بعد الإضراب المفتوح للصيدليات احتجاجاً على عدم تسلّمها الكمّيات المطلوبة من الأدوية، وبعد الاجتماعات المطوّلة بين المعنيين، يبدو أنّ الفرج بات قريباً. لكن تبقى الآمال معلّقة قيد التنفيذ إلى حين بتّ كل الأمور ووضع النقاط على الحروف، والإجابة عن كل الأسئلة المشروعة وغير المشروعة.
ما يشهده القطاع الدوائي في لبنان لا يختلف عن باقي القطاعات. تهريب، تخزين وفوضى في ظلّ غياب آليات جدّية لتنظيم هذا القطاع والحدّ من الهدر الفاضح. مستودعات مخزنة، “ابتزاز الوكلاء” و”التهريب ماشي”، فيما الصيدليات تئن من الشحّ الحاصل، ويُذَلّ المواطن يومياً لإيجاد أدويته اليومية.
يؤكّد مصرف لبنان أنّ استمرار الدعم سيكون للأدوية المزمنة والمستعصية، فيما سيُرفع الدعم عن الأدوية الأخرى، وستصدر وزارة الصحّة نهار الثلثاء لائحة بهذه الأدوية وتصنيفها.
صحيح أنّ البعض لجأ إلى التهديد والتحذير من كارثة صحّية ستقع في تموز نتيجة نفاد مخزون الأدوية، إلا أنّ ما سيقَرّ مطلع الأسبوع المقبل من شأنه أن يوقف عمليات تهريب الأدوية المدعومة وضمان توفّرها في السوق اللبناني.
ولكن كما يقول المثل “ما تقول فول قبل ما يصير بالمكيول”، وعلينا أن نعيش كل يوم بيومه، لأنّ أزمة الدواء كباقي الأزمات الحياتية، تصطدم كلّ ساعة بواقع وعراقيل جديدة.
لا يُخفي رئيس اللجنة الصحّية النيابية الدكتور عاصم عراجي أسفه مما آلت إليه أمور هذا البلد. يكشف لـ”النهار” أننا “علمنا أنّ مصرف لبنان سيباشر بدفع الفواتير حسب الأولويات، التي تمّ الاتفاق عليها مع وزارة الصحّة منذ شهر ونصف. وعليه، سيُدفع لمستوردي الأدوية الأولويات التي تبلغ قيمتها نحو 535 مليون دولار. فيما يطالب المستوردون بدفع هذه الفواتير زائد فواتير الأدوية التي تم استيرادها قبل قرار 7 أيار (الحصول على موافقة مسبقة من مصرف لبنان قبل استيراد أيّ دواء) . وهنا تكمن نقطة الخلاف، فقد أُدخِلت أدوية إلى لبنان من دون موافقة مسبقة من مصرف لبنان”.
إذاً، المشكلة واضحة بين مصرف لبنان ومستوردي الأدوية. والحلّ اليوم يقضي بدفع هذه الأولويات إلى حين المضيّ في آلية لاستيراد الأدوية في المستقبل، وخصوصاً أنّ المستوردين أصدروا بياناً يقضي بعدم استيراد الأدوية نتيجة عدم فتح الاعتمادات من مصرف لبنان، أي بالمختصر بيان تهديدي وتحذيري.
ويشير عراجي إلى أنّ مصرف لبنان أعلن وجود 400 مليون دولار للدواء والطحين وأمور أخرى، من دون المسّ بالتوظيفات الإلزامية. “فيما كان الحديث بيننا وبين مصرف لبنان تأمين 50 مليون دولار شهرياً لتأمين الدواء، بينما كنا ندعم الدواء بمبلغ 108 ملايين دولار شهرياً. علماً أنّ هذا المبلغ الأخير كبير. والمشكلة الحقيقية أننا كنا نستورد الدواء من كلّ الدول، ما أدّى إلى انفلات في سوق الدواء. ولا يمكن أن ننكر أنّ هذا القطاع كان مربحاً، وخصوصاً أنّ 5000 صنف من الدواء كانت تدخل إلى لبنان ولم يكن تباع كلّها. وحسب التقديرات هناك نحو 35% إما يرد إلى بلد المنشا وإما يُتلَف”.
لذلك، وفق عراجي، “إذا لم نضع أولوية حسب حاجة السوق بالإضافة إلى وقف التهريب فسنشهد أزمة دواء مماثلة لأزمة المحروقات (أي يوم في ويوم ما في). لغاية اليوم، لا رؤية واضحة، ونحن في انتظار الاجتماع مع وزير الصحّة نهار الثلثاء، للبحث معه بشأن الاتفاق بينه وبين مصرف لبنان ومعرفة هذه الأولوية وتصنيفها (الأدوية المزمنة والمستعصية والمناعة). في المقابل، على مصرف لبنان إعطاء رؤية واضحة وصريحة عن قدرته في دعم الدواء، حتى نستطيع تحديد الأولوية في هذا القطاع”.
ويختم قائلاً: “ما يجري ليس مقبولاً لا شرعاً ولا ديناً ولا قانوناً ولا أخلاقياً. للأسف حرام يصير بالبلد هيك”.
من جهته، يؤكد نقيب الصيادلة في لبنان غسان الأمين لـ”النهار”، أنّ “وزارة الصحّة في صدد إصدار لوائح بالأدوية وتصنيفها. ومن المفترض الانتهاء منها نهار الإثنين، لتُعلن في مؤتمر صحافي نهار الثلثاء. ولكن المؤكد أنّ أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية والمناعة لن يُرفَع عنها الدعم فيما سيُرفع عن باقي الأدوية، وبعضها لا يحتاج حتى إلى وصفة طبّية”.
ويضيف أنّ “أزمة الدواء إلى انفراج بعد بدء مصرف لبنان توقيع الفواتير. أما الأدوية التي سيُرفع عنها الدعم فستشهد منافسة بين الوكلاء لخفض الأسعار. وإذاً سيدعم مصرف لبنان الأدوية الأساسية بمبلغ 50 مليون دولار شهرياً. ونأمل أن نشهد مطلع الأسبوع المقبل حلحلة في هذا الموضوع”.
أما بشأن اتهام نقيب الصيادلة السابق بالتقاعس في حماية مصلحة الصيادلة، فيردّ الأمين قائلاً: “بينما نحن مشغولون بتأمين الدواء وعقد اجتماعات مع الجهات الضامنة، هناك من ينشغل في رمي الاتهامات في ظلّ اقتراب الانتخابات. لذلك أقول لكل من يتهمني بأنني لست إلى جانب الصيادلة، يكفي أنهم أعطوني صوتهم فيما فشل آخرون في الحصول على أصواتهم”.