحلال الدولارات في القطاع المصرفي، سيكون هناك صعوبات كبيرة إن لم نقل استحالة بالاستمرار في استيراد المواد الغذائية والأولية للمواطنين. وإذا كانت الأنظار تتجّه نحو المبادرة الفرنسية التي أعلن عنها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلا أن المُستقبل محفوف بمخاطر جمّة ستجعل من لبنان دولة غير قادرة على الاستيراد إلا بضمانة من دول أو تكتّل دول لكي تقبل المصارف المراسلة فتح اعتمادات للمصارف اللبنانية. وهذا الأمر لا يُمكن وصف سوئه إلا من خلال مشاهد المجاعة التي قد تضرب الطبقة الفقيرة في لبنان والتي تقبع في فقر مُدقع عميق!
التحذيرات الدولية
هذه السيناريوهات التشاؤمية حذّرت وُتحذّر منها المؤسسات الدولية، وعلى رأسها البنك الدولي الذي أطلق تقريرين: الأول يخصّ لبنان ككلّ والثاني يخصّ المؤسسة العسكرية! ففي التقرير الأول توقع البنك الدولي أن يسقط لبنان في أزمة هي من بين أسوأ ثلاث أزمات اقتصادية منذ منتصف القرن التاسع عشرّ نظرًا إلى سرعة تردّي الوضع الاقتصادي والاجتماعي مع ديناميكية فقر في تطوّر سريع نحو الأسوأ حيث يُمكن القول إن أكثر من 90% من الشعب اللبناني سيُصبح في حال عوز مع حاجة أكثر من نصف الشعب إلى مساعدات غذائية مباشرة!
في التقرير الثاني، حذّر البنك الدولي من أن تردّي الوضع المالي والاقتصادي سيضرب مؤسسة الجيش وسيمنعها من القيام بمهامها كما يجب، نظرًا إلى كل ما تُقدّمه الدولة اللبنانية من خلال الموازنة للجيش اللبناني هو عبارة عن معاشات أصبحت قيمتها متدنّية مع تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية مُقابل الدولار الأميركي في السوق السوداء، وفي ظل غياب كامل للأجهزة الرقابية وتقاعسها عن منع التهريب والاحتكار والتعاملات المُخالفة للقانون.
عمليًا هذه التحذيرات ليست الوحيدة، فقد صدر مؤشر الدول الفاشلة للعام 2021 حيث احتل لبنان المرتبة 34 على 179 دولة وتوقعاتنا أن يكون لبنان في المراتب العشر الأولى في العام المُقبل إذا ما استمرّ الوضع على ما هو عليه. كل هذا في ظلّ شللّ سياسي قاتل يُمكن الاستنتاج منه أن القرار ليس محليًا كما يُحاول الإيحاء بذلك بعض المسؤولين، وإلا فإن ما يقوم به المعنيون يُمكن تصنيفه بجريمة ضد الشعب اللبناني.
الشللّ السياسي
هذا الشلّل أصبح العائق الأساسي والوحيد أمام الخروج من الأزمة مع ربط المساعدات المالية الدولية والاستثمارات العالمية بعملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي. هذا الأخير يرفض التفاوض إلا مع حكومة أصيلة لا تزال بعيدة المنال حتى الساعة.
وحتى الساعة، لم تستطع أي من الدول الشقيقة التي أعلنت جهوزيتها لمساعدة لبنان ماليًا، ترجمة هذه الجهوزية نظرًا إلى صعوبة التعاطي المباشر مع الدولة اللبنانية، خصوصًا أن العالم أجمع ربط التعاطي مع الدولة اللبنانية من خلال حكومة «قادرة على القيام بإصلاحات» و»قادرة على عزل لبنان عن الصراعات الإقليمية» كما ورد في بيان وزارة خارجية الاتحاد الأوروبي العام الماضي.
وبالتالي، وفي ظل غياب الحكومة، أصبحت كل القرارات الاقتصادية والاجتماعية والمالية غير مُمكنة، خصوصًا أن حكومة تصريف الأعمال أعلنت بكل وضوح عن التزامها بتصريف الأعمال بمعناه الضيق. وهذا الأمر يجعل من لبنان رهينة جشع عصابات تُحاول الاستفادة من مآسي المواطنين اللبنانيين.
الهجرة
هذا الإطار الأسود يدفع اللبنانيين خصوصًا الطبقة المُتوسّطة إلى الهجرة، نظرًا إلى أنها طبقة تتمتّع بمؤهلات علمية وخبرات طويلة تجعلها مؤهّلة للهجرة بنظر الدول الأخرى. على هذا الصعيد، يُمكن ذكر هجرة أكثر من 1200 طبيب أو هجرات مئات الممرضين والممرضات وأساتذة الجامعات والمدارس. وبالتالي، من المتوقّع أن يُحرم لبنان من الطبقة المتوسّطة التي هي عماد الاقتصاد وعماد مالية الدولة (من خلال الضرائب).
والأخطر في الأمر أن بعضاً من هؤلاء لن يعود إلى لبنان أو أقلّه سيتركون لبنان لفترة لا تقلّ عن خمس سنوات، وبالتالي سيكون لذلك تداعيات كارثية على عملية التعافي حين يتم الاتفاق مع صندوق النقد الدولي نظرًا إلى غياب هذه اليد العاملة الفاعلة.