كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن”:
بمجرد أن تكون هناك منصتان لسعر صرف الدولار في السوق الموازية، واحدة رسمية معروفة بـ”sayrafa”، والثانية تتحكم بها تطبيقات مجهولة المصدر، فهذا يعني أن إمكانية التلاعب بالسوق كبيرة جداً. وفي ظل غياب النية بتوحيد السعر على المنصتين، فان سعر الصرف سيبقى محكوماً بالمضاربة.
منذ مطلع الأسبوع الحالي بدأ مصرف لبنان بالإعلان يومياً عن حجم التداول على منصة صيرفة والسعر الذي سجله الدولار مقابل الليرة. وبحسب البيانات فان حجم التداول بلغ 2 مليون دولار يوم الإثنين الفائت بمعدل 14400 ليرة لبنانية للدولار الواحد، و3 ملايين دولار بمعدل 16500 ليرة للدولار الواحد، ليوم الثلثاء. هذه الأرقام على ضآلتها تعني بحسب المستشار المالي د. غسّان شماس “طلباً تجارياً وليس فردياً، مهما حاول المستوردون التذرّع بتعقيدات المنصة وإنكار تعاملهم معها. إذ إنه من المستحيل لفئتي أولياء الطلاب في الخارج، أو للمستفيدين من خدمات غير اللبنانيين في المنازل أو غيرهم من الفئات المحصورة بالأفراد الذين يحق لهم الإستفادة من المنصة، ان يرفعوا الطلب إلى اثنين وثلاثة ملايين دولار في اليوم الواحد. وعليه فان هناك تجاراً وصناعيين من المسموح لهم التداول على المنصة يفضلون تحويل الدولار المقبوض من زبائنهم نقداً، وصرفه بالسوق على السعر المرتفع من ثم يشترون الدولار من منصة صيرفة على سعر أقل من السعر المتداول في السوق”. إلا أن ما يثير الإنتباه، من وجهة نظر شماس، هو أن “هذا الفرق في السعر بين المنصة والصرافين، والذي بلغ نهار أمس الأول 1500 ليرة، يتيح للمستوردين تحقيق هامش من الربح يتراوح بين 20 و25 في المئة. وإذا افترضنا أن تاجراً باع 100 ألف دولار على سعر 18 ألف ليرة في السوق، واشترى مئة ألف دولار على سعر 16500 ليرة، فيكون قد ربح 150 مليون ليرة.
لمّ الليرات
هذه العمليات التي من المستحيل أن تكون مخفية على “المركزي”، يغضّ النظر عنها قصداً، لأنها تساهم بشكل غير مباشر في تطبيق سياسته الرامية إلى طباعة الليرات من جهة، ولمّها من السوق من الجهة الثانية للسيطرة على سعر الصرف. وهذا ما يظهر واضحاً من خلال انخفاض منسوب الليرات بين أيدي الصرافين. “حيث أن حاجة البعض الماسة إلى الليرات تدفعهم إلى التخلي عمّا يحملونه من دولارات مقابل سعر أقل”، يقول شماس. “وهذا ما يأخذنا مباشرة إلى الطريقة الثانية التي تمثلت قبل يومين باشتراط “المركزي” على شركات المحروقات دفع ثمن الشحنات كاملة بالليرة نقداً، خلال مهلة 48 ساعة من الإستحصال على الموافقات المسبقة”. هذا الشرط الذي تراجع عنه المركزي تحت الضغط السياسي كان يعني أن مستوردي مادتي البنزين والمازوت تأمين ما لا يقل عن 80 مليار ليرة لكل باخرة محملة بالمحروقات قبل استيراد الكميات، وبيع 90 في المئة من قيمتها في السوق على سعر 3900 ليرة”. ما تراه مصادر الشركات أمراً مستحيلاً، كان سيؤدي، بحسب شماس، إلى “انخفاض موقت في سعر صرف الدولار، نتيجة زيادة الطلب بشكل كبير وبوقت قياسي على الليرة. هذا في حال أرادت الشركات فتح الإعتمادات. أما في الحالة المعاكسة فهذا كان يعني استمرار أزمة المحروقات ووقوع البلد في العتمة الشاملة”.
التوازن المستحيل
صحيح أن حصر الوقت لتأمين الليرات لفتح اعتمادت المحروقات بيومين يهدف إلى منع المضاربة في السوق، إلا أنه يعمق الأزمة الإجتماعية ويزيد مأساة المواطنين. فما المعاناة التي نعيشها اليوم إلا نتيجة استمرار تغطية مصرف لبنان عجز السلطة بطبع عشرات آلاف المليارات من الليرات، والتي من المتوقع أن تكون تجاوزت 45 ألف مليار مع نهاية هذا الشهر. وهذه الخطة ستتعمق أكثر مع كل عملية ترشيد للدعم، ولن تنتهي قبل رفع الدعم كلياً. عندها يتفلت سعر الصرف من عقاله ولا يعود الطلب عليه ما يحدد قيمته إنما ندرته. وهذا ما “سيفشل خطة مصرف لبنان الرامية إلى تقليص الفرق بين السعر الرسمي المتداول بين المصارف ومصرف لبنان وبين سعر السوق”، برأي شماس، “حيث أن عمق الهوة بين السعرين سيدفع إلى رفع سعر صرف الدولار عن 1515، الأمر الذي سيدفع إلى إلزامية رفع رواتب نحو 320 ألف موظف في القطاع العام بأضعاف مضاعفة، وتعديل أجور العمال والمستخدمين في القطاع الخاص. كما أن مثل هذا التعديل سيدفع حكماً إلى زيادة قيمة القروض المأخوذة بالليرة والدولار وخلق أزمة إجتماعية، وبروز الحاجة إلى مئات المليارات من الليرات التي لن تتأمن في ظل عجز الدولة إلا من الطباعة. وبذلك يدخل البلد والإقتصاد في حلقة مفرغة من التضخم المفرط وانهيار القيمة الشرائية”. ومن وجهة نظر شماس فان المركزي “يسعى إلى تحقيق نوع من التوازن في ديناميكية سعر الصرف. حيث ان رفعه إلى سعر السوق يعني تعليقه بسعر المنصات وسحبه إلى مستويات كبيرة، أما تخفيضه فهو رهن كميات الدولارات التي يمكن ضخها. وفي جميع الأحوال فانه طالما سعر المنصة يرتفع فهذا يعني فشلها في تحقيق المطلوب منها”.
هذه الوقائع قد تدفع إلى تراجع مرحلي في سعر الصرف خلال اليومين القادمين أسوة بما حدث في فترة العيد في منتصف الأسبوع المنصرم، حيث أدت زيادة الطلب على الليرة وعدم توفّرها إلى انخفاض سعر الصرف عن الحد الأقصى الذي لامسه، مع اعتذار الرئيس سعد الحريري ووصوله إلى 23 ألف ليرة.