لا شك أن ملف قطاع المحروقات في لبنان يتزايد تأزماً وتعقيداً، وخصوصاً في ما يتعلق باستيراد البنزين. فمصرف لبنان وحكومة تصريف الأعمال ممثلة بوزارة الطاقة لم يصلا حتى اللحظة إلى قرار موحد بشأن مسألة رفع الدعم عن استيراد المحروقات، ولا بشأن سعر صرف الدولار المفترض تحديده بفتح اعتمادات شحنات المحروقات التي تنتظر إدخالها إلى السوق. وعليه شارفت المحروقات في السوق على النفاد تماماً من دون أن تتضح الصورة بشأن إدخال شحنة بنزين مستوردة تنتظر في البحر.
لكن هذا الواقع ليس بالأمر المستجد على الشركات المستوردة للمحروقات. فالمماطلة وتناقض القرارات وسوء إدارة ملف المحروقات من المعنيين في وزارة الطاقة ومصرف لبنان إنما ينعكس مباشرة على المواطن اللبناني، وعلى المؤسسات اللبنانية التي نفد مخزونها من المازوت والبنزين. أما الشركات المستوردة للمحروقات فهي قطعاً تتشارك والسوق اللبنانية الإرباك عينه، لكنها تحافظ من دون أدنى شك على مستوى ربحيتها مهما كان سعر صرف الدولار المُعتمد من قبل مصرف لبنان في عمليات الإستيراد. وهذا ما لمسناه عند الانتقال من عملية الدعم وفق سعر الصرف الرسمي 1507 ليرات إلى سعر المنصة 3900 ليرة للدولار، حينها رفضت الشركات تسعيرة وزارة الطاقة للمحروقات وأصرت على رفعها بما يحفظ لها نسبة أرباح عالية.
المحروقات الإيرانية وقرار كورال
هذا العرض لواقع الشركات ينفي ذريعة شركة كورال Coral الدافعة لإغلاقها أبواب محطاتها كافة في لبنان. فـ”الشركة أعلنت أنها استوردت باخرة من مادة البنزين نظراً للشح الكبير في الأسواق، لكنها لا تزال واقفة في المياه الإقليمية منذ 11 آب 2021، موضحةً أن الدولة اللبنانية لم تقم بما هو متوجب عليها لتأمين مستلزمات التفريغ بغية إدخال الكميات المستوردة إلى السوق اللبنانية”. وعليه اعتذرت شركة كورال من زبائنها لعدم تمكنها، وللمرة الأولى، من تزويد المحطات بمادة البنزين اعتباراً من اليوم وذلك لنفاد الكميات في مستودعاتها.
وليست كورال وحدها فحسب، بل شركة توتال الفرنسية أيضاً ستتخذ القرار عينه، وفق ما يؤكد مصدر مطلع في حديث إلى “المدن”، وسيلحق بها عدد من الشركات المستوردة للمحروقات تباعاً. ويؤكد المصدر أن الشركات ستعلن تدريجياً إغلاق أبوابها في وجه المواطنين في سبيل ممارسة الضغوط على الدولة اللبنانية، وبقرار، حسب المصدر، “صادر من وراء البحار”، اتخذ بالتوازي مع الإعلان عن استيراد المحروقات من إيران.
إخبار برسم الجيش
ويؤكد مصدر آخر في حديث إلى “المدن” بأن قرار شركة كورال التي يملكها الاشقاء أوسكار وأنطونيو وإدغار يمّين ويتشارك معهم في ملكية عدد من اسهم الشركة الوزير السابق الياس بو صعب، قررت إغلاق محطاتها “موقتاً” وليس نهائياً، كاشفاً عن أن خزاناتها وباقي الشركات المستوردة للمحروقات تحتوي على كميات وافرة من المازوت والبنزين تتراوح بين 250 مليون و300 مليون ليتر من المحروقات، داعياً الجيش اللبناني إلى الكشف بنفسه على خزانات الشركات.
أما شركة ليكويغاز وهي مملوكة من الأخوين يمّين أيضاً فلم يُتخذ قرار حتى الحظة بإغلاقها مع عدم استبعاد الأمر في وقت لاحق.
وتجدر الإشارة إلى أن شركة توتال أعلنت أن الباخرة المحملة بالمازوت والبنزين لصالحها بدأت بتفريغ حمولتها يوم الأربعاء 18 آب بعد الحصول على موافقة مصرف لبنان، معربة عن التزامهتا بتسليم كامل الكمية على شبكة محطاتها كما ستبدأ بالتسليم الفوري للبنزين والمازوت.
ويعلّق المصدر على قدرة “كارتيل” النفط في لبنان على مواجهة وتطويع الدولة، و”كما تمكّن من إفشال الدولة سابقاً بعملية المشاركة باسيتراد البنزين، يحاول اليوم ممارسة الضغط على مشروع استيراد المحروقات من إيران”، وخصوصاً أن مسألة استيراد المحروقات من إيران لن تكون كافية حتى وإن كانت الكميات وافرة. فعملية إبحار باخرة أو باخرتين كل 14 يوماً لن تفي بالغرض، والشح سيلازم السوق اللبنانية إلى حين إيجاد حل شامل.
وكان عضو نقابة أصحاب محطات المحروقات جورج البراكس قد رأى أنه آن الأوان لتتوصل السلطتين السياسية والنقدية إلى اتفاق موحد، فالشعب والقطاع الاقتصادي بين فكي كماشة والبلد يتدمر، مشيراً إلى أن “مستودعات الشركات المستوردة للنفط بدأ مخزونها بالنفاد، والمخزون في محطات الوقود يكفي لآخر الأسبوع.