كتب ذو الفقار قبيسي في ” اللواء”:
صورة المأساة تكبر ومعها أرقام الانهيارات في مختلف القطاعات. الناتج الإجمالي السنوي تراجع بنحو ٣ أضعاف من ٥٥ مليار دولار الى ١٨ مليار دولار وحجم الأعمال تقلص ٨٠% ومعه تراجعت القوة الشرائية لأجور القطاعين العام والخاص ١٠ أضعاف من دولار الـ١٥٠٠ ليرة الى دولار الـ١٥٠٠٠ ليرة. راتب المليون ونصف المليون ليرة كان يوازي ١٠٠٠ دولار شهريا وبات يوازي ١٠٠ دولار شهريا، فيما الأسرة المكوّنة من ٤ الى ٥ أشخاص باتت بحاجة الى ما بين ٧ و10 ملايين ليرة شهريا كي تؤمّن الحد الأدنى من أكلاف المعيشة والحياة. وحتى بدل النقل الذي أقرّ بداية بـ٢٤٠٠٠ ليرة شهريا كان على أساس سعر صفيحة البنزين بـ٧٠ ألف ليرة فكيف يكفي عندما يصبح سعر الصفيحة قريبا ٣٦٠ ألف ليرة؟! وفيما كانت الأسرة الواحدة المكوّنة من ٥ أشخاص يعمل فيها أحيانا ٣ أشخاص، بالكاد يعمل منها الآن شخص واحد. وهناك أكثر من ٢٥٠ ألف جامعي على مدى ٣ سنوات انضموا الى جيش البطالة التي بعد أن كان معدله ١١% عام ٢٠٠٩ ارتفع الى ٥٥ و٦٠% الآن مع ازدياد عدد الشركات والمؤسسات التي تقفل، الشريحة تلو الأخرى لا سيما في قطاعات التجارة والسياحة والإعلام والخدمات والمصارف التي ستزيد من صرف الموظفين والعمال متى تدمج أو تقفل المصارف المتعثرة. والتقديرات انه من الآن حتى نهاية العام ١٠% فقط من مجموع الشركات والمؤسسات ستكون قادرة على العمل بأجر كافٍ ودوام وإنتاجية كاملين، فيما ٢٠% بانتاجية جزئية وبطالة مقنعة أي بنصف أو ربع أجر وساعات وأيام محدودة من الأسبوع. والـ٧٠% الباقية من المؤسسات برسم الاقفال، وتزداد مع اقفالها دعاوى وشكاوى العمال التي ارتفعت ٤ أضعاف عما كانت عليه قبل الأزمة بسبب ازدياد حالات الصرف التعسفي والحرمان من التعويضات وعدم الانتساب الى الضمان الاجتماعي الذي تراجعت فيه قيمة أموال نهاية الخدمة في الضمان الاجتماعي التي بسبب انهيار قيمة الليرة، انخفضت مما كان يوازي ٧ مليارات دولار الى ما يوازي ٥٠٠ مليون دولار الآن، إضافة الى ان جزءا من هذه الأموال استلفته الدولة وتماطل في إعادته الى الصندوق بإستثناء دفعات جزئية والى أمد غير منظور، ليبقى مستقبل العامل ومصيره في مهب الريح.
وحتى اقتصاد الكماليات ينهار. فنادق الـ٥ نجوم أقفلت أكثر من ٢٠٠٠ غرفة حتى الآن، وعدد السيارات المستوردة الذي كان يصل سنويا الى ٤٠ ألف سيارة بات لا يتعدى الآن الـ٤ آلاف سيارة. وحجم أعمال الهايبر والسوبرماركت تراجع بأكثر من ٨٠% ومعها كل أعمال الخدمات التي كانت مخصصة للسياح والزوار الأثرياء والميسورين العرب والأجانب، والتي كانت تشكّل جزءا من المنظومة اللبنانية المنافسة في البلاد العربية من الإستشفاء أو التعليم إلى الإستشارات المالية والإدارية وبرامج الكمبيوتر العالية الجودة، والتي باتت بعض البلاد العربية في الخليج والأردن ومصر أكثر قدرة على المنافسة فيها من لبنان.
كل هذا التراجع في مختلف القطاعات أدّى ويؤدي الى تقلّص الناتج الإجمالي والى تراجع دفق الدولار الذي تعددت أسعار صرفه بشكل عجيب غريب بـ1507,5 و٣٨٥٠ و٦٠٠٠ و٨٠٠٠ و١٢٠٠٠ و١٥٠٠٠ حسب الموقع والمنصة والتقلبات والمضاربات وحسب الموضوع والظروف!! وهذا فيما الدعوات تتواصل سواء من قبل الاختصاصيين والخبراء أم من قبل الصندوق والبنك الدوليين، الى تحرير وتوحيد السعر وكأنما الموضوع ممكن وبسحر ساحر، ودون أي اعتبار الى أن توحيد سعر الصرف يحتاج الى توازن في لبنان بين ما يخرج ويدخل من دولار، وأن أي عجز بين الخارج والداخل يحتاج الى اقتراضه من الخارج بما ينقل الحال من الرمضاء الى النار ويزيد من حجم الدين العام أو عبر سهولة إستنزاف أموال المودعين كما حصل على مدى العقود الماضية التي شهد اللبنانيون خلالها قبل الأزمة بدعم الليرة مقابل الدولار نوعا من سهولة العيش وانتقلوا بعد اشتعال الأزمة الى صعوبة العيش من دعم الليرة الى دعم السلعة ولكن إلى متى؟!…