أفضى الاجتماع في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون يوم السبت الماضي الى الموافقة على “فتح حساب موقت بناء على اقتراح من وزير المال غازي وزني لتغطية دعم عاجل للمحروقات من بنزين ومازوت وغاز منزلي ومقدمي الخدمات وصيانة معامل الكهرباء، بقيمة 225 مليون دولار لغاية نهاية شهر أيلول، على أن تصدر وزارة الطاقة والمياه جدول الأسعار فور صدور القرار”. وتمثل قيمة الدعم الفارق بين سعر صرف الدولار بمنصة “صيرفة” والسعر المعتمد في جدول تركيب الأسعار والمحدد بـ8000 ليرة، على أن يتم تسديد هذه الفروقات من موازنة عام 2022.
واذا كانت الآراء قد أجمعت على أن الدعم الجزئي هو قرار خاطئ وتاليا لن يحل الازمة بل سيفاقمها، لاحظ آخرون أن ثمة علامات استفهام، لا سيّما من الناحية الدستورية والإطار القانوني للاجتماع خارج التئام مجلس الوزراء، وفي ظل حكومة تصريف أعمال
واستندت مصادر قانونية الى قراري مجلس الشورى وديوان المحاسبة وفيهما “ان الموافقات الاستثنائية لا تحل محل مجلس الوزراء”. وتاليا فإن “المجلس” الذي اصدر القرار لا يحوز الصفة التقريرية لان ذلك ينحصر بالحكومة ولو كانت مستقيلة ضمن ضوابط محددة في حالتين:
– الظروف العادية. وهنا، لا بد من التذكير بقرار مجلس الشورى الرقم 700 تاريخ 15/5/1995 الذي أشار الى أن للحكومة المستقيلة “القيام بالأعمال التي لا ترتبط بسياسة الدولة العليا والتي ليس من شأنها تقييد حرية الحكومة اللاحقة في انتهاج السياسة التي تراها أفضل…”.
– في حال وجود الظرف الاستثنائي، وفي حال كان ملحّا، فان الامر لا يتم الا بقدر ما يتوافق مع هذا الظرف، ولذلك ثمة قواعد قانونية لم تتبع لغاية اليوم، وفي حال اتبعت تقتضي الإشارة الى وجوب: ان يكون هنالك ظرف استثنائي، وان يكون متناسبا مع الظرف.
وعلى رغم الإشكالات التي رافقت الاجتماع فإن قرار استمرار #دعم المحروقات وإنما على سعر صرف دولار بـ 8000 ليرة سيخفف حدة الأزمة موقتاً، ولكن “من دون أن يشكل حلاً مادامت السلطات مشرذمة ومتخاصمة نتيجة الصراعات فيما الحكومة عاجزة عن وضع الآلية اللازمة لضبط ومراقبة توزيع المحروقات المدعومة وحصرها بالمواطنين وتأمينها لهم بالسعر الرسمي، والتي من دونها سيستمر التخزين والتهريب والسوق السوداء”.
مربّع الامتار الاخيرة قبل رفع الدعم؟
دخل لبنان فعلياً في مربع الأمتار الأخيرة من مشوار رفع الدعم عن المحروقات والمرتقب مع نهاية شهر أيلول، وفق مدير الأبحاث لدى اتحاد البورصات العربية الدكتور فادي قانصو، بيد انه اكد في المقابل ان “رياح قرارات اجتماع بعبدا لن تجري كما تشتهيه السفن، إذ تحمل في طيّاتها العديد من المحاذير والتداعيات السلبية على واقع الطوابير أمام محطات الوقود أو على الواقع المالي المأزوم”. وهذا القرار برأيه “لم ولن يحلّ أزمة التخزين، وتاليا فإن الطوابير أمام المحطات ستستمر، وإن بوتيرة أخف في المرحلة الأولى فقط، في حين أن السوق السوداء ستنشط أكثر، طالما أن الأنظار متجهة بعد شهر أيلول الى رفع إضافي للدعم إن كان جزئيا أو كليا، ما يعني أن شهية المهربين والمخزنين ستبقى مفتوحة لتوافر هوامش ربح كبيرة في مراحل لاحقة، وأننا قد لا نشهد انفراجا في أزمة الطوابير، لا بل على العكس من المتوقع أن تستفحل الأزمة أكثر فأكثر كلّما اقتربنا من نهاية أيلول، وتاليا فإننا أمام مشهد حرق 225 مليون دولار من الدعم خلال شهر أيلول من دون أن تتوافر المحروقات في سوق متعطشة وينهشها جشع عارم من المحتكرين والمخزنين وتجار الأزمات، وفي ظل غياب غير مستبعد للتنسيق بين الوزارات والادارات والأجهزة المعنية من قضائية وأمنية وعسكرية في سبيل الحؤول دون تخزين المحروقات أو احتكارها أو استغلال المخزون الموجود حالياً لتحقيق أرباح غير مشروعة”.
كما أن لهذا القرار تداعيات مرتقبة على سعر الصرف في السوق الموازية، وفق ما يقول قانصو “لا سيما أن مصرف لبنان أمام خيارين لا ثالث لهما لشراء الدولارات اللازمة لفتح اعتمادات الاستيراد. إما، أولا، من خلال المسّ بالاحتياط الإلزامي، وهو ما رفضه حاكم مصرف لبنان مرارا وتكرارا من دون قرار تشريعي من مجلس النواب والذي لا يبدو أنه سيسير في هذا الاتجاه حتى الساعة. وإما، ثانيا، من خلال اللجوء إلى السوق الموازية لتأمين الدولارات، إن كان بشكل غير مباشر عبر منصة صيرفة (وهي مستبعدة نظراً الى التفاوت في سعر الصرف بينها وبين السوق الموازية) أو بشكل مباشر عبر السوق الموازية. عليه، وفي كلتا الحالتين، أيّ المس بالاحتياط الإلزامي أو اللجوء إلى السوق الموازية، فإن الضغوط المستجدّة على هذه السوق قد ترخي بثقلها على سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية”.
الى ذلك، فإن ما أقره اجتماع بعبدا من تعديل في بدل النقل أو من مساعدة اجتماعية طارئة بما يوازي راتبا إضافيا، والذي يرى فيه قانصو “مطلبا اجتماعيا محقّا في ظل هذا الواقع المأزوم”، ولكن من الناحية الاقتصادية، “في ظل ركود تضخمي حاد يرزح تحته الاقتصاد الوطني، وفي ظل عملية تمويل مستمرة لحاجات الدولة اللبنانية من خلال التنقيد المستمرّ أو طباعة الأموال، فإن هذا القرار يحمل في طيّاته ضخ كتلة نقدية بالليرة تقدّر بنحو 1,700 مليار ليرة سنويا (كلفة رفع بدل النقل) ونحو 500 مليار ليرة (كلفة المساعدة الطارئة)، ناهيك بما تضمّنه اجتماع بعبدا من تحميل للدولة اللبنانية الفرق بين السعر المدعوم (8,000 ليرة) وسعر السوق، ما من شأن ذلك أن تكون له تداعيات تضخمية ملموسة قد تنعكس ضغوطاً إضافية في السوق الموازية، وتاليا على سعر الصرف”.
إلا أن ثمة من يعتبر أن عملية رفع الدعم الكلي قد تساهم في خفض سعر الصرف، وذلك نتيجة انخفاض حجم استيراد المشتقات النفطية من جراء تراجع الطلب عليها، ناهيك بعملية امتصاص الكتلة النقدية بالليرة مع تحرير سعر المحروقات على أساس سعر السوق. وفي هذا السياق لا يستبعد قانصو “أن تشهد عملية استيراد المشتقات النفطية انخفاضا بعد رفع الدعم مع ارتفاع أسعارها وفي ظل توقف مرتقب لعمليات التهريب”. ولكن بالعودة إلى أرقام الاستيراد خلال سنوات ما قبل الأزمة، يلاحظ قانصو ان “لبنان كان يستورد مشتقات نفطية بما بين 3 و4 مليارات دولار (مقابل 6 مليارات دولار في العام 2019 و3 مليارات دولار في العام 2020)، وإذا افترضنا أن عمليات الاستيراد قد تتراجع إلى النصف وهو أمر مستبعد على اعتبار أن مادة البنزين تعدّ أساسية وحيوية مع غياب البديل من نقل عام مشترك وفي ظلّ الحاجة إلى استيراد المزيد من مادة المازوت لتأمين الطاقة الكهربائية، والتي من شأنها أن تعوّض التراجع في استيراد الفيول لمؤسسة كهرباء لبنان العاجزة عن توفير الكهرباء، وتاليا فإن الطلب الجديد والمصحّح على المحروقات قد لا يُستهان به مقارنةً مع قدرة السوق السوداء المتواضعة نسبياً والتي لا يتعدّى حجمها الملياري دولار على أبعد تقدير”، من دون أن ينسى الاشارة الى “الطلب الإضافي المستجد على الدولار من مستوردي السلع الأساسية الأخرى من أدوية ومواد طبية وسلع غذائية ومواد أولية صناعية وزراعية وسلع استهلاكية أساسية أخرى”.
يصح القول بأن عملية امتصاص الكتلة النقدية بالليرة بُعيد رفع الدعم من شأنها أن تخفّض سعر الصرف في السوق الموازية، ولكن هذا ينطبق برأي قانصو “في حال كان مصرف لبنان هو الجهة المولجة امتصاص الليرات مقابل توفير الدولارات من احتياطاته لا من السوق الموازية، وهو أمر مستبعد، لا سيما أن مصرف لبنان لو أراد المسّ بالاحتياط الإلزامي لكان أبقى الدعم. وتاليا، مع لجوء مصرف لبنان إلى السوق لتوفير الدولارات فإن الكتلة النقدية بالليرة ستبقى في متناول يد السوق الموازية، ما يعني أن نظرية خفض سعر الصرف من جراء سحب الليرات من السوق بعد رفع الدعم لا تبدو واقعية ومنطقية في ظل ما نعيشه من أزمات سياسية واقتصادية ومالية ومعيشية. وحتى لو سلّمنا جدلا بأن رفع الدعم قد يساهم في سحب الليرات من السوق، إلا أن مفعول الطلب المستجد على الدولار في السوق الموازية والضاغظ صعودا على سعر الصرف، يتجاوز بأشواط مفعول عملية سحب الليرات من السوق والضاغط هبوطا على سعر الصرف في السوق الموازية، خصوصا إذا ما بقي لبنان عالقا في دوامة الفراغ الحكومي والتراخي في عملية إطلاق الإصلاحات الهيكلية المنشودة”.