جاء في ” النهار”:
بدت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الثالثة، وهي الحكومة الرابعة في عهد الرئيس ميشال عون، في يوم انطلاقتها العملية والرسمية كأنها تسابق الظروف الشديدة الخطيرة التي أدت إلى ولادتها المتأخرة على نحو دفع بها إلى تسجيل إنجاز صياغة مشروع البيان الوزاري بسرعة قياسية لا تتجاوز الـ 24 ساعة بين تشكيل اللجنة الوزارية لصياغة البيان وإنجاز مشروع البيان. وعلى الدلالات التي تكتسبها الوتيرة السريعة للحكومة الجديدة التي فرض إيقاعها تراكم الازمات الكارثية في البلد، فإن مشهد ازمة المحروقات كاد يخفي تماماً كل “الطقوس” والمراسم والشكليات التي واكبت انعقاد الجلسة الأولى لمجلس الوزراء في قصر بعبدا والتقاط الصورة التقليدية للحكومة مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري والرئيس ميقاتي، ومن ثم العودة الثالثة لميقاتي إلى السرايا بادئاً مهماته ومن بعدها انعقاد الاجتماع الأول للجنة الوزارية، ومن ثم بدء عمليات التسليم والتسلم بين الوزراء. ذلك ان اول أيام الأسبوع الذي صادف موعد انطلاق عمل الحكومة كما بداية فتح عدد كبير من المدارس في عودة الموسم الدراسي، سجّل أسوأ درجات التفاقم في ازمة المحروقات مع أوسع اقفال للمحطات بفعل نفاد الكميات المتبقية من البنزين والمازوت الامر الذي أدى إلى تمدد هائل في طوابير السيارات عند المحطات القليلة التي وزعت ما لديها. ولكن يبدو ان تزامن استفحال الازمة مع انطلاق عمل الحكومة أدى إلى اتخاذ اجراء مفاجئ تمثل في فتح مصرف لبنان الاعتمادات للشركات المستوردة للنفط بما يتيح ادخال عدد من البواخر تباعاً بسعر الدعم الحالي أي 8000 ليرة للدولار، وهو الامر الذي يؤشر إلى تمديد لفترة الدعم بدل رفعه نهائياً كما كان متوقعاً. ولا يستبعد ان يكون هذا الاجراء نتيجة تطورين متزامنين هما انطلاق عمل الحكومة الجديدة وترك قرار رفع الدعم النهائي لها ما أملى فتح الاعتمادات للشركات المستوردة بما يغطي السوق فترة كافية إضافية قبل رفع الدعم نهائيا، والأخر الإعلان عن “الحدث” المالي الإيجابي بتحويل ما يناهز المليار و135 مليون دولار أميركي للبنان بعد يومين، من صندوق النقد الدولي هي قيمة حقوق السحب الخاصة للبنان عن عامي 2021 و2009. ومع ان تحويل هذا المبلغ إلى احتياط مصرف لبنان سيشكل صدمة إيجابية وسط الازمة الخانقة واشتداد الحاجة إلى تمويل الحاجات الأساسية والحيوية، فان ذلك لم يحجب الارتباط الضمني بين هذا التطور والتريث في اتخاذ الإجراءات الحاسمة لرفع الدعم عن المحروقات.
ومن المقرر ان ينجز البيان الوزاري ويقرّ قبل نهاية هذا الاسبوع. وعلم انه تم الاتفاق في اجتماع رئيس الجمهورية ورئيسي المجلس والحكومة على الاسراع في انجاز البيان الوزاري لتعقد جلسات مناقشته ومنح الحكومة الثقة الاسبوع المقبل، كي تسرع الحكومة في الانطلاق بعملها لما ينتظرها من تدحديات المعالجات السريعة للازمات المتراكمة التي يعاني منها اللبنانيون.
البيان الوزاري
وقد أعد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مسودة البيان الذي تمت تلاوته وقراءته بشكل سريع على ان يتم التوسع في البنود العائدة للوزارات بناء على طلب الوزراء لاسيما المعنيين منهم بخطط الانقاذ والنهوض من الأزمات المالية والمعيشية والاجتماعية.
ومن البنود الاساسية تلك التي ترد في كل البيانات كالتزام القرارات الدولية ووثيقة الوفاق الوطني. وفي البيان بند يتعلق بتأكيد لبنان حقه باسترجاع ارضه في الجنوب براً وبحراً عبر مفاوضات ترسيم الحدود. كما يتضمن تأكيدا واضحا لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها. وافرد البيان بنداً يتعلق بالمحكمة الدولية الخاصة بلبنان، على ان تتم بلورة الموقف في نقاشات اللجنة الوزارية الخاصة.
ويؤكد البيان حق عودة النازحين السوريين كما عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ارضهم. وفيه أيضاً تأكيد لخطة فتح المدارس.
وفي البنود المتعلقة بالانهيار المالي يتحدث البيان عن توجه إلى التفاوض مع صندوق النقد الدولي والالتزام باصلاحات وضبط التهريب وخطة التعافي الاقتصادي والمالي. ويشير البيان في أحد بنوده إلى كارثة انفجار مرفأ بيروت مع تأكيد عدم التراجع عن كشف الحقيقة ودعم التحقيق العدلي في الجريمة.
وفيما يتعلق بالفقرة الاشكالية المتعلقة بالمقاومة فهي التي اعتمدت في بيانات الحكومات السابقة في هذا العهد وقد تركت مناقشتها وبلورتها إلى اجتماع اللجنة اليوم.
وفي الاجتماع الاولي للجنة، اضيفت إلى المسودة التي كانت من أربع صفحات اقتراحات مقدمة من الوزراء لتدرج اليوم.
وفي خلاصة الاجتماع الاول للجنة الخاصة التزم الجميع بمبدأ السرعة لتباشر الحكومة على الفور بمهماتها الانقاذية من الازمات والتخفيف من الام اللبناني
وشهدت الجلسة الأولى لمجلس الوزراء مواقف “متقدمة” لرئيسُ الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي في طلبهما من الوزراء، التخفيف من الكلام والإطلالات الإعلامية والذهاب نحو الأفعال. وشدد عون على “اننا أمام مسؤوليات وطنية وتاريخية كبرى لتفعيل دور الدولة ومؤسساتها واستعادة الثقة بها. ويجب الا نضيع الوقت اذ لم يعد لدينا ترف البطء والمماطلة”. وأضاف “مطلوب إيجاد الحلول العاجلة لمعالجة الأوضاع المعيشية للمواطنين وإطلاق ورشة عمل سريعة لوضع لبنان على طريق الإنقاذ والتعافي والنهوض” مشيراً إلى أن “أمامنا تحديات كبيرة لذلك أوصيكم بالإقلال من الكلام والإكثار من العمل”.
من جهته، أكد ميقاتي أنه “ينتظرنا الكثير من العمل ومن التعب، علينا جميعاً أن نضحي، فالبلد يتطلب اجراءات استثنائية “، وأضاف، “لا تخيبوا آمال اللبنانيين. لتكن اقوالكم مقرونة بالأعمال. الوقت ثمين ولا مجال لإضاعته “. وطلب ميقاتي من الوزراء “الاقلال من الاطلالات الاعلامية لأن الناس تتطلع إلى الافعال ولم يعد يهمها الكلام والوعود. والامور بالنسبة للناس في خواتيمها.
صدام الخارجية
أما المفارقة التي رافقت بدء عمليات التسليم والتسليم ووداع الوزراء السابقين فتمثلت في “الصدام” الذي حصل في وزارة الخارجية حيث حصلت واقعة مستغربة ومثيرة للاستنكار نظراً إلى ان الوزارة لم تشهد مثيلا لها في أي حقبة. وقد حصل صدام بين عناصر من امن نائبة رئيس الحكومة وزيرة الدفاع والخارجية زينة عكر وعدد من الموظفين أدى إلى خلع وتكسير ابواب مديرية الرموز في الوزارة إثر إشكال وقع بين عكر والأمين العام لوزارة الخارجية هاني شميطلي، جرى خلاله عراك مع أمن الوزيرة السابقة على خلفية تمنّع شميطلي عن فتح الباب لها. وأوضحت مصادر معنية ان عكر حضرت إلى مكتبها ومارست مهامها إلا انها مُنِعت من دخول مديرية الرموز التي تضم كل البرقيات الواردة من الخارج. وقد اشارت أوساطها إلى انها ارادت توديع الموظفين هناك وشكرهم لكن شميطلي أوعز بإقفال الأبواب في وجهها وطلب منها عدم التحدث معهم الا في حضوره لأن ذلك “مخالفة دستورية” بحسب قوله ما اضطر الوزيرة إلى اعطاء تعليمات بفتح الباب”.
نصرالله
في غضون ذلك أعلن الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله البدء بنقل المحروقات الإيرانية من ميناء بانياس السوري إلى البقاع بعد وصول السفينة الإيرانية الناقلة مادة المازوت. وحدد الية لتوزيع المازوت المستورد من إيران على المؤسسات، وكشف ان الحزب سيقدم هبة لمدة شهر للمستشفيات ومؤسسات اخرى وقال “ان البيع لسائر المؤسسات سيكون بأقل من سعر الكلفة وان الخميس المقبل هو موعد وصول الصهاريج من سوريا إلى البقاع”. وكرر نصر الله عدم رغبته بالرد على ما سماها ” التفاهات” التي رافقت سير السفينة من إيران وشككت بقدومها. وأكد ان باخرة أخرى محملة بالمازوت ستصل خلال ايام إلى بانياس والباخرة الثالثة بدأت بتحميل مادة البنزين. وبرر عدم توجهها إلى لبنان بعدم إحراج أحد.
وكان نصر الله استهل كلامه بالتهنئة بتأليف الحكومة واكد ان الحزب يدعو لإجراء الانتخابات النيابية والبلدية في موعدها. ورحب بتشكيل الحكومة في هذه المرحلة الصعبة من تاريخ لبنان، “ونحن طالما دعونا بكل صدق لتشكيلها ونشكر لكل من ساهم وانجز وساعد في التشكيل. وشكر رئيس الحكومة السابق حسان دياب الذي عمل طوال فترة تصريف الاعمال لمدة عام كامل كما الوزراء.
ولفت السيد نصرالله إلى “اننا نتطلع إلى حكومة تقوم بالانقاذ والاصلاح لان البلد اصبح في قلب الانهيار، ونحن نؤيد التحضير للانتخابات النيابية والبلدية وندعو لاجراءها في موعدها. ودعا لمنح الحكومة الثقة في اسرع وقت لان الوقت اصبح ضيقا وعليها القيام بمجموعة من الخطوات الاصلاحية، والمطلوب منا جميعا التضامن للتخفيف عن الناس واعطاء الحكومة الوقت المطلوب لها للإنجاز.”
واشنطن والحزب
في المقابل، كشفت وزارة الخارجية الأميركية عن مكافأة تصل إلى 7 ملايين دولار للمعلومات عن رئيس مكتب الأمن الخارجي لحزب الله، طلال حمية، معتبرة أنه مسؤول عن جميع الهجمات التي تنفذها خلايا الحزب في جميع أنحاء العالم. ودعت من لديهم معلومات عنه لإرسالها إلى برنامج مكافأة من أجل العدالة عبر “تلغرام” أو “سغنال” أو “واتساب” على الرقم ذاته.