كتب ذو الفقار قبيسي في ” اللواء”:
كلمة «الإصلاحات» أصبحت الأكثر إستعمالا في الأخبار والتحليلات المتعلقة بمسيرة لبنان الى صندوق النقد الدولي، وتتناول الجوانب المالية والنقدية والاقتصادية والإدارية والهيكلية المتصلة بكافة القطاعات في بنية الدولة اللبنانية التي قد تجري عليها بعض عمليات الترميم والتجميل بما يكفي في نظرها لإقناع مسؤولي الصندوق بالموافقة على قروض حدّها الأدنى ٥ مليارات دولار والأقصى ١٠ مليارات دولار موزعة على مدى ٥ سنوات.
وإذا كانت الدولة اللبنانية قد تصل الى حد الإرادة والقدرة على القيام بهذه العمليات ضمن الحدود الممكنة التي قد تسمح بها عقلية المحاصصات والتقسيمات التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من سجلها التاريخي المشين، فإن العقبة الكبرى في هذه العملية «الإصلاحية» الشكلية قد تكون في الجانب المتعلق بـ«مكافحة الفساد» التي من الصعب جدا – ربما الى حد المستحيل – على دولة المحاصصات والتقسيمات والطوائف والمذاهب أن تحققها مهما كانت أهميتها كجزء من شروط الصندوق الدولي قبل الموافقة على أي تمويل.
بل أن التقارير الأخيرة تشير الى تزايد أهمية هذا الجانب المتعلق بـ«مكافحة الفساد» بالنسبة للصندوق الى درجة قد تكون سببا رئيسيا في وقف أي عملية تمويل في بداية أو منتصف الطريق وبما يعطل العملية التمويلية بكاملها.
ففي المعلومات التي أوردتها «الأكونوميست» البريطانية تحت عنوان The Imf Gets Stricter On Corruption ان الصندوق الدولي بات أكثر تشدّدا في شرط «مكافحة الفساد» لدرجة أنه أعاد النظر أو أوقف عمليات تمويل لعدة لدول أفريقية بسبب عدم تنفيذها كفاية هذا الشرط منها غينيا، والكونغو – برازافيل، والغابون والكاميرون. وان الصندوق خلال إشرافه على أوجه انفاق جزء من قروض لهذه الدول تراوح في المرحلة الأولى بين ٢٨٣ مليون دولار لغينيا و٤٤٩ مليون دولار للكونغو – برازافيل لاحظ ان الفساد ما زال مستشريا في هاتين الدولتين وأوقف كل عملية التمويل. كما أنه بالنسبة لقرض بـ٦٩٠ مليون دولار للكاميرون فقد جرى إيقافه بعدما لاحظ الصندوق سرقات من الأموال المخصصة لمواجهة جائحة الكورونا إضافة الى عدم الإلتزام بحماية حقوق الإنسان ومن ضمنها شبكة أمان اجتماعية هي جزء لا يتجزأ من هذه الحقوق.
وبالتالي فإن تكرار الحديث في لبنان عن «الإصلاحات» بشكل عام ينبغي أن يترافق مع التشديد على ضرورة أن تعطي الدولة الأولوية لـ«مكافحة الفساد» وهي المهمة الأصعب والتي إذا لم تنفذ كفاية على الشكل الذي بات يشدّد عليه صندوق النقد. وحتى لو تحققت كل باقي البنود الإصلاحيات الأخرى بكاملها، فكيف إذا تحققت في عمليات ترميم وتجميل خارجية؟ وعندها إذن لا قروض ولا مساعدات بل المزيد من الكوارث والنكبات.