خَفَتَ الحديث عن زيادة ساعات التغذية بالتيار الكهربائي مذ تمَّت مراسم توقيع اتفاقية استيراد لبنان مليون طن من النفط العراقي. وكل ما بقي عالقًا في أذهان اللبنانيين، هو الوعود بتأمين الكهرباء وتقليص ساعات التقنين.
وعلى عكس حجم التهليل وتسليط الضوء إعلاميًا على عملية الاستيراد و”الجهود” التي بُذِلَت لانجاح الصفقة، لم تحظَ مرحلة ما بعد الاتفاق على اهتمام يُذكَر، سوى التأكيد على أن وصول الفيول المناسب لمعامل انتاج الكهرباء، سيبدأ نهاية شهر آب الجاري. فهل ستتراجع ساعات التقنين مع بداية شهر أيلول؟
خطأ في التقدير
الالتزام بالتوقيت المحدد يعني وصول الشحنات مع انتهاء فصل الصيف وتراجع حدّة استهلاك الكهرباء جزئيًا، ما يُمَكِّن مؤسسة كهرباء لبنان من التوفير في استهلاك الفيول. على أنَّ هذه الجزئية “لا يُعوَّل عليها لتحسين ساعات التغذية فعليًا. فالتقنين سيستمر لأن القاعدة الصلبة التي يُبنى عليها مشروع تقليص ساعات التقنين، هي توفير الفيول الذي يحتاج بدوره إلى توفير الاعتمادات المالية اللازمة بالدولار. وهنا بيت القصيد”، على حد تعبير مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، خلال حديث لـ”المدن”.
الفيول الآتي بعد معالجة النفط العراقي الثقيل، لن يكفي لأكثر من 4 أشهر، وهو ما أكّده وزير الطاقة ريمون غجر، مستندًا على معادلة حسابية مفادها أن حاجة لبنان للنفط سنويًا تبلغ نحو 3 مليون طن متري من الفيول، فيما ستؤمّن الاتفاقية مع العراق مليون طن. لكن ما تجاهله الوزير هو أن “الطن المُحتَسَب ليس سوى نفط خام، ومن غير المؤكد الحصول على الكمية عينها بعد تكريره ومعالجته ليصبح فيولاً مناسب لمعامل الكهرباء”. وبالتالي، ستتناقص الكمية ومعها ساعات التغذية، ولن تكفينا الكمية لأربعة أشهر.
الهدف في مكان آخر
لم تكد تمضي ساعات على توقيع الاتفاقية مع العراق، حتى أعلن غجر من مطار بيروت بأن النفط العراقي لن يزيد ساعات التغذية، وما زالت مؤسسة الكهرباء تحتاج لسلف خزينة لشراء الفيول. وهذه المعضلة، لا تتحمّل وزارة الطاقة وزرها، أي أنها “لا تتحمّل مسؤوليّة التقنين القاسي”، وهو ما قاله الوزير منذ نحو شهرين، راميًا المسؤولية على مصرف لبنان المناط به صرف الاعتمادات لتغطية سلفات الخزينة المُقَرَّة.
عدم صرف الاعتمادات بالكمية المطلوبة، لم يصرف نظر وزير الطاقة عن الصفقة الأساسية، وهي الإتيان بشحنات الفيول الفورية عبر ما يسمّى بالسبوت كارغو “Spot cargo”، وهو المشروع الذي فعَّله غجر منذ لقائه رئيس الجمهورية ميشال عون، مطلع شهر شباط الماضي، حين أكد له أن كمية الفيول المنوي استيرادها من العراق “غير كافية”. والحصول على الفيول عبر السبوت كارغو يعني فتح الاحتمالات أمام غموض التعاقد مع الشركات، وهو ما تبرع به وزارة الطاقة منذ نحو 10 سنوات.
لكن الوزارة رغم أهدافها المبيَّتة في ملف الفيول، تصطدم بواقع عدم توفر الدولارات للاستيراد. وهي إذ تستهدف مصرف لبنان، فإن الأخير لا يمكنه صرف الاعتمادات بالطريقة العشوائية المعهودة. فتبقى التغذية بالكهرباء معلّقة بين فتح الاعتمادات لتمويل سلف الخزينة، وبين كميات الفيول العراقي، والنتيجة واحدة: لا تحسُّن في ساعات التغذية. فمعملا دير عمار والزهراني وباخرتا الطاقة، ينتجون نحو 800 ميغاواط، ولا يمكن رفع التغذية إلى نحو 2000 ميغاواط، إلا بتأمين الدولارات لاستيراد الفيول. واستسهال التفريط بما تبقى من دولارات، سيُفضي للمس بالاحتياطي الإلزامي للمصارف لدى البنك المركزي، وهي أموال المودعين.
مع كامل المشهد السوداوي الذي تغرق به البلاد، “لا يمكن توقّع الأفضل حيال الكهرباء”، إلاّ إن أراد أحدهم تحمّل مسؤولية تجميل الواقع وإغراق الناس بالوعود الوهمية.