كتبت كلير شكر في ” نداء الوطن”:
يقول الوزير طلال حواط خلال حفل تسليمه وزارة الإتصالات إلى خلفه الوزير جوني قرم إنّ “كثيرين راهنوا على فشل قطاع الاتصالات وانهياره، ولكن على الرغم من كل الصعوبات والتحديات، ما زلنا في لبنان نستطيع القيام بالاتصال داخلياً ودولياً”! عن أي اتصالات يتحدث الوزير السابق ونحن نعجز عن القيام باتصال واحد من دون تعرّضه للانقطاع مرة واثنتين وثلاثاً؟
يسلّم حواط قطاعاً مشلولاً، رغم تأكيده أنّه “منجم ذهب”، يعني أنّه يدرّ الأرباح الطائلة على الخزينة العامة، لكنّ الوزارة التي باتت تديره منذ حوالى سنة بعد استرداد الإدارة من الشركتين اللتين كانتا تشغّلانه، عجزت عن القيام بأي خطوة نوعية من باب تطويره وتحسينه، حتى أنها لم تتمكن من تأمين المازوت لتشغيل المحطات، وكأنّ المطلوب تحويله إلى مؤسسة كهرباء جديدة يُراد بيعها أو خصخصتها بأبخس الأثمان! اذ تبيّن منذ عشرة أيام تقريباً، وفق بيان رسمي، أن “هناك 6 محطات فقط لألفا من أصل 1400 محطة متوقفة عن العمل بسبب أعطال ميكانيكية، و57 محطة متوقفة بسبب فقدان مادة المازوت، بينما هناك 63 محطة في وضع الاستراحة لأنها تعتمد على طاقة مولدات الأحياء وتتوقف عن العمل بسبب التقنين”. أمّا “تاتش فلديها 1375 محطة، منها 270 تواجه المشاكل، من أصلها 145 متوقفة بسبب فقدان المازوت، وهناك 19 محطة لديها مشاكل مع مالكي العقارات المؤجرة، بينما 69 محطة تعاني مشاكل تقنية و37 محطة ترتكز على الطاقة الكهربائية لمولدات الأحياء التي تعتمد التقنين. وبذلك، يكون هناك حوالى 19 في المئة من المحطات في تاتش تتعرض للانقطاع عن العمل”.
ففي الخامس من أيار 2020 قررت الحكومة اللبنانية استرداد إدارة الخلوي من الشركتين المشغّلتين (انتهى عقداهما في 31 كانون الأول 2019)، وأعلن حواط في حزيران من العام نفسه أسماء أعضاء مجلسي الإدارة، لكن مماطلة “اوراسكوم” و”زين” حالت دون اتمام الانتقال سريعاً، إلى أن نقلت الشركة الأولى في أيلول 2020 صلاحيات التوقيع الى مجلس الادارة الجديد، وتمّ “طرد” الثانية نهاية تشرين الأول الماضي. وهذا يعني أنّ مجلس إدارة “ميك 1” انتهت ولايته فيما يشارف “ميك 2” على ذلك. وبين الاستحقاقين، التسليم والتسلّم، يتبيّن أنّ خلاصة تجربة الدولة في إدارة القطاع، لم تؤد إلّا لمزيد من الفشل والتدهور في نوعية الاتصالات، بينما واردات الخزينة العامة من هذا القطاع إلى ازدياد.
يقول وزير الاتصالات السابق إنّه لم يرفع أسعار الانترنت او تعرفة التخابر للخطوط الهاتفية الثابتة والخلوية، “أولاً من باب حرصي على المواطنين والضائقة الاقتصادية التي نمر بها جميعاً، وثانياً لان إيرادات القطاع كانت الأفضل منذ العام 2016”. ويضيف في بيان رسمي آخر أنّ “في الأشهر الستة الأولى من العام الحالي 2021، بلغت إيرادات شركتي الخلوي 74,1 في المئة، وهي النسبة الأعلى في تاريخ وزارة الاتصالات”.
ومع اعترافه بأنّ المشكلة ليست في الإيرادات، يصير السؤال: أين يكمن الخلل خصوصاً وأنّ عمر أزمة المازوت، هو أشهر فقط، في حين أنّ الدولة سجلت 12 شهراً من تجربتها في إدارة القطاع. فلماذا خرج حواط من وزارة الاتصالات “صفر انجازات”؟ مع أنّه وعد خلال المؤتمر الصحافي الوحيد الذي عقده يوم اعلان أعضاء مجلسي الإدارة عن “إتمام دفتر شروط خلال 3 أشهر لإجراء مناقصة دولية لتفويض وإدارة الشركتين بشروط مالية تصبّ في مصلحة الدولة حصراً”. ولكن شيئاً من ذلك لم يحصل. أمّا وزير الاتصالات الجديد فيدشّن دخوله الوزارة عبر التأكيد أنّه “سيعمل مع فريق الوزارة على تأمين معالجة سريعة للأمور الملحة التي يعاني منها القطاع حالياً”، مشيراً إلى أنّه “سيضع خطة عمل تكون بمثابة خريطة طريق ترسم استراتيجية واضحة لمواكبة تطورات قطاع الاتصالات في العالم”. في الواقع، إنّ ما يحتاجه هذا القطاع لا يتعدى الإدارة السليمة والشفافة، لتحقيق هدف إستعادته فعلياً وليس صورياً، والتخلي عن الإدارة الزبائينة والتوظيفات السياسية التي أثقلت الشركتين، وإعادة النظر بالعقود الموقّعة في السنوات الخمس الأخيرة، وإشراك الاجهزة الرقابية، وتشريك القطاع الخاص (بعد تحقيق الشروط المذكورة) لجلب الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة.
أمّا غير ذلك، فالقطاع جاهز لتطويره خصوصاً وأنّ أكثر من خمسة مليارات (موثّقة في لجنة الاعلام والاتصالات) تمّ دفعها كمصاريف تشغيلية (3 مليارات دولار) ومصاريف رأسمالية (ملياران) خلال السنوات العشر الأخيرة. ما يعني أنّه ليس هناك حاجة لتكبيد الخزينة العامة مزيداً من المصاريف تحت عنوان التطوير أو التحديث أو التحسين. المطلوب هو حوكمة رشيدة لا أكثر. ويُخشى أن يكون الوزير الجديد قد قرر الاستعانة بخبرات أحد مدراء شركة “اوراسكوم” الذي كاد “يطير” قبل مغادرة شركته وهو مدّعى عليه في ملف هدر في المال العام. اذ رُصد مشاركاً في حفل التسليم والتسلم يردد أمام بعض معارفه أنه سيقدّم المساعدة للوزير الجديد.
حتى الآن، يُدار القطاع من دون أي نموذج يحتذى به. الوزير يتخذ كل القرارات ومجلسا الإدارة يوقعان، من دون أن يبادرا إلى اتخاذ أي اجراء اصلاحي من شأنه أن يبدّل واقع المحاصصة والتنفيعات المكرّس منذ سنوات. فعلى سبيل المثال، تبلغ كلفة عقد الصيانة والتحديث الموقّع (لعشر سنوات) مع شركة “باور تيك” حوالى 16 مليون دولار سنوياً عن “ميك 1” و16 مليون دولار عن “ميك 2″، وسينتهي بكلفة 320 مليون دولار! بالنتيجة، ثمة أسئلة أساسية تطرح على طاولة الوزير الجديد: هل المطلوب بيع القطاع أو خصخصته بسعر “التراب”؟ أم المطلوب تطويره لجعله مرفقاً اقتصادياً حيوياً يؤمّن فرص عمل جديدة وذلك من خلال إدارة سليمة تضعه على سكّة تحديث الخدمات؟ أم يجب الإبقاء عليه كمنجم ذهب يدرّ أموالاً للخزينة من جيوب المواطنين لتعود وتهدر على السياسات الزبائنية؟