كتبت راجانا حمية في “الأخبار”:
406 أدوية منتجة محلياً خرجت أمس من دعم الـ 1500 ليرة إلى الـ 4800 ليرة، و1500 دواء آخر معلب محلياً ومستورد على أساس سعر صرف 12 ألف ليرة لبنانية. لئن كانت لائحة الأدوية المحلية لم تأخذ صدى يذكر، نفض المعنيون أيديهم من لائحة الأدوية المعلّبة والمستوردة التي جاءت خارج توقعاتهم، على ما يقولون. يأخذ هؤلاء على تلك اللائحة أنها ابتكرت سعر صرف سيزيد الأزمة في السوق، إذ أعلن المستوردون ــــ وإن سرّاً إلى الآن ــــ أن لا حبة دواء ستأتي. هذا الأمر إن عنى شيئاً، فهو أن الدولة مدعوّة إلى إعادة النظر في اللوائح بما يعفي من فقدان الأمن الدوائي، ولو تطلب الأمر لائحة أخرى تعلنها الدولة عن الاستيراد المباشر
بعد طول انتظار، أصدرت وزارة الصحة العامة، أمس، لائحتين بالأدوية التي يفترض أن تخرج من عباءة الدعم. في اللائحة الأولى، ضمّنت الوزارة الأدوية المنتجة محلياً بشكلٍ كلي، والتي تتضمن ما يقرب من 406 أدوية أعادت الوزارة ترتيب أسعارها على أساس سعر صرف 4800 ليرة لبنانية للدولار الواحد، فيما ضمت اللائحة الثانية 1500 دواء معلّب محلياً ومستورد بموجب ترخيص، على أساس سعر الصرف 12 ألف ليرة لبنانية للدولار، آخذة بالاعتبار الوصول إلى الحد الأقصى من التسعير الذي تعتمده الدولة على الأقل حتى الآن. وإن كانت بعض المصادر تشير إلى إمكانية أن تكون تلك التسعيرة خاضغة للتعديل كلما دعت الحاجة، وتذهب مصادر أخرى إلى القول أن يكون التعديل «كل 15 يوماً»، وهو أمر ليس محسوماً بطبيعة الحال.
«12 ألف ليرة» هي حصيلة آخر النقاشات التي استمرت لساعات، أمس، في وزارة الصحة، بعدما كان التوجه صباحاً بالتسعير على أساس سعر صرف 9 آلاف ليرة لبنانية. غير أن النقاش أخذ من الجدل ما يكفي للخروج بتلك الخلاصة التي كانت تتوقع من خلالها الوزارة ضرب عصفورين بحجرٍ واحد: «إرضاء» مستوردي الأدوية ودفع مكاتب الشركات العالمية إلى تخفيض أسعار أدويتها «البراند» بحيث تقترب من أسعار أدوية الجينيريك من ناحية، وإبقاء أسعار الأدوية ضمن الهامش الذي يضمن حصول السكان على أدويتهم من ناحية أخرى… وإن كان وزير الصحة العامة، حمد حسن، حاول «تسكيج» الواقع من خلال الإشارة إلى إمكانية دعم تأمين هذه الأدوية في مراكز الرعاية الصحية الأولية بأسعارٍ مقبولة وعبر الجمعيات.
عدّلت وزارة الصحة العامة جعالة الصيادلة بحيث خفضتها من 22,5% إلى 16%، والمستوردين من 11% إلى 6%
لكن، على ما يبدو، فإن حسابات الحقل لم تطابق حسابات بيدر نقابة مستوردي الأدوية ولا الصيادلة… ولا حتى الجزء اليسير من المستهلكين الذين باتوا في معظمهم أقرب إلى خط الفقر منه إلى الاستقرار. وفي هذا السياق، وقبل أن تخفت ضجة صدور لوائح الأدوية الخارجة من الدعم، أتت الضجة من نقابة مستوردي الأدوية الذين أعلنوا «عصيانهم»، وخصوصاً لناحية تسعير لائحة الـ 1500 دواء على أساس الـ 12 ألف ليرة للدولار. مشكلة هؤلاء في الفارق ما بين الشراء والمبيع، إذ «كيف يمكن أن نشتري الدواء على أساس سعر صرف السوق السوداء والذي وصل أمس إلى 24 ألف ليرة لبنانية، فيما تطلب منا الوزارة بيعه في السوق على أساس سعر 12 ألف ليرة؟»، يتساءل نقيب المستوردين، كريم جبارة. لا يجد هؤلاء مخارج للحلول على أساس المطروح، إلا في حالة واحدة «أن تؤمن لنا الوزارة الدولارات كي نستورد»، يضيف جبارة، أو «تركنا نشتري ونبيع على أساس سعر الصرف اليومي للدولار». أما على سعر الـ 12 ألفاً؟ فلن «يكون هناك استيراد». لكل هذه الأسباب، يقول جبارة «إننا لن نحلّ المشكل»، لافتاً إلى أن التوجه هو العودة إلى النقاش مع الوزارة «لكي نفهم لماذا اختار الوزير هذا الأمر».
على الطرف الآخر من المعادلة، سواء بقيت لائحة الـ 1500 دواء على سعر «منصة» الـ 12000 أو خرجت كلياً من الدعم، فإن الحلقة الأضعف هي السكان، فالخسارة واقعة هنا بالنسبة إلى هؤلاء وجلّهم من الفقراء. فأن تصبح كلفة علبة البنادول مثلاً بحسب نوعها وكميتها تتراوح أسعارها ما بين 36 ألف ليرة و75 ألف ليرة، فقد بات شراؤها مستحيلاً، وكذلك الحال بالنسبة الى adol، وهي أدوية تستهلك كثيراً، التي باتت أسعارها تتراوح ما بين 46 ألفاً (advil children) و105 آلاف advil joint. أما بعض المضادات الحيوية (يقال لها «أدوية الالتهابات»)، فقد تضاعفت أسعارها بشكلٍ كبير، ويمكن إعطاء مثال عن دواء amoxicilline الذي تتراوح أسعاره ما بين 485 و504 و608 آلاف ليرة، وamoclan ما بين 41 و82 ألفاً ودواء aitius للحساسية الذي يبلغ سعره 79 ألفاً وغيرها الكثير.
هذه الأسعار، غير النهائية بطبيعة الحال، هي ما تنتظر السكان في حال التوافق على سعر الـ 12 ألفاً. فماذا لو لم يجر التوافق على تلك التسعيرة، فكيف سيكون المرضى قادرين على شراء أدوية كانت حتى وقتٍ قريب يبلغ سعرها 4 آلاف و500 ليرة وباتت اليوم بسعر الـ 80 ألفاً… والتي ستصبح على سعر السوق السوداء 160 ألفاً؟ الجواب يتطلب هنا إحصاء لمن لا يزالون قادرين على الدفع، وهذا مشكوك فيه.
أما الصيادلة، فخوفهم في مكانٍ آخر. من ضياع ما تبقى من رؤوس أموالهم، حيث لفت نقيب الصيادلة، غسان الأمين، إلى صدور قرارٍ عن الوزارة يقضي بتعديل جعالة الصيادلة من 22,5% إلى 16% وكذلك الحال بالنسبة إلى أرباح المستوردين، بخفضها من 11% إلى 6%.
إلى ذلك، لم تخرج إلى العلن اللائحة المدعومة لحدوث مشاكل تقنية في البرنامج. لكن، في العناوين العريضة، لفت الوزير حسن، في مؤتمر صحافي عقده صباح أمس، إلى أن لائحة الأدوية المدعومة تشمل كل أدوية الأمراض السرطانية والمستعصية والمزمنة والأمراض العصبية والنفسية والحليب ولقاحات الأطفال والبنج، على أن يطال الدعم في غالبيته «الجينيريك». ولئن كان الهدف المباشر من هذا الدعم هو التخفّف من ثقل الفاتورة لناحية الاستفادة من السعر الأدنى، مع الحفاظ على الجودة، إلا أن الهدف غير المعلن هو الضغط على الشركات الكبرى للتعديل في الأسعار لكي تبقى ضمن إمكانات السكان ولكي تبقى في السوق اللبناني.