تشق الباخرة الايرانية طريقها نحو لبنان وعلى متنها “غلة” المحروقات الموعودة، وهي واحدة من ثلاث بواخر وعد بها الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله اللبنانيين، على أن يتم فتح الخط مستقبلاً مع طهران وفق رؤية وهدف الحزب، الذي يتطلع شرقاً كاسراً كل العقوبات الدولية المفروضة على ايران ومتوعداً اسرائيل بالرد بحزم على أي ضربة قد توجهها طائراتها أو بوارجها الحربية نحو تلك البواخر التي باتت في البحر “اراض لبنانية”.
في المقابل، تشق العقوبات الغربية طريقها الى لبنان الذي اتخذت سلطاته القرار بالتعامل مع أي دولة قادرة على “انتشاله” من أزماته. ويدخل الاميركي والاوروبي على خط تلك العقوبات، وتستطيع تلك الدول شلَّ لبنان بـ”شحطة قلم”، ولن تتأخر عن فعل ذلك طالما ان قراراتها غير محترمة من الجانب اللبناني الذي يغوص برأيها في الازمات العربية والاقليمية ويزج نفسه في صراعات الدول. من تلك الخطوات التي يمكن أن تتخذها الدول الغربية، والتي تُعد رصاصة الرحمة في الجسد اللبناني المترهل، توقف المصارف المراسِلَة عن التعامل مع لبنان، وهذا الامر، بحسب المعلومات المتوافرة، بات شبه محسوم ينتظر الوقت المناسب وليس ببعيد اتخاذ القرار بشأنه، وعليه يُطرح السؤال عن اسباب هكذا قرار وتداعياته على الساحة اللبنانية.
بحسب خبراء ماليين، فإن وقف تعامل المصارف المراسِلَة مع لبنان يمكن أن يكون لديه اسس قانونية عدة، منها ما يتعلق بخرق العقوبات الدولية على ايران عبر استقدام باخرة نفط من هناك الى لبنان، ومنها ما يتعلق أيضاً
بخرق قانون قيصر المفروض على سورية والذي خرقه الجانب اللبناني عبر شبكات التهريب الى الداخل السوري، اضافة الى الفساد المستشري داخلياً والذي يُعد خرقاً لمعاهدة الامم المتحدة لمكافحة الفساد والتي وَقَّع عليها لبنان في 22 نيسان عام 2009.
اضافة الى الاسس القانونية، ثمة عوامل مالية تدخل في صلب القرار الذي سيُتخذ ويمكن أن تتذرع بها المصارف لاتخاذ خطوتها بعضها يتعلق بزيادة نسبة المخاطر داخل الدولة، لا سيما بعد اعلان حكومة الرئيس حسان دياب وقف دفع سندات اليوروبوندز، الامر الذي هزّ سمعة لبنان وأضر بها أمام الدول المانحة وتلك التي استدان منها لبنان لفترات طويلة، هذا بالإضافة الى فقدان المال من الخزينة العامة نتيجة سياسات الدعم التي اتبعت في السنتين الاخيرتين وما ترتب عنها من مصاريف بالمليارات.
الخبراء الماليون يشيرون ايضاً الى اسباب اضافية يمكن وضعها في إطار تحذيري يُقلق المصارف المراسِلَة، منها ما يتعلق ب “سُمعة” حاكم مصرف لبنان، والتي عمل أكثر من طرف سياسي على الاساءة إليها عبر مذكرات البحث والتحري التي اصدرها القضاء، وهذه الخطوات من شأنها أن ترتد سلباً على القطاع المصرفي اللبناني وعلى سمعته أمام الاطراف الغربية وبالتالي يمكن لهذه المذكرات أن تدفع بالمصارف الخارجية الى وقف التعامل مع مصرف لبنان، والذي سينسحب بصورة آلية على المصارف اللبنانية.
وفي حال تم اتخاذ القرار، كما يتم التداول به في بعض الأروقة المصرفية، فإن تداعياته ستكون خطيرة جداً على لبنان، أبرزها: الامتناع عن فتح اعتمادات في الخارج لأي مصرف داخلي فيتوقف بصورة آلية الاستيراد من الخارج، حتى لو ذهب التاجر ومعه السيولة الى البلد الذي يستورد منه كالولايات المتحدة وغيرها من الدول الأوروبية، فهذا الامر لا يمكن ان يحصل بسبب القوانين التي تمنع التعامل الورقي من دون المرور بالنظام
المصرفي الذي يراقب مصدر الاموال في اطار مكافحة تبييضها، وهذه الخطوة من شأنها عزل لبنان مالياً وفصله عن المنظومة المالية الدولية، ويقودنا ذلك حكماً الى شح الدولار في السوق واستطراداً الى رفع سعر الصرف ليحطم ارقاماً قياسية مرعبة.
ان تتخذ المصارف المراسِلَة هكذا قرار، يعني انك لم تعد برأيها شريكاً في المنظومة المالية الدولية، وبالتالي تصبح كدولة معزولة يمكنك التعامل مع البلدان التي تم فرض عقوبات عليها، وهنا تتردى الخدمات وتغزو السلع ذات النوعية الرديئة الاسواق ويصبح النموذج الفنزويلي واقعًا نعيشه على أرض الواقع.
يُعتبر قرار المصارف المراسِلَة المسمار الاخير في نعش النظام المالي اللبناني، فأمام اقتصاد ريعي يفتقد الى أبسط مقومات الانتاج، وفي ظل فراغ سياسي كبير ومخاوف أمنية متفرعة، قد ندخل مرحلة هي الاخطر في تاريخنا المعاصر تطال أسس ومقومات الدولة اللبنانية التي عرفناها على مدى أكثر من ثلاثين سنة.