مما لا شك فيه أن لبنان يعتبر نموذجاً فريداً لناحية شكل الدعم الذي جرى اعتماده منذ بداية الأزمة الإقتصادية وإنهيار سعر صرف الليرة اللبنانية، فالدعم الذي بدأ في نهاية أيار 2020وشمل المواد الغذائية والمحروقات والدواء والطحين للمخابز، كلّف مصرف لبنان من اموال الإحتياطي الإلزامي الذي يعود للمودعين ما يفوق الـ12 مليار دولار على مدى عام تقريبا.
اليوم، مع إنتهاء الفائض الإضافي من الإحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان واتخاذ الحاكم رياض سلامة قراراً بوقف الدعم عن المحروقات بعد ان كان اتخذ قراراً مماثلاً بالنسبة للمواد الغذائية وكذلك خفّض الدعم للدواء والمستلزمات الطبية، يواجه سلامة معارضة شرسة من قبل فريقين اساسيين هما فريق رئيس الجمهورية حيث ابلغه اليوم رئيس الجمهورية اعتراضه على هذا القرار، وكذلك من قبل رئيس تكتل التغيير والاصلاح جبران باسيل الذي دعا الناس الى النزول الى الشارع اعتراضاً على قرار حاكم مصرف لبنان، وكذلك اعترض في هذا الإطار حزب الله معتبرا ان هذا القرار مجحف بحق اللبنانيين وخصوصاً خلال الأزمة المعيشية والحياتية التي يمر بها الشعب اللبناني.
وفي هذا الإطار، وإنطلاقاً من الموضوعية والمنطق العلمي الذي يعتمده موقعنا leb economy لا بد من الإضاءة على الحقائق الآتية:
1- نموذج الدعم المعتمد في لبنان يعتبر الأسوأ، إذ يشوبه الكثير من الخلل لا سيما لجهة عدم وضع الدولة اللبنانية وأجهزتها آليات مشدّدة للرقابة على كيفية صرف الدعم لضمان ذهابه مباشرة إلى الناس المحتاجة، مما افسح المجال واسعاً للكثير من الهدر وتحقيق مكاسب هائلة من قبل بعض المستفيدين والمافيات على حساب الشعب اللبناني وعلى حساب المودعين في المصارف اللبنانية.
2- إقرار الدعم كان لفترة زمنية محدودة، إلى حين إقرار حكومة حسان دياب خطة إنقاذية شاملة والدخول في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، وهو الجهة التي تضع وتقر برامج دعم إجتماعية لكن هذا لم يحصل. وكما يعلم الجميع ان هذه الحكومة وبدل ان تقر خطة إنقاذية قدّمت خطة كانت بمثابة خطة إفلاسية عندما إمتنعت عن دفع سندات اليوروبوندز. كما تلكأت حكومة دياب في إقرار البطاقة التمويلية التي من شأنها تمهيد الطريق أمام رفع الدعم الكلي.
3- أبلغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ أشهر السلطات المعنية، لا سيما رئيس حكومة تصريف الأعمال ووزير المالية ووزير الإقتصاد والتجارة وكذلك رئيس الجمهورية، بأن مبالغ المتاحة شارفت على النفاذ، وبالتالي دعاهم إلى التفتيش عن آليات أخرى جديدة لتدعيم الوضع الإجتماعي في لبنان. لكن هذا لم يحصل وإستمرت السلطة السياسية في المراوحة مكانها دون اي حلول، مستندة على أموال الإحتياطي الإلزامي وفرض واقع حاجات الناس الحياتية لفرض استمرار الدعم على حاكم مصرف لبنان.
4- مع نفاذ المبالغ التي يمكن إستخدامها من الإحتياطي الإلزامي للدعم، فإن حاكم مصرف لبنان وبحسب قانون النقد والتسليف لا يمكنه على الإطلاق إستخدام اي مبلغ إضافي من دون إصدار أو إقرار قانون من قبل مجلس النواب، فيما هناك إصرار من هذه القوى السياسية، أي رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر وحزب الله، على الإستمرار بالدعم لغايات سياسية.
5- ظهر في الآونة الأخيرة وخصوصاً خلال الثلاثة أو أربعة أسابيع الأخيرة، أن معظم كميات الدعم للمحروقات لم تذهب إلى السوق، إنما هناك مافيات وبعض الجهات الحزبية عمدت إلى تخزينها أو تهريبها إلى سوريا. وقد أبلغت الكثير من القطاعات الإقتصادية، لا سيما تلك التي خُصّص لها كميات من المازوت كالمصانع والمستشفيات والمولدات والأفران، السلطات اللبنانية المعنية أن حصّتها لم تصل لها وهي ملزمة بشراء المازوت من السوق السوداء، أي المازوت المدعوم ولكن بسعر يفوق سعره الحقيقي غير المدعوم.
6- يبدو أن إصرار رئيس التيار الوطني الحر ومن خلفه رئيس الجمهورية على تمديد مرحلة الدعم هي من أجل إطالة الهامش الزمني لفترة الكباش السياسي في محاولة للحصول على مكاسب سياسية من خلال تشكيل حكومة تستجيب لرغباتهم، بما يؤدي في النهاية إلى دعمهم في الإنتخابات النيابية المقبلة.
7- هناك مصلحة حزب الله في الإستمرار في استخدام الإحتياطي الإلزامي الذي هو حق للمودعين اللبنانيين، علماً أنه لا يوجد هناك أي فرد تابع لحزب الله لديه أي ودائع في المصارف اللبنانية، ويهدف حزب الى إستفادة قاعدته الشعبية من دعم المحروقات ولو كان ذلك على حساب المودعين اللبنانيين، وكذلك إمداد سوريا والنظام السوري بما يحتاجه عبر تهريب كميات ككبيرة من المحروقات عبر الحدود.
8- دون شك، الشعب اللبناني بحاجة ماسة لأي مساعدات وعطاءات لتدعيم وضعه المعيشي في ظل إنهيار الليرة اللبنانية، لكن بالمنطق العلمي والإقتصادي إن استمرار العمل في هذه الدوامة لن يكون مفيداً على المدى المتوسط لأن هذا الدعم سينتهي وستنتهي معه كل مقدرات لبنان من الإحتياطات بالدولار ويصبح البلد “على الأرض يا حكم”.
9- لو كان لدى القوى السياسية المعترضة على رفع الدعم فعلاً الإرادة، وحس المسؤولية تجاه الشعب اللبناني لتدعيم وضعه المعيشي والإجتماعي، كان عليها السير في الإتجاه المجدي خصوصاً بعد إنفجار مرفا بيروت، إذ كان عليها العمل ليلاً نهاراً وإنجاز تشكيل الحكومة على أبعد تقدير خلال أسبوع.
فليس خافيا على أحد أن الحل الخقيقي لتحسين وضع اللبنانيين المعيشي والحياتي وحتى الإقتصادي وظروف العمل وخلق فرص عمل جديدة وإنقاذ لبنان، هو في تشكيل حكومة تذهب مباشرة إلى تنفيذ خطة إقتصادية وإلى تنفيذ الإصلاحات والمفاوضة مع صندوق النقد الدولي لضخ الأموال بالعملة الصعبة من الخارج إلى لبنان، وتنفيذ برامج إجتماعية لمساعدة اللبنانيين. هذا هو الحل الحقيقي والصحيح.
النية الصادقة والمسؤولية الفعلية تكمن في هذا المجال فقط وليس لإعطاء اللبنانيين شيكات على حساب المودعين.
المسؤولية الحقيقية هي ان يقوموا هؤلاء المسؤولين بتحمل مسؤولياتهم الفعلية الوطنية وليس بيع مواقف وإتخاذ قرارت على حساب غيرهم.
9 حقائق “مُرَّة” على اللبنانيين معرفتها عن الدعم!
مقالات ذات صلة