كتب أنطوان فرح في “الجمهورية”:
هل نبيع الدولار في هذه المرحلة؟ هل من المُقدّر ان يهبط سعر صرف الدولار الى مستويات متدنية في حال نجاح الرئيس المكلّف في تشكيل الحكومة العتيدة؟ هل الوقت مناسب لشراء الدولار ما دام سعره تراجع قليلاً عن سقف الـ23 الف ليرة الذي بلغه عقب اعتذار الحريري؟
هذه الاسئلة يطرحها اللبنانيون اكثر من سواها في هذه المرحلة. ولمزيد من الدقة، الغالبية تسأل اذا ما كان الوقت مناسباً لبيع الدولارات المُخزّنة في المنزل، تحسباً لهبوط دراماتيكي في سعر صرف الدولار. هذه الاسئلة إن دلّت الى شيء انما تدلّ الى امور ثلاثة:
اولاً، انّ قسماً لا يستهان به من اللبنانيين يخزّنون الدولارات، وهذا أمر بديهي.
ثانياً، انّ اللبناني لا يزال يؤمن بأنّ الليرة قادرة على استعادة عافيتها بسرعة، بدليل انّه وبمجرد تكليف الرئيس نجيب ميقاتي تشكيل الحكومة، انهالت الاسئلة في شأن بيع الدولارات.
ثالثاً، انّ وضع السوق الحرة هش، ويمكن ان يتفاعل بسرعة مع اي تغيير سياسي ايجابي، ليس لأنّ ولادة أي حكومة يمكن ان تغيّر المعادلة الاقتصادية، وتعيد الامور إلى طبيعتها، بل لأنّ كميات الدولارات التي قد تنزل الى السوق ستساهم في تخفيف الضغط على الليرة، ولو لفترة محدّدة.
ماذا يمكن ان نستنتج من هذا الواقع، وهل حان الوقت فعلاً لكي يبيع المواطن مدخّراته الدولارية؟
لا بدّ من إعادة التأكيد، انّ سعر الليرة المنهارة، وبصرف النظر عن التأثيرات النفسية المرتبطة بالوضع السياسي، لديه جانب مالي واقتصادي لا يمكن تجاهله لدى إجراء أي تقدير نظري للسعر الذي يفترض ان تبلغه الليرة. وهنا لا ينبغي ان نهمل الحقائق الرقمية التي تشير كلها الى انّ الليرة، حتى لو وصلنا الى وضع سياسي طبيعي، وهذا أمر مستبعد حتى الآن، لا تستطيع ان تتجاوز سقفاً محدّداً يرتبط بحجم الاقتصاد المنكمش بنسبة كبيرة تتراوح بين 40 و50%، وهي من نسب الانكماش القياسية التي قلّ أن شهدتها دول عانت الافلاس. كذلك، ينبغي ان نأخذ في الاعتبار انّ هناك حوالى 80 مليار دولار وربما أكثر، ضائعة ولا فائدة من البحث عنها لأنّها تبخّرت. كما يجب ان نحتسب نضوب الاحتياطي بالعملات، في مصرف لبنان، من دون ان ننسى سندات اليوروبوند، التي ينتظر الدائنون التفاوض حولها. كذلك، هناك مسألة التعقيدات التي يواجهها القطاع المالي المتمثل بالمصارف. الى كل ذلك، تواجه المالية العامة أزمات اضافية، وهي عاجزة عن تأمين التوازن المالي المطلوب لتخفيف الضغط على ميزان المدفوعات. وأخيراً، لا يزال الدعم مستمراً، سواء للمحروقات أو الطحين أو الدواء، ولو انّ وتيرته تراجعت وتقلّصت قياساً الى ما كان عليه في السابق، الّا انّ وقفه نهائياً ستكون له تأثيرات جذرية في مسألة سعر الصرف.
كل هذه العوامل، بالإضافة طبعاً الى الوضع السياسي العام، والمقصود هنا ليس المشهد الحكومي، بل المشهد الأكبر المتعلق بتموضع لبنان في نقطة يبدو عالقاً فيها، بسبب صراع المحاور، وتأثيرات وجود «حزب الله» على الموقف اللبناني حيال هذا الصراع. كل ذلك يقود الى مشروعية التشكيك بالتفاؤل حيال تغييرات ايجابية طويلة المدى في سعر صرف الليرة، خصوصاً انّ تجارب الدول التي سبقتنا الى الانهيارات المالية، تفيد بأنّه من النادر ان تتمكّن دولة من إعادة تحسين سعر صرف عملتها في خلال فترة التعافي وتنفيذ خطط الإنقاذ. وبالتالي، تعمد غالبية الدول في هذه الحالة الى القبول بواقع بقاء سعر عملتها منخفضاً، أو تعمد الى خلق عملة جديدة تحدّد قيمتها وفق الوضع المالي والاقتصادي المستجد، لتحلّ مكان العملة القديمة. وبما أننا في لبنان ما زلنا بعيدين من الوصول الى هذه المرحلة، يمكن الاستنتاج انّ موعد بيع دولارات المنزل لاقتناء الليرة، لم يحن بعد.