كتب خالد أبو شقرا في “نداء الوطن“: شعرة رفيعة تفصل بين “النية الطيبة” بتحسين القدرة الشرائية للموظفين وعموم المواطنين، وبين طروحات زيادة الرواتب ورفع سقف السحوبات من المصارف المبنية على طباعة الليرة. هذا الفاصل الهش لن يلبث ان ينقطع تحت ضغط التضخم، مسببًا “تسونامي” من ارتفاع الأسعار تطيح بكل الزيادات. فتأخذ أمواج العاصفة “زبد” المعاشات، ولا تترك خلفها على الشاطئ إلا كميات مكدسة من النقود الورقية فاقدة القيمة.
مرة جديدة تجد “لجنة المال والموازنة” النيابية نفسها مضطرة للعب دور السلطة التنفيذية. فمن بعد تسلمها كرة نار “الكابيتال كونترول” الملتهبة من الحكومة، وجدت نفسها اليوم معنية بالتخفيف من وطأة الأزمة من خلال دراسة 3 أفكار وتحويلها إلى مقترحات قوانين للإقرار في البرلمان، وهي: رفع سقف السحوبات من المصارف إلى 10 آلاف ليرة للدولار، زيادة رواتب موظفي الدولة بنسبة 40 في المئة لغاية نهاية العام الحالي، وفتح اعتماد بقيمة 1200 مليار ليرة لتسديد مستحقات، ومنها بشكل اساس للقطاع الإستشفائي.
الزيادات نصف الإيرادات
باستثناء الإجراء الثالث فان بقية الإجراءات غير محددة القيمة. وبحسبة بسيطة يتبين أن زيادة 40 في المئة على الرواتب يكلف الخزينة شهرياً ما يقارب 400 مليار ليرة. واذا افترضنا أن هذا الإجراء حصر بـ3 أشهر (تشرين الأول، تشرين الثاني، وكانون الأول) فان مجمل الكلفة سيبلغ أيضاً 1200 مليار ليرة. أمّا في ما خص السحوبات، فمن المتوقع ألا تزيد المبالغ المسحوبة بسبب العمل على تخفيض سقف السحوبات الشهرية. وفي جميع الأحوال إذا أضفنا كلفة اقتراح لجنة المال المقدرة بـ2400 مليار ليرة، على كلفة رفع بدل النقل المقدرة بـ1200 مليار ليرة، واعطاء سلفة خزينة بقيمة 600 مليار ليرة كمساعدة إجتماعية تدفع على دفعتين متساويتين لموظفي الدولة، فان مجمل المبلغ سيفوق 7800 مليار ليرة. هذا الرقم يشكل حوالى 50 في المئة من مجمل الايرادات المحققة في العام 2020 (15890 مليار ليرة). فمن أين سيتأمن هذا المبلغ الهائل المقر لـ3 أشهر فقط في ظل تراجع الايرادات وعدم القدرة على الإقتراض؟
فنزويلا شاهد على فشل تجربة زيادة الرواتب
في التجارب الدولية عمدت فنزويلا منذ العام 2016 إلى زيادات دورية في الرواتب في ظل الكساد الذي تعانيه. فرفعت الرواتب قطاعياً، وبشكل عام للموظفين في الأعوام 2016 و 2017 و2018 و2019 و2021. وعلى الرغم من هذه الزيادات المتتالية على الرواتب، فان القدرة الشرائية لم تتحسن، بل على العكس فقد تراجعت بمعدلات أكبر بكثير. فمع بلوغ الحد الأدنى للأجور مؤخراً 10 آلاف بوليفار (3.5 دولارات) بلغ التضخم 3000 في المئة. وعلى الرغم من رفع الحد الأدنى للأجور إلى رقم فلكي، بقي لا يشتري كيلوغراماً واحداً من اللحمة (3.75 دولارات) أو كيلوغراماً من الجبنة (3.85 دولارات)… ولا يشتري حتى “كرتونة” بيض. فهل هذا ما ينتظرنا؟