خلال الأزمة الاقتصادية، برزت مبادرات عديدة لدى المغتربين والمهاجرين اللبنانيين لمساعدة المقيمين في الوطن، سواء أكانت المساعدات عينيّة أم ماليّة.
واحدة من هذه المبادرات تميّزت في الفترة السابقة، وبدأت بالانتشار بين اللبنانيين المقيمين؛ إنّها مبادرة من نوعٍ آخر، تسعى لمساعدة اللبنانيين على إيجاد وظائف لدى شركات خارج الوطن، سواء من خلال التوظيف الحضوري أو التوظيف من بُعد، والهدف تحصيل رواتب بالعملات الأجنبية. لكن الأهمّ في هذه المبادرة، التي تحوّلت إلى منصّة معتمدة للتوظيف، يبقى دور المغترِب في مساعدة المُقيم.
بعد انفجار المرفأ، شعر طارق عيد، وهو طالب حقوق وإدارة أعمال في سنته الثالثة في لندن، ومؤسِّس منصّة lebridge للتوظيف، بأنّ عليه القيام بشيء تجاه لبنان، ضمن إمكانيّاته كطالب، ومن دون الحاجة إلى الاستثمار، وبعيداً من السياسة والأعمال، “ولم تكن لديّ أصلاً القدرات لأن أؤسّس شركة أو أيّ طموح سياسيّ، إنّما هي مبادرة فرديّة لمساعدة اللبنايين ونحن في الاغتراب”، يوضح طارق.
ارتأى إذاً طارق أنّ “أفضل طريقة لمساعدة اللبنانيين هي الدعم الإنساني، واستخدام منصّة إنستغرام لمساعدة اللبنانيين على إيجاد فرص عمل في الخارج أو لدى شركات أجنبية للعمل من بُعد، والفكرة هي أن يجدوا وظائف تخوّلهم أن يتقاضوا رواتب بالعملات الأجنبية”.
في بادئ الأمر، يروي طارق أنّ المبادرة انطلقت منذ شهر كانون الثاني في السنة الجارية، وكانت مجرّد حساب يدخل إليه المتصفّحون اللبنانيّون لإيجاد وظائف، وتقديم طلباتهم إليها. لكنّه وجد أنّ اللبنانيين ليسوا بحاجة فقط إلى فرص عمل، إنّما إلى دعم معنويّ للبحث أيضاً عن فرص عمل، فـ”مع الأزمة المستفحِلة رأينا أنّه لا يمكن تركهم يبحثون عن أعمال فقط، ولاحظنا مؤخّراً أنّ عدد الأشخاص الباحثين عن وظيفة يزداد بشكلٍ كبير”.
إزاء هذا الواقع، فتح طارق جناحاً استشارياً، فتطوّع لهذه الغاية 10 أشخاص يهتمّون بالاستشارة، وأتاح طارق الإمكانية أمام كلّ باحث عن وظيفة الدخول إلى موقع Lebridge وإجراء لقاء افتراضيّ مع المستشارين المختصّين، ليساعدوه على بحثه عن الوظيفة. ويسعى طارق وزملاؤه المتطوّعون إلى مساعدة اللبنانيين على أن يحسّنوا من سيرهم الذاتيّة، والإضاءة على قدراتهم وطموحهم ومميّزاتهم في هذه السّير.
ويؤكّد طارق أنّه منذ انطلاق حساب Lebridge “لم ندفع قرشاً ولم نتقاضَ قرشاً أبداً، وبقي العمل تطوّعيّاً بيننا وبين عارضي الوظائف والباحثين عنها، وهذا أكبر فخر بالنسبة إليّ، أن أقدّم هذه الخدمة لشعبي دون أيّ مقابل”.
ويرى طارق أنّه “لو كان لبنان في ظروفه الطبيعيّة لما كنت بحاجة لأن أطلق هذه المنصّة، فنسبة البطالة تفوق الـ 52% في لبنان، وما لاحظناه هو أنّ نسبة كبيرة من الباحثين عن الوظائف لا يدرون كيف يمكنهم تغيير مهنهم أو الاستفادة من قدراتهم؛ فهناك خلل في تهيئة الأفراد لسوق العمل، ونحن نحاول المساهمة في حلّ هذه المشكلة”.
فهل في مبادرة طارق تشجيع على الهجرة؟ يُجيب طارق: “لا يُمكنني أن أنصح شخصاً ما يودّ الذهاب إلى الخارج بالبقاء في لبنان، وكذلك لا أشجع النّاس على الهجرة، إنّما أرى أنّ لدينا القدرة على مساعدة لبنان في محنته أكثر ونحن في الخارج”. لذلك، ينصح طارق “الأشخاص الذي يرغبون في السفر إلى الخارج بالإقدام على هذه الخطوة شرط مساعدة لبنان وهم في الخارج، من خلال الاقتراع في الانتخابات ودعم الجمعيّات والتسويق للبنان في الخارج بصورته الجميلة وما إلى ذلك”.
طارق الذي هاجر إلى لندن منذ 3 سنوات، وأهله منذ عشر سنوات، يرى في الأغتراب اللبناني عاملاً مهمّاً وقدرة على حلّ جزء كبير من الأزمة في لبنان، ويعتبر أنّ “الاغتراب اللبناني مثير للاهتمام، وفرصة السفر تمكّن اللبناني حالياً من أن يتقاضى أكثر بكثير ممّا يتقاضاه في لبنان في ظل هذه الأزمة، كما لدينا شبكة علاقات واسعة في الخارج، ونعيش في بلاد ظروفها طبيعية، ما يمكّننا من أن نفكّر ونركّز على مستقبلنا، ويُعطينا وقتاً إضافياً لأن نساهم في إعادة إعمار لبنان ومساعدته”.
وبحسب طارق، ما هو لافت أنّ “جميع الباحثين عن وظائف هم من حملة الشهادات بجميع مستوياتها، لا سيّما العالية منها، وهذه كارثة ألّا يستطيع اللبناني أن يجني ثمار استثماره في علمه”.
لكن أهمّ رسالة، يودّ طارق توجيهها من خلال هذه المنصّة، “إلى المغتربين اللبنانيين، مع بروز واتّساع نسبة العمل من بُعد ومدى سهولة تنفيذه، فعليهم أن يعرفوا أنّه عبر توظيفهم للبنانيّ واحد يُساهمون في إعالة عائلة لبنانيّة بأكملها؛ لذلك يجب أن نبرز أهميّة توظيف اللبناني في الخارج اليوم”، مضيفاً أنّه “إذا ما احتسبنا أنّ نصف أعمال اللبنانيين في الخارج اعتمدت على موظّفين لبنانيين، فإنّ نصف الأزمة الاقتصادية في لبنان قد تُحلّ، لذلك على المغتربين أن يدركوا أنّ توظيف اللبنانيين هو ضرورة وسهل جداً”.