من المفترض أن تبدأ المصارف تباعاً تطبيق تعميم مصرف لبنان رقم 158، إبتداءّ من هذا الشهر، على الرغم من صعوبة التنفيذ والإجراءات اللوجستية الواجب إتباعها مع عملاء المصارف والمودعين، والإشكاليات المطروحة لناحية إعتبار المصارف أنّ ذلك سيساهم في استعادة المودعين الصغار لودائعهم عبر تقسيطها، من دون الضغط على العملة من جهة، وحقيقة أنّ باطن هذا التعميم سيؤدي الى تحميل كلفة اضافية للمودعين، ما يعني تجميد هذه الحسابات المصرفية باسلوب يشكل حماية للمصرف على حساب المودع من جهة اخرى.
وبسبب عدم وضوح القرار وآلية التنفيذ بعد، فإنّ أسئلة مشروعة يطرحها المواطن، ما سيكون سعر الصرف في السوق الموازية، هل ستشتري المصارف الدولار من هذه السوق، ما يعني حكماً ارتفاع نسبة الشراء وبالتالي زيادة سعر الدولار على المبيع، أي مصيبة بعد ينتظرها اللبناني، وأي سقف لحدود الدولار المتفلت؟.
لنعد بالذاكرة قليلاً الى الوراء، وتحديداً عندما رفض مصرف لبنان تمديد المهلة أمام المصارف لتطبيق التعميم 154، الذي كان يوجب على المصارف زيادة رأسمالها بالدولار بنسبة 20 بالمئة، وتأمين نسبة 3 بالمئة من ودائعها مع المصارف المراسلة في الخارج. ما حصل حينها كان جنونياً، ارتفع الدولار بشكل هستيري ووصل فجأة الى الـ15000 ليرة، ولم يعد ينخفض، ومنذ ذاك الحين والدولار يرتفع اكثر فأكثر، فهل يتكرر هذا السيناريو المأسوي اليوم ايضاً مع التعميم 158؟.
لا حدود للدولار
من الصعب التكهن بما سيحصل، وخصوصاً ان السوق الموازية تعتمد على آلية العرض والطلب، ولكن التجارب السابقة، سيئة الصيت، تجعلنا في بلد المفاجأت من النوع السام والقاتل، بالتالي لا حدود لسقف ارتفاع الدولار طالما أنّ الامور متفلتة عن كل رادع وعقاب.
ثمة مؤشرات تؤكد أنّ المصارف تلجأ الى السوق الموازية لشراء الدولار من أجل تأمين مصادر تمويل السحوبات بالدولار، على الرغم من خروج مصرفيين يؤكدون ان الكلام عارٍ من الصحة، وبأنّ المصارف لا حاجة لها بالسوق لشراء الدولار، فبحسب الاتفاق مع مصرف لبنان، فإنّ “المركزي” هو الذي سيؤمن جزءا من هذه السحوبات من خلال اجراءات معينة، والجزء الآخر سيتم تأمينه من خلال المصارف. وهذا ما ينفيه أحد كبار الصرافين في السوق الموازية في حديث لـ”لبنان 24″ حيث يؤكد أنّ بعض المصارف قامت وقبل فترة بسيطة وكخطوة استباقية لبدء تطبيق التعميم 158، بشراء الدولار من السوق الموازية، وهو ما أدى الى هذه الفورة الجنونية بسعر الصرف، حيث ارتفع الدولار فجأة الى 17000 ليرة ومن ثم وصل الى الـ18000 ليرة.
سحب دولار
يؤكد الصراف انّ نسبة كبيرة من “السحب” حصلت في الاسابيع الاخيرة، “تم بيع دولار بشكل جنوني في السوق، اشتراها اصحاب المصارف قبل التعميم، وبالتالي فإنّه مع ارتفاع نسبة بيع الدولار، ارتفع سعر صرف الدولار مقابل الليرة”.
فهل من توقع معين لسقف حدود ارتفاع الدولار في حال استمرت بعض المصارف بشراء الدولار من السوق الموازية؟، يقول الصراف: “يعتمد هذا على حركة البيع والشراء بالدرجة الاولى، حقيقة أنّ ليس كل المصارف بدأت بتطبيق التعميم، يجعلنا امام واقع انّ هذه المصارف وعندما ستطبق الـ158، قد تلجأ الينا لشراء الدولار، وحينها قد يكون هناك احتمالية لارتفاع السعر مقابل الليرة وقد تتخطى الـ20 الف ليرة”.
الحلقة الاضعف
ينتظر الصرافون كما المصارف، آلية تطبيق التعميم، كل الاحتمالات واردة بناء لحركة العرض والطلب في السوق الموازية، لا سقف لحدود ارتفاع الدولار وحتماً الحلقة الاضعف هو المواطن. اللبناني الذي دمرته حركة السوق ودمرّه زعماء بلاده ومحاصصاتهم، المواطن الذي يشهد على اسوأ مرحلة من تاريخ لبنان، على ذل ولقمة عيش مغمسة بالدم، على واقع لا مفر منّه إلاّ “بطلوع الروح”، تلك الروح التي تئن ببطء وتنتظر من ينتشلها من نيران لبنان المستعرة. فإلى متى؟.
لبنان 24