تستمر السلطة بمختلف مكوناتها بممارسة لعبة “الغمّيضة” مع مواطنيها. ولكن، بدل أن “تختبئ” وراء خطة إقتصادية محكمة تجنّبها “عيون” التضخم “المفتوحة على وسعها”، ونقمة المواطنين المتصاعدة، تتلطى خلف “إصبع” زيادة بدل النقل حيناً، ومحاولة زيادة الأجور حيناً آخر، وإعطاء سلفات غلاء معيشة أحياناً كثيرة. فمن بعد اقتراح النائب علي حسن خليل إعطاء القوى العسكرية مبلغاً مالياً قدره مليون ليرة لبنانية شهرياً لمدة 6 أشهر، تقدّم وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال غازي وزني بمشروع مرسوم للحصول على موافقة إستثنائية، لإعطاء سلفة خزينة بقيمة 600 مليار ليرة كمساعدة إجتماعية.
هذه السلفة التي تساوي أساس راتب شهري واحد، ستدفع على دفعتين متساويتين لموظفي وأجراء الإدارات العامة، الأجهزة العسكرية والأمنية، القضاة، السلك التعليمي بمختلف فئاته والمتقاعدين، وتسدد من اعتمادات وزارة المالية للعام 2022.
هذا الإجراء الذي يلعب على وتر الحاجة الماسة لبعض موظفي القطاع العام الحساس، يثير المخاوف من إنعكاساته السلبية، فبغض النظر إن كانت هذه السلفة ستسدد هذا العام أو الذي يليه، “فهي ستؤمن من طباعة النقود التي تغطي عبرها الدولة العجز المتصاعد بوتيرة كبيرة”، يقول الخبير الإقتصادي جان طويلة، “ذلك أن الإحتمال الآخر لتسديد السلف عبر زيادة الضرائب غير متاح… وعليه لا يبقى في الميدان إلا طباعة المزيد من الليرات والمساهمة في تدهور القدرة الشرائية أكثر”.
وبحسب طويلة فإن “عواقب هذا الإجراء ستتمثل في زيادة الطلب بشكل مباشر أو غير مباشر على الدولار وارتفاع سعر الصرف. الأمر الذي سيخلق موجة جديدة من ارتفاع الأسعار وامتصاص المساعدة بسرعة قياسية بالنسبة إلى موظفي القطاع العام، وتحمّل بقية المواطنين والفقراء والعاطلين عن العمل نتيجة هذه الزيادة بانهيار قدرتهم الشرائية أكثر، من دون أن يكونوا قد استفادوا بليرة واحدة”. وعلى هذا المنوال تعطي الدولة موظفيها “إبرة” مساعدة، وتأخذ منهم من الجهة الأخرى مع بقية الشعب اللبناني “مسلة” انهيار القدرة الشرائية للرواتب والأجور. المنطق الوحيد الذي يحكم مثل هذه الإجراءات هو “انتخابي صرف”، بحسب طويلة… مع العلم أن مثل هذه الطرق لم تعد تنطلي على اللبنانيين، الذين أدركوا جيداً لعبة إطالة الوقت وتعميق الإنهيار التي تنتهجها السلطة.